ماذا وراء حزم المساعدات السخية لسيسي مصر؟

- ‎فيتقارير

لم يكن حتى الأكثر تفاؤلا يتوقع أن يحصل نظام عبد الفتاح السيسي في مصر على مليارات الدولارات من حزم القروض والاستثمارات والمساعدات، لأنه وفقا للبيانات الرسمية، من الواضح أنه غير قادر على سداد ديونه الخارجية الحالية البالغة حوالي 165 مليار دولار، وصل الدعم المالي للقاهرة الذي بلغ مجموعه أكثر من 23 مليار دولار في شهر واحد فقط من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بحسب تقرير نشره موقع “ميدل إيست مونيتور”.

 

وقال التقرير: إن “تعزيز الأموال التي يتم ضخها في مصر يتم من خلال خطة إنقاذ تقودها الإمارات لدعم حليفها السيسي، من خلال صفقة رأس الحكمة التي تم الإعلان عنها الشهر الماضي، وأبرمت الصفقة مقابل سيولة نقدية بقيمة 24 مليار دولار، و11 مليار دولار من الودائع الإماراتية لدى البنك المركزي المصري، والتي سيتم تحويلها إلى الجنيه المصري واستخدامها لتنفيذ المشروع”.

 

وأضاف التقرير أن هذا الدعم السخي يشمل تمويلا أوروبيا بقيمة 7.4 مليار يورو 8.06 مليار دولار، وفقا لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، وتشمل المساعدات قروضا ميسرة بقيمة 5 مليارات يورو 5.44 مليار دولار، واستثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو 1.96 مليار دولار، ومنحا بقيمة 600 مليون يورو 653 مليون دولار، ويشمل هذا الأخير 200 مليون يورو 217.7 مليون دولار للتعامل مع مشاكل الهجرة.

 

ووفقا لاتفاق تم توقيعه هذا الشهر مع صندوق النقد الدولي، ستحصل مصر مقابل تحرير سعر صرف العملة المحلية على 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى قرض آخر بنحو 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد الدولي.

 

وفي الوقت نفسه، أعلن البنك الدولي أنه سيقدم أكثر من 6 مليارات دولار لمصر على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مع تخصيص 3 مليارات دولار للبرامج الحكومية، ونفس المبلغ لدعم القطاع الخاص.

 

وتزامن هذا التدفق السخي للتمويل مع دعم سياسي نادر، من خلال رفع علاقات مصر مع الاتحاد الأوروبي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة، جاء ذلك خلال قمة القاهرة بحضور السيسي وفون دير لاين ورئيس وزراء بلجيكا، الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، فضلا عن رؤساء دول وحكومات إيطاليا واليونان والنمسا وقبرص.

 

هناك مخاوف من أن تكون هناك تداعيات وربما تنازلات، سرية وعلنية، تقدمها مصر لحلفائها الأوروبيين والخليجيين.

 

ويرى مراقبون أن التحديات الاقتصادية والأمنية المحيطة بنظام السيسي، والدور المتوقع منه في قضايا عدة، تتطلب تدخلا دوليا وتوفير أكثر من شريان حياة للنظام الذي تعتبره أوروبا شرطي جنوب المتوسط، وتتزايد المخاوف الأوروبية من الهجرة غير الشرعية والحدود والتهريب، نظرا للمشاكل في السودان وليبيا وغزة، وحقيقة أن ست دول أفريقية شهدت انقلابات خلال ثلاث سنوات، الغابون والنيجر ومالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد.

 

وأوضح أن مصر هي واحدة من نقاط العبور الرئيسية للمهاجرين من شمال أفريقيا المتجهين إلى أوروبا، واعتبارا من سبتمبر الماضي، بلغ عددهم حوالي 186,000 شخص، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، علاوة على ذلك، ارتفع عدد طلبات اللجوء المقدمة من المصريين إلى الدول الأوروبية من 6,616 في عام 2021 إلى 26,512 في العام الماضي، وفقا لوكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي، كان المصريون أكبر مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى أوروبا باستخدام طريق البحر الأبيض المتوسط ، والذي أشارت الوكالة الأوروبية للحدود وخفر السواحل إلى أنه استخدمه أكثر من 100000 مهاجر في عام 2022.

 

وأشار التقرير إلى أن احتمال انهيار نظام السيسي، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية هو سيناريو مخيف للمنطقة ولأوروبا، فهي في نهاية المطاف بلد يبلغ عدد سكانه 105 ملايين نسمة، ويستضيف ما يقرب من تسعة ملايين لاجئ، تسيطر مصر أيضا على أحد أهم الممرات المائية في العالم ، قناة السويس ، وتشترك في الحدود مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

 

لا شيء يأتي إلى مصر مجانا، حسب المحلل السياسي المصري عمر النادي، ما تقدمه دول الخليج أو أوروبا، بالطبع، ليس من أجل المصريين أو حتى السيسي، ولكن هناك أهداف وأجندات يتم تمريرها بشكل أو بآخر، وترتبط هذه العوامل بحقيقة أن نظام السيسي هو جدار المقاومة في مواجهة الإسلام السياسي في شكل الإخوان المسلمين، والربيع العربي، وهما مصدر قلق كبير للخليج وأوروبا، كما أنها تضع خطوطا حمراء في أي تقارب مع تركيا وإيران، بحسب النادي.

