“بلطجة دليفري” ..خدمات أمنية وتخليص الحقوق خارج إطار القانون برعاية نظام السيسي

- ‎فيتقارير

 

مع تصدر صبري نخنوخ والقاتل هشام طلعت مصطفى وإبراهيم العرجاني المشهد السياسي والاقتصادي بمصر، واستحواذهم على أبرز الاستثمارات والأراضي والشركات والفنادق بمصر، في ظل حكم عسكري، لا يعتد بالقوانين والقيم المجتمعية ولا يراعى حقوقا لأحد، باتت أعمال البلطجة والقوة والسطو شبه مقننة بمصر، وانتشرت شركات أموال البلطحة وتخليص الحقوق التي  تقوم بديلا للمحاكم والمسارات القانونية للتقاضي، وباتت البلطحة أسلوب حياة، في السيطرة على الأراضي وإنهاء الخصومات والخلافات التجارية والاقتصادية.

 

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، إعلانات  خدمات البلطحة وتوصيل  خدمات البلطحة في كل مناحي الجمهورية، مبررة وجودها بتقليص الأوقات المستهلكة في المحاكم وسرعة الإنجاز، وتسهيل الإجراءات ، خارج إطار القانون.

 

بلطحة دليفري

 

وتنوعت خدمات البلطجة ، وفق إعلانات الفيس بووك، بين تخليص تراخيص البناء، وتقسيم الأراضي، وتحويل مسارات الطرق والخدمات الحكومية، ونزع الملكية وتثبيت وضع اليد على الأراضي، ورد الأطفال المخطوفين، ورد الأمانات والشيكات والأموال المتنازع عليها، ورد الأطفال لخضانة الأم والأب المطلقين، حسب الحالات، وغيرها من الخدمات.

 

وتقوم فكرة شركات البلطجة، على شبكة واسعة من العلاقات الآثمة والمحرمة  بين عناصر البلطجة ووزارة الداخلية والقضاة ووكلاء النيابة وعدد من رجال الأعمال ، يستغلون علاقاتهم، في إنهاء المعاملات المتعثرة والمعاملات الملتبسة.

 

وغالبا ما يتورط بعض ضباط وزارة الداخلية في تلك الشبكات، إذ يقومون بتقديم الستار القانوني على تلك الأفعال، التي تعد مُجرّمة بنصوص القانون المصري.

 

توسع البلطجة بعهد السيسي

 

ووفق رصد حقوقي، لا تكاد تخلو صحيفة مصرية من خبر يومي عن سطوة عناصر البلطجية وتغولهم بالشارع المصري بالعام 2023، خاصة مع الظهور المتتالي لكبار قادتهم من رجال العالم السفلي للجريمة بالبلاد إلى جانب عبدالفتاح السيسي، ومشاركة بعضهم جهات سيادية مشروعاتها.

 

الشواهد كثيرة على جرائم البلطجة بالعام المنصرم، إلا أن أحدثها ما تداوله نشطاء قبل أيام عبر مقطع مصور يكشف اعتداء بلطجية على مجموعة نساء، والاستيلاء على بيتهم في صعيد مصر، بالمنطقة المحافظة على تقاليد احترام النساء.

 

وهو ما يؤكد تغول أدوار البلطجية ذلك الجانب الخطير الذي أصاب المجتمع خلال حكم السيسي، لكنه تصاعد بشكل مخيف خلال 2023.

 

وأكدوا أن البلو حسب دراسات اجتماعية، فإن البطجة في ظل البطالة والغلاء والفقر بفعل سياسات النظام أصبحت مهنة عاطلين لقاء أجر، مشيرين لتحول كبار قادة البلطجية والأعمال القذرة من تجارة السلاح والمخدرات وأعمال القتل والسرقة والنهب إلى رجال أعمال، كتفهم بكتف كبار رجال الدولة ومسؤوليها التنفيذيين.

 

السيسي يقنن عمل البلطجية

 

وخلال 2023، تحدث السيسي عن البلطجية، ودورهم في تسيير الأعمال لقاء منحهم المخدرات والمال مطلع أكتوبر الماضي، وقال حينها: “ممكن أهد مصر بمليار جنيه، مشيرا لإمكانية منحه باكتة بانجو و20 جنيها وشريط ترامادول، لـ100 ألف شخص ظروفهم صعبة لإحداث فوضى بالبلاد” ما اعتبره البعض إشارة لاتصاله بعالم البلطجية وتشغيله لهم.

