مع تفاقم أزمة الدولار بالسوق المصري، واتجاه حكومة الانقلاب نحو استعمال الحرب النفسية لمجابهة ارتفاعع الدولا ر وانهيار الجنيه المصري، إثر الديون وفوائدها المتراكمة، ونفاد الاحتياطي النقدي، صدر نظام السيسي مشروع بيع منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي، للبيع للإمارات ، مقابل 42 مليار دولار، منهم 22 مليار دولار بشكل نقدي عاجل، والباقي ينفق على إقامة مشروعات استثمارية وسياحية، وهو الأمر الذي أثار استهجان المؤيدين للسيسي قبل معارضيه، إذ إن الطرح الحكومي المتعلق ببيع الأرض جاء بمبلغ كبير ليس في طاقة أي رجل أعمال إماراتي أو خليجي، إنما يمكن قبوله بإنفاق دولة، وليس أفرادا.
وشن نظام الانقلاب حملته الإعلامية حول المشروع، عبر مصادر مجهولة وتسريبات إعلامية، دون بيان توضيحي رسمي.
وصدر الإعلام المدار من قبل المخابرات، رواية أن الصفقة ستساهم في إخراج الاقتصاد من أزمة خانقة تهدد الدولة بعدم قدرتها على الوفاء باحتياجات المواطنين من السلع الأساسية وسداد فوائد وأقساط الديون التي تضاعفت 3 مرات خلال 10 سنوات.
تسريبات الصفقة المريبة
تظهر التسريبات الإعلامية حول الصفقة المريبة، على لسان الإعلامي خيري رمضان مؤكدا لرجل أعمال بارز، أن القيادة بالدولة أخبرته بسر خطير يطلعه عليه، كصديق ورجل أعمال له مصالح ومجال واسع للتأثير بين المستثمرين وأسواق المال.
ويشير المحلل الاقتصادي هاني توفيق إلى أنه رأى مخططا رسميا لتخصيص أرض رأس الحكمة التي تصل مساحتها نحو 199 كيلو مترا مربعا، إلى شركة إماراتية، لبناء مشروع سياحي كبير، مقابل دفع 22 مليار دولار كدفعة عاجلة، تساعد الحكومة في مواجهة شح الدولار والعملات الصعبة، وسداد باقي المبلغ على 5 سنوات، وضخ استثمارات بمليارات الدولارات، لإقامة منتجعات سياحية ومشروعات عقارية وميناء لليخوت، تباع للأجانب بالعملة الصعبة.
وضمن التسريبات، اعتبر رجل الأعمال الخبر بشرى جيدة يجب على الحكومة أن تحتفي به، داعيا بأن توظف قيمة الصفقة في مشروعات إنتاجية تدر عائدا على البلد بالدولار بدلا من هدرها، لم يرفض توفيق فكرة البيع ولم يعلق على طبيعة المشروعات، حيث جاءت متوافقة مع رؤيته الخاصة.
وانطلقت معلومات بيع “رأس الحكمة” للإمارات كالنار في الهشيم، وتحولت إلى “ترند”، على وسائل التواصل الاجتماعي، يدلي فيها الخبراء والناس بدلوهم، بين مؤيد ومعارض، فتخرج في وسائل الإعلام شبه الرسمية وبعضها مملوك لشركات تديرها المخابرات، مؤكدة وجود خطط حكومية لطرح “رأس الحكمة” كمشروع سياحي ضخم أمام المستثمرين.
مصدر مجهول
يظهر في الأفق مصدر مجهول، ليعلن بالصحف الرسمية للدولة عدم صحة معلومات البيع أو الإسناد لأي مستثمر أجنبي، مع إشارة بجدية المخططات التي تدرسها الدولة لتحويل المثلث المحاط بشواطئ هادئة نادرة إلى مشروع سياحي ضخم في إطار خطة للدولة ممتدة حتى عام 2050.
وتقع رأس الحكمة داخل البحر المتوسط على هضبة كاشفة لما حولها من شواطئ غناء، عند الكيلو 170 بين الإسكندرية ومرسي مطروح ممتدة على مسافة 50 كيلو مترا بطريق الساحل الشمالي، ضمن المساحات الصغيرة التي مازالت في حيازة الدولة، على ساحل ممتد لنحو 550 كيلو مترا.
وهي على بعد أميال من منطقة المفاعل النووي بالضبعة، وبداخلها مطار عسكري واستراحة رئاسية استخدمها الرئيس الراحل حسني مبارك كاستراحة صيفية لثلاثة عقود، بعد نفي المصدر الرسمي مجهول الهوية، تتناول القنوات الحكومية والخاصة المدارة من الأجهزة الأمنية الصفقة على أنها حقيقة تستهدف سرعة تدبير العملة الصعبة للبلاد.
بيع الأراضي للأجانب
يروج أحد الإعلاميين المتعصبين للسلطة على أنها صفقة استثمارات واسعة، مدافعا عن فكرة بيع الأراضي مهما كانت أهميتها للأجانب، ومعتبرا أن الصفقة مربحة للمصريين، لأن المستثمر الأجنبي لن يهرب بها للخارج.
