في الوقت الذي يوسع الاحتلال الصهيوني عمليات القتل والتجويع والإجبار على النزوح من المنازل؛ تتوسع شركات مصرية بترتيب حكومي في دعم إسرائيل اقتصاديا وتوفير كل مستلزمات الحياة لها ولجنودها القتلة، وهو ما سبق وإن تناولته “بوابة الحرية والعدالة” في وقت سابق بتتبع مسار سفينة شحن مصرية بين موانئ بورسعيد وأشدود وجيف بإسرائيل، لعدة مرات وصلت لأكثر من 26 رحلة في شهر واحد.
وتعالى السخط خلال الفترة الماضية من الدعم الأردني والمصري للكيان الصهيوني بالبضائع المختلفة، كما عثر فلسطينيون على علب أدوية مصرية ضمن مخلفات جنود الاحتلال تركوها بغزة بعد ممارساتهم الإجرامية الواسعة.
وأشار أحد الفلسطينيين إلى أنه بعد التوجه إلى شرق مخيم البريج وتحديدا في المنطقة التي كان جيش الاحتلال متوغلا فيها، رأينا مخلفات عدة للاحتلال، لكن ما لفت انتباهي منتج من صناعة مصر (6 أكتوبر)”.
جاءت تلك المفاجأة مع اقتراب حصيلة شهداء عدوان الاحتلال الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة والمتواصل لليوم الـ145 على التوالي، من إلـى 30 ألفا، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، وتمنع قوات الاحتلال طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم.
شراكات مصرية ممتدة مع الاحتلال
ورغم استمرار الدعم والتعاطف غير المحدود لغزة من جانب الشعب المصري توصلت شركتا “بلو أوشن إنريجي” المستورد المصري للغاز الإسرائيلي مع نظيرتها “إسرامكو” في تل أبيب، الأسبوع الماضي، إلى اتفاق يقضي بضخ 4 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي لمصر على مدار 11 عاما.
يرفع الاتفاق كميات الغاز المصدرة بما يعادل ضعف الكميات التي كانت تصدرها إسرائيل إلى مصر، قبل العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023.
وتتطور تجارة الغاز بين مصر وإسرائيل بطريقة ممنهجة، في ظل أجواء حرب إبادة للفلسطينيين، تصل ضرباتها إلى الحدود الملتهبة بين مصر وغزة، متجاهلة صرخات المواطنين المطالبين بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الكيان الإسرائيلي، ودعوات شعبية واسعة بمقاطعة المنتجات إسرائيل ومنتجات الشركات الغربية الداعمة للعدوان.
وعلى الرغم من حذيرات خبراء الطاقة والسياسة والاقتصاد، من وقوع مصر في “فخ الغاز” الإسرائيلي، مع حرصهم على عدم ربط إمدادات الغاز باحتياجات محطات التوليد ومصانع الأسمدة والبتروكيماويات والإسمنت.
ويخشى الخبراء الانغماس مع إسرائيل في مشروعات اقتصادية استراتيجية، تعمق وجودها داخل السوق المصرية، لتوظفها في ممارسة الابتزاز السياسي عند الحاجة، مستشهدين بما فعلته تل أبيب، عقب العدوان على غزة، حينما أوقفت ضخ الغاز تماما في الأنابيب المتجهة إلى شبكة الغاز المصرية، لمدة 5 أيام، أدت إلى زيادة مضاعفة فترة انقطاع التيار الكهربائي بأنحاء البلاد، ثم أعادته بالتدريج، وفقا لردود أفعال المسؤولين، حول العدوان على غزة.
الكويز
من جهة ثانية، واصلت الحكومة استيراد الغاز لتصدير 80% منه سائلا إلى أوروبا، وتجري مئات الشركات المصرية في قطاعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والصناعات الغذائية والزراعية، عمليات تبادل تجاري وسلعي مع نظيرتها في إسرائيل، ضمن اتفاقية المناطق الحرة “كويز” Q.I.Z، والتي فرضتها امريكا منذ 3 عقود، في إطار رغبتها في دمج اقتصاد دول المنطقة مع إسرائيل، وإعادة التشكيل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط، التي طورتها باتفاقيات “إبراهام” حيث ضمت إليها كل من الإمارات والبحرين والمغرب.
تضمن الاتفاقية تزويد شركات مصرية بالمنتجات الزراعية والأسمدة والأسمنت، مع حظر دخول المنتجات المصرية إلى الأسواق الأميركية دون أن تشارك الصناعات الإسرائيلية بنحو 10.5% من مكوناتها. فرضت الاتفاقية قسرا على الشركات المصرية، من الكونغرس الأميركي عام 2004، وقبلتها الحكومة المصرية، أملا في أن تساهم في رفع معدل الصادرات المصرية إلى السوق الأميركية ما بين 4 مليارات إلى 7 مليارات دولار سنويا.
ورغم العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، كلف وزير التجارة الخارجية، أحمد سمير، وكيل وزارته المختص بإدارة “الكويز” توسيع مشاركة الشركات التركية والصينية والهندية مع نظرائهم المصريين، في إقامة صناعات تستهدف زيادة الصادرات المحلية إلى السوق الأميركية، للتمتع بالمميزات التي يحصل عليها المصريون، تشمل عدم وجود حد أقصى للكميات الموردة، والإعفاء التام من الرسوم الجمركية، وسرعة دخول المنتجات للأسواق الأميركية.
يحاربون المقاطعة
فيما يشارك رجال الأعمال الحكومة في حملات موسعة ضد دعوات شعبية بمقاطعة منتجات الشركات الداعمة للعدوان الإسرائيلي، بزعم تأثيرها سلبا على الصناعات والشركات المحلية، وأخرى خوفا من رفع معدلات البطالة، بينما يجلب العشرات منهم آلاف العمال من الهند وبنغلادش ونيبال، لتشغليهم بمصانع الغزل والنسيج المنطوية تحت “الكويز”، بحجة انخفاض مستويات أجورهم وارتفاع كفاءتهم عن العمالة المصرية.
ويتجاهل الداعمون للتطبيع مع إسرائيل دعوات النقابات العمالية والمهنية والأحزاب التي تعمل على مقاطعة إسرائيل باعتبارها تشكل كيانا خطرا على الأمن القومي المصري، خطر زادت حدته في ظل غزو قطاع غزة، وإصرار قادتها على طرد الفلسطينيين من أرضهم ربما إلى سيناء.
ويأتي الدعم الاقتصادي من قبل مصر الرسمية ورجال الأعمال وأصحاب الشركات، في وقت لا تسيطيع مصر إدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، حيث تفرض إسرائيل حصارا شاملا، وتتحكم في دخول المساعدات للقطاع، بينما يجري حرمان سكان شمال غزة جميعا من أي طعام، لتجويعهم وإجبارهم على التهجير القسري من الشمال ، الذي تستهدف إسرائيل تفريغه تماما من السكان.
وهكذا تتواطأ الشركات ورجال الأعمال ، كما يتواطأ ويخون رئيسهم السيسي الدم الفلسطيني والعربي، بإمداد إسرائيل بما تحتاجه من غذاء ودواء وملابس، علاوة على فتح المجال الجوي المصري للطائرات الإسرائيلية دون تحرك عسكري أو رد يوقف البلطجة الصهيونية، ليؤكد مقولة حقيقية، تتأكد يوما بعد الآخر، بأن أصحاب المصالح والمطبلين والذباب ورجال الأعمال الخونة على دين سيسييهم في العمالة لإسرائيل.