في ظل نشوة قد لا تدوم للسيسي، عقب اتفاقات الديون الجديدة التي وقعها مع الأسياد الجدد القدامي من الإماراتيين وصندوق النقد والاتحاد الأوروبي، والتي بمقتضاها ستدخل مصر نحو 57 مليار دولار، بعد أن أوشكت مصر على حد الإفلاس المالي والانهيار الاقتصادي التام، والتي كانت مجرد جرعة أدرنالين لضخ نفس جديد مؤقت للجسد المترهل الذي أوشك على نهايته، خرج السيسي أمس باحثا عن أي مناسبة ، ليمارس خلالها استعراضته المجنونة وكأنه يحقق إنجازات، وذلك خلال احتفالية نظمها بمناسبة عيد الأم، بالعاصمة الإدارية الجديدة، ليسوق مجموعة من الأكاذيب والترهات التي نقضها هو بنفسه وأكد على أكاذيبه التي يروجها لسنوات.
وقال السيسي أمس الخميس: إنه “لم يبدأ بالعدوان في 2013، في إشارة إلى الفترة التي شهدت الانقلاب على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، مؤكدا علمه أنه سيحاسب على كل خراب تسبب به، وأن حال الاقتصاد المصري أصبح أفضل خلال الأسابيع الأخيرة”.
وأضاف، في كلمته باحتفالية الأم المثالية للعام 2024، أنه “لا يوجد شيء يخيف المصريين من الأزمات الخارجية، لأن مصر لا تبدأ بالعدوان في أي مكان، وتعمل على إطفاء الحرائق، لا على إشعالها، مستطردا “اطمئنوا؛ نحن نتحرك بكل جهد لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ووضع حل دائم للقضية الفلسطينية”.
وتناسى السيسي أنه هو من قام بالقتل بدم بارد لآلاف المصريين في ميادين مصر، رغم هتافاتهم “سلمية” والتي بدأها بالحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة ورمسيس
ومسجد الفتح وميدان مصطفى محمود والمنيب والإسكندرية، وكل محافظات مصر شهدت إراقة لدماء المصريين بلا حساب، بل زج بالضحايا في السجون وأعدم منهم العشرات ينتظر الآخرون الإعدام، فيما قتل داخل سجونه المئات بالإهمال الطبي والتعذيب والقهر، واعتقل النساء والأطفال وصادر الأموال وخرّب الشركات وأفسد حياة المصريين وجوّع الملايين بسياساته وقراراته التخريبية.
تمهيد لزيادة البنزين
وعلى طريقة الحواة، حاول السيسي مبكرا مواجهة غضب المصريين المتوقع إثر زيادة أسعار البنزين والوقود، التي اتخذها بعد دقائق من وقوفه أمام سيدات مصر، محاولا استعطافهم لمنع أبنائهم من الثورة أو الانتفاض ضده وضد سياساته أو النزول بالشارع للاعتراض على الغلاء الفاحش المتوقع.
فقال: “الله تعالى موجود، والجميع سيحاسب أمامه؛ ولذلك علينا أن نحافظ على مصر من الداخل، كل شخص مسؤول عن الحفاظ على أسرته، وعلى بلده، وأن يعلم أولاده، ويحكي لهم عن التجربة التي مررنا بها في 2011″، في إشارة إلى أحداث ثورة 25 يناير.
وتابع السيسي: “أقول لمن يهاجمونني إن الجميع سيقابل ربه، وكل خراب أنا سببه سأحاسب عليه، وكل نقطة دم أنا سببها سأحاسب عليها؛ وأنا لم أبدأ بالعدوان في 2013، وما حدث في سيناء بعدها كان عدوانا من الآخرين، والذين استهدفوا من خلاله تدمير مستقبل الدولة ومائة مليون مصري”.
وزاد قائلا: “أطمئن المصريين أننا بفضل الله سبحانه وتعالى ماشيين كويس، وعمري ما أقول كلام كده وخلاص؛ نحن في وضع أفضل كثيرا، والأمور تتحسن مع الوقت لتجاوز الأزمة الحالية، الحمد لله رب العالمين نحن أحسن من أي وقت سابق، ومستمرين في مسار الإصلاح”.