ثم تطرح جريدة “الأهرام” المتحدثة باسم الدولة المشروع على صدر صفحاتها بداية الأسبوع الجاري، بقلم رئيس مجلس إدارتها، على أنه صفقة استثمارية ضخمة يجري تجهيزها لتوقعيها خلال أيام، مؤكدا أنها تستهدف مساعدة الدولة في تنفيذ إجراءات جدية، لمواجهة أزمة الدولار وشح العملة الصعبة، بالمواكبة مع حملتها ضد المضاربين في الدولار والذهب.
لا مصادر رسمية
وتظل الصفقة مجهولة النسب لمصادر رسمية، بما يستدعي إعلاميين على قنوات خليجية، بطلب أن تحدد الحكومة موقفها صراحة من المعلومات حول الصفقة، بينما توظف الحكومة الأمر في إطار حملات نفسية تقودها أجهزة أمنية لملاحقة المتعاملين بالدولار وشراء سبائك الذهب والسلع الأساسية كملاذ آمن، يواجه التراجع الهائل بقيمة الجنيه.
تسفر الحملات الأمنية على مدار اليومين الماضيين عن توقف بيع الذهب، بينما تختفي صفقات الشراء بين كبار التجار، فيفقد الدولار والذهب نحو 25٪ من القيمة السعرية لهما.
تركت الحرب النفسية آثارها على الجمهور الذي أصبح بعضه متعلقا بأن يرى صفقة بيع “رأس الحكمة” واقعا سريع المفعول، أملا في توقف موجات الغلاء الفاحشة التي ضاعفت أسعار السلع وأدت إلى اختفاء سلع أساسية، وأخرى معمرة من الأسواق، منذ بداية العام الجاري.
يرفض آخرون الصفقة ويعتبرون بيع الأرض للأجانب خيانة للوطن والأجيال القادمة، دعا القيادي السابق بحزب الوفد – ليبرالي- وعضو غرفة شركات السياحة، عادل ضغيم، إلى أن تنشط الدولة الاستثمار السياحي بالمنطقة، وتطرح الأرض بحق الانتفاع للمصريين والأجانب لمدد محددة.
وأكد أن سياسة طرح الأراضي والمشروعات العامة للبيع مع تملك الأراضي للأجانب أمر مهدد للسيادة الوطنية، يتجاهل حق الأجيال الجديدة، في التمتع بثروات وطنه.
مخطط سياحي
وبين الحملة الإعلامية ومخاطر استحواذ الإماراتيين على الأراضي المصرية، يوجد مخطط مسبق تقدمت به عدة شركات مصرية، قررت العمل تحت مظلة واحدة، لبناء مطار مدني وعدة فنادق ومنتجعات ومتنزه للألعاب المائية وميناء لليخوت.
وذلك على نهج مشروع “سهل حشيش” الذي أقامته الدولة تسعينيات القرن الماضي، جنوب مدينة الغردقة بالبحر الأحمر، والذي شارك في تمويله البنك الدولي والقطاع الخاص وأدارته شركات تابعة للأجهزة الأمنية، وهيئة التنمية السياحة بوزارة السياحة، وكبار المستثمرين بالغرف السياحية.
فيما تتعرض مشاريع أخرى بالساحل الشمالي للتوقف ومخاطر التمويل، إذ تملك الحكومة مشروع آخر، بمدينة العلمين وامتداداتها، على مسافة 45 كيلو مترا بالساحل الشمالي يتعرض للتوقف حاليا بعد قرار الحكومة، بحظر تمويل الاستثمارات التي تقوم بها الجهات الحكومية والشركات القابضة التابعة لها، متأثرة بشدة الأزمة المالية، وارتفاع معدلات التضخم والأسعار، والمخاوف من عدم قدرتها على تهدئة الأسواق بما يسبب اضطرابا اجتماعيا.
وأجرت الحكومة مفاوضات مع شركة “الراجحي” السعودية للدخول في تنفيذ مشروعات بمنطقة العلمين لمنافسة شركة إعمار الإماراتية التي تتباطأ حاليا في ضخ استثمارات جديدة بمدينة العلمين، بينما اعتمدت على طرح أغلب مشروعاتها للبيع أمام المصريين، دون أن تساهم في تنفيذ رغبة الحكومة بتحويل المشروعات السياحية والعقارية إلى مصدر مهم في توليد العملة الصعبة.
ووفق تقديرات اقتصادية، تتفاقم صعوبات ضخ الشركات الأجنبية أموالا لتنفيذ المخطط الضخم المستهدف للحكومة حاليا، برأس الحكمة، في ظل اضطراب الوضع الأمني في الشرق الأوسط جراء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأمام تلك المعطيات، فإنه على ما يبدو أن تسويق فكرة مشروعات رأس الحكمة تأتي لطمأنة المواطنين بأن هناك مشروعات اقتصادية ستدر العملة الصعبة وفرص العمل للشباب، لبث الأمل في المستقبل.
وتبقى خطورة إدارة الحكومة للأسواق عبر شائعات أو معلومات غير مؤكدة ومصادر مجهولة، للسيطرة على سعر الدولار في الأسواق الموازية تمهيدا لتنفيذ صفقة جديدة مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض تفوق قيمته 8 مليارات دولار، مقابل الالتزام بتطبيق سعر صرف مرن، والإسراع بطرح الأصول العامة للبيع للأجانب وبورصة الأوراق المالية.