في الوقت الذي يحاول فيه المصريون التكيف مع مصائب المنقلب السفيه السيسي وكوارثه التي يجرها للشعب، من رفع أسعار الوقود وزياد أسعار الكهرباء والخبز والسلع والأدوية وغيرها، على خلفية تعويم الجنيه في 6 مارس الماضي، ووسط طرب أذرع النظام بالتدفقات المالية التي ستنهال على مصر، وكأن السماء تمطر ذهبا أو دولارات، جاءت تصريحات رئيسة صندوق النقد الدولي، يوم الاثنين الماضي، لتصدم ملايين المصريين، الذين باتوا على محك التسول والفقر والجوع، جراء قرارات نظام السيسي.
وصدمت رئيسة بعثة الصندوق للقاهرة إيفانا فلادكوفا هولار، والتي كانت تجري مراجعة لتعهدات مصر للصندوق حول برنامج الإصلاح الاقتصادي، قالت الاثنين: إن “الصندوق سيربط المدفوعات لمصر بسماح القاهرة بتحديد سعر صرف الجنيه، وإتاحتها النقد الأجنبي للشركات والأفراد بشكل مرن بصورة تامة”.
وتعني تلك التصريحات الوصول إلى التعويم المرن للجنية، وليس التعويم المدار، وإطلاق حرية امتلاك الدولار وشرائه للجميع بمصر.
وكانت بعثة الصندوق التي أنهت مراجعتها الشهر الماضي، أعلنت عن مراجعات لاحقة لمدى التزام الحكومة المصرية بتعليمات الصندوق كل 6 أشهر، مشيرة لصرف 1.3 مليار دولار بشرط استيفاء شروط معينة، على أن تكون الدفعة الأخيرة في خريف 2026.
فلادكوفا هولار، التي تشير تصريحاتها بأن ما ينتظر المصريين قد يكون الأسوأ حين قالت: إن “هذا إصلاح مهم يجب أن يستمر، إنه ليس إصلاحا لمرة واحدة، وذلك مع تأكيدها على أن مصر، بحاجة إلى استبدال دعم الوقود غير الموجه بإنفاق اجتماعي موجه”.
وكانت وقعت مصر، وصندوق النقد الدولي في فبراير الماضي، اتفاقا يقضي بزيادة تمويل الصندوق من 3 إلى 8 مليارات دولار، بزيادة 5 مليارات، في اتفاق أقره المجلس التنفيذي للصندوق الجمعة الماضية، ما رأى فيه البعض بداية لانفراجة لوضع مصر المتأزم.
ويعاني المصريون مع التعويم مرارات الغلاء وشح السلع وندرتها، وطوال عهد السيسي تجرع المصريون المرار مع انخفاض الجنيه، في 11 عاما من نحو 7 جنيهات إلى نحو 47.15 جنيها رسميا مقابل الدولار، قبل أن يصل إلى 70 جنيها قبل أسابيع.
ويعني تحرير سعر الصرف، أو تعويم الجنيه، عدم تدخل الحكومة أو البنك المركزي بتحديد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، الذي يحدده سوق العرض والطلب، فيما يكون التعويم حرا أو موجها.
وكان أول قرار تعويم للجنيه عام 1977، بعهد الرئيس أنور السادات (1970- 1981)، ليتخذ حسني مبارك قرار التعويم الثاني عام 2003، ليضرب عهد السيسي، الرقم القياسي في مرات التعويم ومعدلاتها.
وفي نوفمبر 2016، كان القرار الأول بالتعويم الذي رفع قيمة الدولار من 7 جنيهات إلى معدل 19 جنيها ثم إلى نحو 14.5 جنيها، ليأتي التعويم الثاني للسيسي، في 27 أكتوبر 2022، ليهوي بقيمة الجنيه إلى 24.4 جنيها للدولار الواحد، ليجري التعويم الثالث مطلع 2023، ليسجل الدولار رسميا نحو 30 جنيها.
وفي 6 مارس الماضي، خفض قيمة العملة المحلية من 30 إلى 50 جنيها رسميا، وهو التعويم الذي رهن صندوق النقد الدولي إقراره للتمويل الجديد لمصر بحدوثه.
ورغم أن خبراء توقعوا حدوث تعويمات متتابعة بأمر الصندوق، لكنه لم يتخيل البعض أن الحديث عن تحرير جديد لسعر الصرف سيأتي بهذه السرعة وبعد شهر واحد من التعويم الأخير، ملمحين إلى أنه وفقا لهذا التصريح فيتوجب على مصر عمل تخفيضات وتعويمات جديدة للجنيه.
والغريب انه في ظل هروب الاستثمارات من مصر وخروج اكثر من 22 مليار دولار، في العام قبل الماضي، ما احدث شحا للدولار، وعدم قدرة على توفيره للمستوردين والمصنعين، يطالب الصندوق باتاحته للأفراد والشركات بلا أي شروط أو محاذير، وهو ما لا تستطيعه مصر المأزومة، وهو ما يعني عودة السوق السوداء بقوة.
