بسبب عدم اتباع دراسات الجدوى، وتهميش دور العلم والعلماء وتقديم العسكريين الذين سيطروا على مقاليد الاقتصاد والحياة المدنية، أوقفت حكومة السيسي التعامل وتداول السلع الاستراتيجية عبر البورصة السلعية، التي روّج لها الإعلام الانقلابي بوصفها الوصفة السحرية لإسقاط التجار وخفض قسري لكل أسعار السلع والمنتجات بمصر ، بل والشرق الأوسط كله.
وكانت حكومة العسكر أعلنت أنها تستهدف أن تُصبح بورصة السلع إحدى أكبر بورصات السلع من حيث حجم التداول بمنطقة الشرق الأوسط، خلال أول عامين لها من العمل، وذلك من خلال طرح عدد أكبر من السلع، ولكنها بدلا من ذلك أوقفت التداول على العديد من السلع.
وأنشأت حكومة الانقلاب البورصة السلعية بموجب قرار رسمي عام 2020 كشركة مساهمة مصرية تبلغ حصة الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة لوزارة التموين نحو 11 %، وتمتلك بنوك الأهلي ومصر والبنك الزراعي 23 % من الأسهم، والبورصة المصرية 34 % وباقي المساهمات الـ31.8 % من نصيب القطاع الخاص.
الغلاء يدهس الجميع
وفشلت “البورصة السلعية” التي أطلقتها الحكومة رسميا منذ نهاية عام 2022 في تحقيق أي استقرار في أسعار السلع الغذائية الرئيسية، مثل: القمح والذرة والسكر وفول الصويا والفول والعدس، من خلال طرح وتداول السلع من خلال البورصة، بدعوى مواجهة المضاربات والشفافية.
ووفق تقارير إخبارية عدة، يعود سبب فشل البورصة السلعية إلى الحكومة، التي عطّلت عمليات التداول على السلع الرئيسية في البورصة السلعية بشكل متوال منذ ديسمبر الماضي، والتي انطلقت بالسكر ثم الدرة، وأخيرا القمح، بزعم وجود مضاربات من قبل التجار، ووسط تساؤلات عن ظهورها في البورصة التي يفترض بها أن تنظم تداول السلع.
وكانت حكومة الانقلاب تهدف إلى بناء علاقة مباشرة بين البائع والمشتري، من خلال ضم أكبر عدد من التجار، وصل إلى نحو ألف لاحقا، للقضاء على الوسطاء وخفض السعر، لكن كل جهودها في استمرار عمل البورصة السلعية لم تحقق أيّا من الأهداف المعلنة.
ومنذ نوفمبر لم تطرح وزارة التموين بحكومة الانقلاب أي كميات من القمح، وفي وقت لاحق انضم السكر إلى القائمة، بعد تراجع المخزون الاستراتيجي من تلك المحاصيل لدى الوزارة، وذلك بحسب مصادر في قطاع الحبوب وبوزارة التموين.
البورصة تُعاني
منذ بداية طرح السلع، عانت البورصة من أزمة ارتفاع الأسعار المطروحة بها، ما اعتبرها البعض أنها “دكان” للحكومة، وليس بورصة سلعية تعتمد على العرض والطلب، وفشلت بعض جلسات البيع بعد أن عرضت الحكومة سلعا مثل القمح والدرة والفول الصويا بسعر أعلى من أسعار السوق المحلي والعالمي، ما أثار علامات استفهام بخصوص قدرتها على تحقيق الهدف الأساسي منها، وهو توفير السلع بكميات وأسعار مناسبة ومواجهة الاحتكار.
وتعاني الأسواق المصرية من احتكار مجموعات من رجال الأعمال والمستوردين على مجموعة من السلع ومدخلات الإنتاج سواء غذائية أو دوائية أو معمرة، وبيعها في الأسواق عبر وسطاء بأسعار أعلى من الأسعار العالمية وسط غياب تام للرقابة عليها وعلى أعمالها، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 100 %، منذ بداية العام.
وبحسب مراقبين وخبراء، لم يتجاوز حجم السلع المتداول عبر البورصة 1.5 مليون طن منها 1.2 مليون طن قمح بقيمة 19 مليار جنيه بقيمة 615 مليون دولار فقط في حين يبلغ استهلاك سلعة واحدة مثل القمح 12 مليون طن سنويا في السوق المحلي، بحسب تصريحات لرئيس مجلس إدارة البورصة السلعية، إبراهيم عشماوي.
وتجدر الإشارة إلى أن كميات الدرة الصفراء التي طرحتها الحكومة في البورصة السلعية، لم تتجاوز 129 ألف طن، والسكر 183 ألف طن سكر، فيما تضاءل الطرح من كسب فول الصويا إلى 200 طن فقط و17 ألف طن ردة نخالة، في مؤشر على ضعف نشاط وأحجام التداول.
ويكمن السبب الأبرز لفشل تجربة البورصة السلعية، في خرص الحكومة على تحقيق مكاسب مالية لنفسها، على حساب توفير السلع بالأسواق بأسعار معقولة لخفض الأسعار النهائية للمتسهلك، وهو ما فطن إليه التجار وتعاملوا مع الحكومة بطريقة التجار ووفق قواعد السوق الحر التي يسعى للحصول على أكبر المكاسب وأقل الأسعار، وهو ما يجمع عليه خبراء ومختصون بأن الحكومة هدفها الأساسي التربح من بيع السلع بأسعار أعلى وجودة أقل إلى جانب غياب الشفافية، إلى جانب فشل الحكومة في إيجاد مخزون واحتياطي من تلك السلع وهيمنة تجار بعينهم عليها.
وكما يقول مستشار وزير التموين اسماعيل تركي، في تصريحات إعلامية، أن البورصة أنشئت بهدف السيطرة على الأسواق والتحكم في السلع وفقا لمصلحة النظام.
وهكذا تتهاوى صروح السيسي الوهمية، التي حاول إعلامه تسويقها بأنها المخرج والمنجى من الغلاء، وهي كبقية مشاريع السيسي الفنكوشية التي أهدرت أموال البلاد دون أن تحقق فائدة للاقتصاد المصري، الذي يواجه الانهيار كل يوم.