على الرغم من ضخامة التهليل الإعلامي لصفقة بيع منطقة رأس الحكمة التي تضم 5 مدن مصرية حدودية، تقوم بها الإمارات، صاحبة الأطماع الإقليمية بشرق ليبيا، والتي تدعم مشروع الانقلابي خليفة حفتر ، للسيطرة العسكرية على ليبيا، تبقى المخاطر الإقليمية متصاعدة بالمنطقة، التي تؤول إلى دولة الإمارات، التي تدعمها دوائر صهيونية وأمريكية وغربية، في مشروعها التوسعي بالشرق الأوسط وأفريقيا، ومع ذلك تتزايد المخاطر البيئية والاقتصادية الناجمة عن الصفقة التي وقعها السيسي مع أبوظبي.
أثار عقد مصر والإمارات الجمعة الماضي، صفقة بيع وتنمية مدينة “رأس الحكمة” في الساحل الشمالي الغربي للبلد العربي الأفريقي، بقيمة نهائية إجمالية للمشروع السياحي والفندقي، تصل إلى 150 مليار دولار، الكثير من الجدل.
وأثارت الصفقة التي وصفها الإعلام الموالي للسيسي بـ”صفقة القرن السياحية”، التساؤلات حول احتمالات نجاح المشروع في ظل التغيرات الجيوسياسية الجارية بإقليم الشرق الأوسط، وأيضا، في ظل ما يثار عن مخاطر مناخية وبيئية واحتمالات غرق الساحل الجنوبي للبحر المتوسط خلال ثلاثة عقود، بفعل ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وتبعد”رأس الحكمة”، محل الاتفاق، 350 كيلومترا تقريبا شمال غربي القاهرة، ونحو 200 كيلومتر غربي الإسكندرية، وبين مدينتي الضبعة والعلمين الجديدة، وتمتد داخل البحر المتوسط كمنطقة منتجعات سياحية راقية وشواطئ تشتهر بالرمال البيضاء يقصدها الأثرياء، ولملك مصر السابق فاروق، ورؤسائها اللاحقين جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، حضور بها.
ووفقا للاتفاقية، فإنه استحوذ صندوق الاستثمار السيادي في أبوظبي، (إيه.دي.كيو)، على مساحة نحو 40,600 فدان (170 مليون متر مربع) بالمدينة، لبناء مناطق استثمارية ومواقع سكنية وتجارية ومشروعات سياحية وترفيهية، قد تدر في النهاية 150 مليار دولار، فيما سيكون للدولة المصرية 35 % من أرباح المشروع، وللإمارات 65 %.
لكن تبرز مع المشروع ، بعض المخاطر البيئية والمناخية على الاستثمار السياحي في الساحل الشمالي الغربي لمصر، خاصة مع ما يثار عن احتمالات غرق الشواطئ والسواحل الجنوبية للبحر المتوسط وبينها المصرية، بفعل الاحترار العالمي، وذوبان جليد القطب الشمالي.
ووفقا لأسوأ توقعات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، فإنه يُتوقع أن يرتفع مستوى البحر المتوسط مترا واحدا خلال الـ30 عاما المقبلة، وأن مستوى البحر المتوسط سيرتفع أسرع من أي مكان آخر في العالم.
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علاء السيد، أن “المخاطر البيئية والمناخية وتآكل الشواطئ لن توقف السعي لاستثمار تلك الشواطئ أو التنازل عنها أو بيعها لشركات ودول صديقة وحليفة للكيان المحتل أو لحسابه بشكل التفافي”.
كما أن المقابل مهما أثر إيجابيا بصورة مرحلية على سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه أو تم استخدامه لسداد جزء من الديون أو وفر بعض الفرص الوظيفية أو تسبب في تحريك المياه الراكدة في بركة الاقتصاد المصري الآسنة فإن هذا لا يوازي المخاطر التي يمكن أن تحدق بالأمن القومي المصري.
إلى جانب ذلك، فأنه مع الإعلان عن تدشين المشروع السياحي العملاق في “رأس الحكمة” بما ستضخه الإمارات من مليارات الدولارات، يتخوف البعض على مستقبل مدينة “العلمين الجديدة”، خاصة مع ما أنفقته الدولة المصرية من مليارات الدولارات لبناء المدينة القائمة غرب “رأس الحكمة”، كمدينة فندقية وسياحية لجذب أثرياء مصر والعالم العربي.