 

الكلمة الرئيسية وراء كل ذلك هي “غزة”، خاصة مع المخططات الإسرائيلية لمهاجمة رفح، المكتظة ب 1.4 مليون فلسطيني نازح، وإمكانية حدوث نزوح جماعي من قطاع غزة نحو الحدود المصرية أو عبر البحر الأبيض المتوسط.

 

وإذا حدث ذلك، فستكون مصر نقطة عبور ساخنة إلى أوروبا، أو نقطة استقرار للاجئين الفلسطينيين، هذا الأخير هو الخيار المفضل للاحتلال وأوروبا والولايات المتحدة.

 

ويقول معارضوه: إن “السيسي يلعب دورا محوريا في الحصار المفروض على الفلسطينيين في غزة ، وهو كذلك منذ سنوات طويلة، ويتردد في فتح معبر رفح الحدودي بشكل دائم، مستشهدا بالاتفاقات مع الإسرائيليين بشأن إدارة المعبر، كما أنه يقف كحجر عثرة في وجه الضغط الشعبي المتزايد، اعتقل نظام السيسي عشرات المصريين بتهمة التضامن مع غزة”.

 

ويرى كثيرون أن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي هي مكافأة عرضت على السيسي مقابل موقفه من حرب الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة، وحماس، ونزع سلاح المقاومة، وترتيبات اليوم التالي للحرب، فضلا عن إنشاء ممر بحري بين قبرص والقطاع الساحلي الفلسطيني، وهو ما يعني من نواح كثيرة إنهاء الدور الرئيسي لمعبر رفح.

 

من الآمن أن نقول: إن “الشيطان يكمن في التفاصيل، نظرا للبنود الغامضة الواردة في اتفاقية التمويل الموقعة مع أوروبا بشأن التعاون في مكافحة الإرهاب، ويلزم الاتفاق القاهرة بتوفير خدمات أمنية وعسكرية واستخباراتية تتعلق بأمن البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ومراقبة الحدود، وهي ترتيبات لم يكشف أي من الجانبين عن تفاصيلها أو الغرض منها”.

 

وبحسب الباحث السياسي محمد جمعة، فإن للقاهرة أهمية جيوستراتيجية كبيرة، لأنها تلعب دورا بارزا من حيث الأمن والاستقرار في منطقة تعد ممرا رئيسيا للطاقة وتجاريا، كما تلعب دورا قويا في قضايا غزة والهجرة والأمن والإرهاب، ناهيك عن أن الاتحاد الأوروبي يخشى أن يؤدي عدم التعاون مع مصر إلى خلق فراغ جيوسياسي، قد تملأه روسيا والصين.

 

وأضاف أن هذا الدعم يمكن اعتباره جزءا من لعبة أمريكية غربية بالشراكة مع دول الخليج التي لا تريد أن تفشل الدولة المصرية، وفي حين أن لكل طرف أهدافه الاستراتيجية والسياسية الخاصة، إلا أنها تخدم بشكل عام المصالح الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية والخليجية.

 

ومن المؤكد أن نظام السيسي يجني مكاسب كبيرة من هذه التدفقات المالية، إنها تخفف من حدة الأزمات الاقتصادية في مصر في الوقت الحالي، منع الاضطرابات السياسية والاجتماعية الوشيكة ؛ وضمان بقاء النظام حتى عام 2030.

 

ومع ذلك، وفقا لبعض الناس، فإن أكبر مكسب هو أن يغض الغرب الطرف بشكل جماعي عن سجل السيسي في مجال حقوق الإنسان والانتهاكات المستمرة، مع جميع المعارضة السياسية ؛ خنق المجتمع المدني؛ وسجن الصحفيين وحجب وسائل الإعلام الدول الغربية تكافئه بشكل أساسي على أكثر من 10 سنوات من القمع.

 

قالت هيومن رايتس ووتش: إن “اتفاق الاتحاد الأوروبي مع مصر هو مكافأة على الاستبداد، وخيانة لقيم الاتحاد الأوروبي، والتواطؤ في انتهاكات حقوقية، وأضافت أن مثل هذا النهج يعزز الحكام الاستبداديين، في إشارة واضحة إلى السيسي”.

 

وفي السياق نفسه، حذرت منظمة العفو الدولية من التواطؤ في الانتهاكات الجسيمة المستمرة لحقوق الإنسان في مصر، مذكرة قادة الاتحاد الأوروبي بأن الآلاف يقبعون ظلما خلف القضبان في ظروف مروعة عقب محاكمات بالغة الجور.

 

واختتم التقرير:”هذا الوضع برمته يظهر أن حقوق الإنسان يتم تهميشها مقابل أهداف وخدمات أمنية وعسكرية، فضلا عن المهام الاستراتيجية الحساسة التي يقدمها النظام المصري للشركاء الأوروبيين والدوليين والخليجيين بتفان كبير، بشرط أن يحصل على شيء في المقابل، مصر لا تفعل شيئا مجانا”.

 

رابط التقرير: هنا