“ناشيونال إنترست”: الأزمة المالية تهدد استقرار مصر وقد تفجر غضبا شعبيا

- ‎فيأخبار

 

في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية التي تضرب مصر في الفترة الأخيرة، توقع الباحث الأمريكي راسل بيرمان، أن الأزمة المالية الخانقة في مصر، التي تفاقمت جراء التداعيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، من الممكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي.

 

وذكر بيرمان، في تحليل نشره موقع “ناشيونال إنترست” أن الاستقرار في الشرق الأوسط أمر حيوي للمصالح الأمريكية، إذ تظل المنطقة مصدرا حاسما للطاقة وتقع على مفترق طرق التجارة العالمية، كما أنها حاضنة الحركات الإرهابية التي تمكنت من الوصول إلى الغرب والولايات المتحدة.

 

وقال: “في هذه الساحة، تشكل مصر، التي يبلغ عدد سكانها 109 ملايين نسمة، محورا للاستقرار، ولذا، فمن المهم للسياسة الخارجية الأمريكية أن تعترف بالتحديات التي تواجه الاستقرار المصري، خاصة بعد الحرب المستمرة في قطاع غزة، إذ بينما تواصل إسرائيل عدوانها على غزة، يمكن النظر إلى التطورات على طول حدود سيناء بالقرب من رفح على أنها انتهاك للسيادة المصرية، بما يمثله ذلك من عواقب سياسية في القاهرة”.

 

وفي الوقت نفسه، هناك صراع آخر يختمر بالجنوب، ففي الوقت الذي تواجه فيه مصر ندرة متزايدة في المياه بسبب سد النهضة الإثيوبي الجديد، تتزايد التوترات مع إثيوبيا بعد أن وصلت المفاوضات بشأن ملء وتشغيل السد إلى طريق مسدود في ديسمبر الماضي.

 

ويزيد من تعقيد هذا الصراع اتجاه إثيوبيا مؤخرا للاعتراف بأرض الصومال كدولة، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في الصومال، ذات نزعة انفصالية، وإزاء ذلك استضاف عبدالفتاح السيسي، الرئيس الصومالي في القاهرة، وهدد صراحة، في مؤتمر صحفي مشترك، بدعم سيادة الصومال بالمساعدة العسكرية.

 

وامتد هذا الصراع إلى الكونجرس الأمريكي بعد أن تعهدت النائبة الديمقراطية، إلهان عمر، تعهدت بدعم مطالب الحكومة الصومالية.

 

وبالإضافة إلى هذه الصراعات الدولية المحتملة في غزة ومع إثيوبيا، هناك تهديد أكثر خطورة للاستقرار المصري على الجبهة الاقتصادية، إذ كان لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر تأثير هائل على سلاسل التوريد العالمية، إذ انخفض مرور سفن الحاويات العالمية عبر قناة السويس بنسبة 30%، وفقا لصندوق النقد الدولي، وأوقفت شركات الشحن الكبرى، مثل ميرسك، مساراتها عبر القناة إلى أجل غير مسمى.

 

ويبلغ الدين الخارجي لمصر نحو 164.5 مليار دولار، ويعني العجز التجاري للبلاد أن مصر متعطشة للدولار، بحيث لم تعد الحكومة قادرة على الحفاظ على ربط الجنيه المصري عند 31 جنيها مصريا لكل دولار وهو سعر الصرف الرسمي.

 

وتقدر قيمة السوق الموازية في مصر الدولار الواحد بحوالي 60 جنيها، وهو مستوى لم يكن المصريون يتخيلونه في يوم من الأيام.

 

ويشير بيرمان، في هذا الصدد، إلى أن تحويل حركة المرور من قناة السويس إلى طرق بحرية أخرى، يضر بأحد أكبر مصادر الدخل الدولاري في مصر، ويهدد ما يقرب من 40% من إيرادات القناة.

 

ويضيف الباحث، أن الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر تخفي أزمة مالية أوسع، إذ جرى تمويل اقتراض عام هائل على مدى العقد الماضي من خلال طباعة البنك المركزي للعملة، مع استخدام غالبية القروض لتمويل المشاريع الضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة.

 

ورغم الإشادة بهذه المشروعات باعتبارها تعزيز للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، إلا أنها فشلت في جذب شهية كبيرة للمستثمرين الأجانب، وبدلاً من إلغائها قررت الحكومة ببساطة تمويلها، والآن حان موعد سداد الفاتورة، ومصر بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة التزاماتها من أجل تجنب العجز عن السداد.

 

وفي تحديث لتوقعاته الإقليمية، قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط: إن “السياسات الكلية التقييدية تظل ضرورية لخفض الديون المرتفعة والتضخم في بعض البلدان”.

 

ويلفت بيرمان إلى أن هذا التحديث، الذي أعلنه الصندوق في 31 يناير الماضي، يسبق اتفاق صندوق النقد الدولي الجديد، قيد التفاوض، لتقديم المزيد من القروض لمصر، في صفقة تتضمن تخفيضا عاجلا لقيمة الجنيه المصري.

 

مزيد من الفقر

 

وإلى جانب التدابير التقشفية المستمرة التي تتخذها الحكومة، قد يؤدي ذلك إلى إغراق المستهلك المصري المنهك بالفعل في مزيد من الفقر.

 

وقد يؤدي أي زعزعة استقرار اقتصادي محتملة إلى تهديد الاستقرار الداخلي، ما يوفر فرصة للانتفاضة ضد السيسي، مشيرا إلى أن حكومة عبدالفتاح السيسي، قمعت البنية التحتية لجماعة الإخوان المسلمين في أعقاب إطاحة الجيش بالرئيس “الشهيد” محمد مرسي، في عام 2013، ومع ذلك، سيكون من الحماقة التقليل من شأن العودة المحتملة للأحزاب المعارضة في سياق التدهور الاقتصادي الحاد، على حد تعبيره.

 

ويخلص بيرمان إلى أن تطورات غزة وإثيوبيا والتخفيض الوشيك لقيمة الجنيه عوامل تشكل عاصفة كاملة لمصر في عام 2024، ما يمثل فرصة وأزمة محتملة للسياسة الخارجية الأمريكية.

 

فالتقرب من مصر الآن، من خلال المساعدات الاقتصادية والعسكرية، يمكن أن يؤدي إلى تأثير أمريكي أكثر فعالية على السياسات المصرية وربما يوفر ثقلا موازنا للوجود الروسي المتزايد في أماكن أخرى في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.

 

ومن ناحية أخرى، فإن عدم استقرار مصر قد يمثل مشكلة كبيرة للعالم الغربي، إذ أن أزمة الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في الشرق الأوسط تعني موجة من اللاجئين لأسباب اقتصادية.