وبذلك تتفاقم أزمات المستوردين والتجار وأصحاب الأعمال والشركات، إلى جانب تكدس الموانئ بملايين الأطنان من البضائع التي تحتاج إلى الدولار مقابل الإفراج الجمركي عنها، ما سبب اضطرابات كبيرة بالأسواق ولدى المصانع والمنتجين، ومن ثم تضرر المستهلكين والمواطنين بصفة عامة.
و برغم حصول مصرعلى العديد من التمويلات وبيع بعض الأصول مثل أرض رأس الحكمة للإمارات في فبراير الماضي، والتوسع في تخريد المصانع والشركات وبيعها للأجانب، تعاني مصر من شح الدولار، على خلفية أقساط الديون الكثيرة التي ستسدد في يونيو المقبل وحتى نهاية العام، في ظل عجز تام عن توليد الدولارات بالإنتاج والتصدير وجذب الاستثمارات والمشاريع الفعلية المنتجة للدولار وليس بيع الأراضي، علاوة على استمرار السيسي في نهجه القديم الجديد، بالإنفاق الترفي والمهرجانات والمؤتمرات والاحتفالات والتفكير في مشروع ازدواج كامل لقناة السويس، وبناء برج أيقوني جديد بالعلمين، لإهدار المليارات التي حصل عليها بالاقتراض والبيع للأصول.
زيادة أسعار الوقود
ومع أن القاهرة استجابت لطلبات الصندوق لخفض الدعم، برفع أسعار البنزين والسولار والبوتاجاز الشهر الماضي، إلا أن هولار، قالت: إن “دعم الوقود سيواصل الانخفاض”.
ويمثل رفع الدعم عن الوقود كارثة اجتماعية يتضرر منها الملايين، إذ بتحريك سعر الوقود ، تأثرت أسعار جميع السلع والخدمات بمصر، من نقل ومواصلات وأدوية وغذاء وملابس وغيرها، وهو ما يرفع نسب الفقر والعوز لمراحل غير متخيلة بمصر، وذلك على خلاف ما يتصوره البعض، بعد إتمام اتفاق صندوق النقد ونظام السيسي، على قرض بقيمة 8 مليارات دولار، مؤخرا، بحدوث انفراجة اقتصادية بالبلاد المأزومة، إلا أن التصريحات الأحدث لبعثة الصندوق من القاهرة، والتي ربطت بين تمرير دفعات الشرائح المالية المقررة بالحفاظ على سعر صرف مرن للجنيه، مقابل العملات الصعبة ورفع الدعم عن الوقود، والتحول إلى الدعم العيني بدلا من الدعم التمويني ودعم الخبز، وهو ما يعني تحرير أسعار الخبز والسلع التموينية، مقابل منح المصريين بضعة جنيهات ليشتروا بها السلع والخبز بأسعار السوق الحر، وهو ما يمثل أم الكوارث، في ظل مجتمع يعاني أكثر من ثلثيه من الفقر.
ويعاني الاقتصاد المصري من أزمة تمويل وشح في العملات الأجنبية، بجانب تفاقم أزمات دين خارجي بلغ نحو 168 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وحلول آجال الكثير من أقساطه وفوائده، وسسط إصرار من السيسي على الاستمرار في نفس مسار الإنفاق البذخي على المشاريع عديمة الجدوى الاقتصادية التي كان يمكن تأجيلها لسنوات لاحقة، كالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة والجلالة والمونوريل والقطار السريع ودور السينما والأوبرا الجديدة ومقار الحكومة الجديدة، وغيرها من المشاريع التي تبتلع المليارات بلا عوائد اقتصادية في المدى القصير أو المتوسط أو حتى البعيد، إذ إن الاستثمار العقاري استثمار ريعي غير متجدد ويبتلع الأموال ولا يعيدها بسهولة إلى سوق العمل والإنتاج، الذي تحتاجه مصر.
عدم ثقة بإدارةالسيسي
يشار إلى أنه غالبا ما يشترط صندوق النقد الالتزام بسعر صرف مرن حتى لا تستنزف أرصدة الاحتياطي النقدي، وتتغاضى الحكومة عن الاهتمام بالإنتاج والخدمات المولدة للدولارات، كما هو حال السيسي، منذ التعويم الأول، إذ يزف إعلامه خفض الدولار من 70 إلى 47 جنيها، بأنه انتصار لإدارة السيسي، على عكس الواقع ، بأنه بسبب القروض والديون، والتي يهدرها السيسي في مشاريع غير منتجة للدولار، ومهدرة للأرصدة المركزية، دون خطط تنموية فعلية تقوم على التصنيع والزراعة وغيرها من الإنتاج، وأمام ذلك فإن القادم سيكون أسوأ على كافة الأصعدة المعيشية في ظل تمسك السيسي بسياساته الفاشلة، وفي ظل صمت المصريين عليه.