و”العلمين الجديدة”، و”رأس الحكمة”، يقعان بمحافظة مطروح، ووضع عبدالفتاح السيسي، حجر الأساس لها في مارس 2018، تحت إشراف الجيش المصري، وتصل مساحتها إلى نحو 48 ألف فدان، تنقسم لشريحة سياحية استثمارية على ساحل البحر المتوسط، وشريحة تاريخية وأثرية تتمثل بمقابر العلمين.
وفي 3 يوليو 2019، أُعلن أن المرحلة الأولى بمساحة 24 ألف فدان، بتكلفة استثمارية تبلغ 75 مليار جنيه، فيما أكد وزير الإسكان عاصم الجزار، إنفاق 65 مليار جنيه حتى نهاية 2021، على المدينة، فيما يبلغ إجمالي مساحة الفنادق 296 فدانا، بعدد غرف فندقية 15,500 غرفة.
كذلك تثار المخاوف بشأن احتمالات تأثير مشروع “رأس الحكمة”، وما يجري من مشروعات سياحية أخرى في الساحل الشمالي المصري على مستقبل مدينة “شرم الشيخ” الواقعة بين خليجي العقبة والسويس على البحر الأحمر، وذائعة الصيت عالميا، وتأثر الاستثمار السياحي الهائل الذي أنفقته مصر على المدينة وما حولها من إنشاءات وبنية تحتية في عهد حسني مبارك، وحتى في عهد السيسي.
كما من المتوقع أن يكون الاستثمار في سواحل مصر الشمالية الغربية هدفه البعد عن منافسة مشروع نيوم السعودي، التي تبنيها السعودية على الساحل الشرقي لخليج العقبة.
وتبقى كافة أصول مصر معروضة بمعرض السلع المخفضة، سدادا للدين، وجلبا للعملة الصعبة، واستقطابا لكل طامع بمصر وموقعها الاستراتيجي وسوقها وجيوب شعبها وسواعد أبنائها.
ولعل الإصرار الخليجي والمصري حاليا على الاستمرار في الاستثمار العقاري، الذي هو بمثابة اقتصاد ريعي، يفقد مصر قواها الاقتصادية والسياسية ويجعلها مجرد تابع وباحثة عن الدولار لا منتجة له.
كما أنه من اللافت أيضا، الحديث عن مخاطر تطوير مدينة “رأس الحكمة”، وطرد سكانها الأصليين منها، وإنفاق مليارات الدولارات، في ظل التطورات الدولية والأوضاع الجيوسياسية بإقليم الشرق الأوسط الذي لا يخلو من الصراعات، والتساؤل: هل هذا الوضع يسمح بانتعاش المشروعات السياحية واستمرارها وعدم تعرضها للخسارة والغلق مستقبلا؟
وبالقرب من رأس الحكمة، وعلى الحدود الغربية لمصر يدور الصراع الليبي-الليبي، منذ العام 2014، والذي تورطت فيه مصر عدة سنوات بدعم أحد أطرافه “خليفة حفتر”، بمواجهة حكومة طرابلس المعترف بها دوليا.
كما أن حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، وتسببت في سقوط نحو 30 ألف ضحية، جمدت إلى حد كبير قطاع السياحة المصري، وأصابته بالشلل، خاصة مع تصاعد المواجهة بين جماعة الحوثي في اليمن الداعمة للمقاومة الفسطينية، والتحالف الدولي بقيادة أمريكا، جنوب البحر الأحمر.
وتوقعت “وكالة فيتش”، أن يؤدي الصراع في غزة وتعطيل الحوثيين لحركة المرور بقناة السويس إلى هبوط عائدات السياحة المصرية بالعام المالي الجاري لتبلغ 12.7 مليار دولار، مقابل 13.6 مليار دولار العام الماضي.
كما يتوقع دخول الاقتصاد العالمي ومنه مصر بدورة ركود وكساد لسنوات قادمة، تنهار فيها أسعار الأصول والأراضي والشركات والعملة، وسيكون ذلك مناسبا للسيطرة على كل شبر يمكن أخذه من النظام الحالي وفاء لحجم الديون الهائلة التي ورط فيها مصر وشعبها.