وتناسى السيسي أن يوضح كيف أن الأمور تتحسن، هل زادت فرص العمل بمصر، هل انخفضت نسب البطالة؟ هل زاد دخل الأسر؟ هل انخفضت الأسعار؟ هل تراجعت الديون وفوائدها وخدماتها؟ هل تحسن وضع العملة المصرية مقابل العملات الأخرى؟ هل توقف نزيف الجنيه؟ هل زاد عدد المصانع والشركات المنتجة ؟ أم تم بيعها وإهدار عوائدها في مباني صحراوية لا تزيد أي قيمة إنتاجية بمصر؟ هل طبق السيسي الحد الادنى على موظفي القطاع الخاص؟ هل ترجعت أسعار الأدوية والعلاج بالممستشفيات أم ألغى العلاج المجاني وجر خصخصة الخدمات الصحية؟ وغيرها من الأسئلة التي يتجاهلها السيسي كمؤشرات على التحسن الاقتصادي.
وأكمل السيسي، وجهت الحكومة بدراسة المشاركة في ضبط الأسواق من خلال زيادة المعروض من السلع، إلا أن الناس في القطاع الخاص قالت: إن “الاقتصاد حر، ويجب أن تتراجع الحكومة عن هذا الدور، من دون شك أعترف أن الفترة الماضية كانت صعبة على المصريين بالنسبة للأسعار، لكننا تجاوزنا هذه الفترة، وأصبح هناك استقرار، ولم يشر السيسي إلى معالم هذا الاستقرار، فيما شكاوى المصريين في جميع الشوارع والمنصات والأسواق”.
يوزع من مال أمه
وفي إهدار جديد، وهبرة أخرى من أموال رأس الحكمة وأموال القروض الجديدة، وبلا دراسة أو قرار حكومي متخصص ومدروس، وجه السيسي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بتخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه (214 مليون دولار) لصالح صندوقي تنمية الأسرة وكبار السن، بواقع 5 مليارات جنيه لكل صندوق، وذلك بنفس الطريقة التي وجه بها الحكومة سابقا بتخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه لصالح صندوق قادرون باختلاف المخصص لذوي الإعاقة.
وهو ما يعني ترسيخ فكرة نهب الأموال العامة، عبر الصناديق الخاصة التي لا تخضع لرقابة ويديرها المحاسيب بعيدا عن رقابة الجهات الرقابية والسابية، وهو ما يجاهد السيسي طوال الفترة الماضية لعدم ضمها للموازنة العامة للدولة، وفق توصيات المؤسسات المالية المصرية والدولية، بضرورة توحيد الموازنة العامة بمصر، إذ يستمر السيسي في عمل نحو 6 آلاف صندوق خاص، علاوة على نحو 57 هيئة اقتصادية، تم تأجيل إدراجها ودمجها في موازنة الدولة لخمس سنوات قادمة، وفق تعديلات قانون المالية العامة، الذي أقر مؤخرا في مجلس النواب.
وعانت مصر من أزمة نقص دولار حادة منذ بداية عام 2022، وبالتزامن مع خروج نحو 22 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة (الأموال الساخنة).
وتفاقمت الأزمة مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، ثم اشتعال الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة في 2023، وخسارة حوالي 50% من عائدات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وتراجع إيرادات قطاع السياحة، وانخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج حوالي 30%.
وعلى الرغم من التصفيق الحار للسيسي، الذي حاول من خلال كلماته ابتزاز المرأة المصرية والتي يراهن عليها في كثير من مواقفه، كونها تنطلق من عاطفتها ومخاوفها، إلا أن السيسي يعد أكثر مناضر بالمرأة المصرية، حيث تعاني الأسر المصرية من فقر مدقع ، ساهم في زيادة نسب الطلاق والعوز، كما اعتقل الأب والأولاد وتحولت المرأة لمكافحة أو متسولة من أجل سد رمق أبنائها في ظل غياب الأب أو العائل في سجون النظام، كما أشعل السيسي النار في استقرار الأسر والمرأة بقوانينه وإعلامه وإنتاج دراما تحض على الطلاق والخلافات والنشوز المجتمعي ككل، وكرّس قيم البلطحة ضد جميع المصريين، عبر حماية الخارجين عن القانون من أفراد الشرطة والجيش وتأمينهم ضد انتهاكاتهم الحقوقية، وباتت المرأة المصرية أكثر تعاسة مع غلاء الأسعار التي تسبب فيها السيسي.