 

وفي 25 سبتمبر الماضي، جرى الإعلان عن شراء أشهر بلطجية مصر وزعيم العالم السفلي بالبلاد كما تصفه تقارير صحفية صبري نخنوخ، -أفرج عنه السيسي بعفو صحي من محبسه في  مايو 2018- مجموعة شركات “فالكون” للأمن والحراسة، وخدمات الأموال، والقائمة على تأمين سفارتي السعودية والكويت بالقاهرة، وجامعات مصرية وبنوك وشركات كبرى، ولتلك الشركة دور بدعم الانقلاب العسكري منتصف 2013، فمنذ العام 2014، يقوم قطاع الدعم والتدخل السريع، بها بوأد تظاهرات طلاب الجامعات وتسليم المعارضين منهم للأمن، والقيام بنفس الدور خلال مباريات كرة القدم.

 

وفي 30 يوليو الماضي، وقع حادث الاشتباك المسلح بمقر الأمن الوطني بمدينة العريش بشمال سيناء، والذي تتكتم السلطات على تفاصيله حتى الآن، وتشير تقارير مؤسسة سيناء الحقوقية المحلية وغيرها، لمقتل 8 من الأمن بينهم العقيد محمد مؤنس.

 

لكن المثير في الأمر، كان نعي نخنوخ لمؤنس ضابط العمليات الخاصة، عبر صفحته بـفيسبوك، ما يشير لارتباط بين قادة الأمن وكبير البلطجية.

 

وبالانتخابات الرئاسية التي جرت 10 ديسمبر 2023، ظهر دور البلطجية بشكل لافت في تمريرها وفوز السيسي بها، حيث قاموا بحصار مقرات الشهر العقاري لمنع أنصار المعارض أحمد الطنطاوي من تحرير توكيلات له للترشح بمواجهة السيسي، وفق توثيق حملة الأول الانتخابية.

 

بل إنه جرى الاعتداء على الطنطاوي نفسه 15 أغسطس الماضي، بمسجد السيدة زينب، وبمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية 4 أكتوبر 2023، كما تعرض النشطاء كريم الشاعر، ورانيا الشيخ، وعزة فريد حسين، للضرب من قبل بلطجية بمكتب الشهر العقاري بمنطقة روض الفرج بالقاهرة.

 

وفي 30 مايو الماضي، اعتدى بلطجية على جمعية نقابة المهندسين العمومية، وحطموا صناديق اقتراع تجديد الثقة بالنقيب طارق النبراوي، الذي أعلن أن الهجوم من قبل بلطجية تابعين لحزب مستقبل وطن، ما يشير لتشغيل جهات أمنية وأنصار النظام للبلطجية.

العرجاني شريك السيسي

 

كما كان العام المنصرم بداية لتأكيد تحول قائد مليشيات “اتحاد قبائل سيناء” إبراهيم العرجاني، صاحب السوابق الجنائية بتجارة السلاح والمخدرات والاعتداء على الأمن إلى رجل أعمال له شراكات وأدوار رسمية بعد دوره بالحرب على عناصر مسلحة،  بسيناء.

 

وتتوالى التقارير الإعلامية التي تؤكد وجود علاقة وطيدة بين العرجاني، وصداقة شخصية مع الرجل الأقوى بجهاز المخابرات العامة المصرية، محمود السيسي، مبينة أنه في هذا الإطار يمكن فهم كيف تحول العرجاني من متهم مطلوب من الأمن إلى أحد أباطرة الاقتصاد في مصر، وشارك العرجاني، يناير الماضي، بعرض التراث السيناوي، ضمن فاعليات منتدى شباب العالم في مدينة شرم الشيخ، والذي حضره السيسي، وفي الشهر ذاته، حصلت “العرجاني جروب”، على حقوق النادي الأهلي التجارية ببطولة كأس العالم للأندية فبراير الماضي، وعقدت شراكة لبناء استاد النادي.

 

وفي 16 أغسطس الماضي، أثير الحديث عن دور العرجاني في “طائرة الذهب” التي أوقفتها زامبيا وصادرت 5.7 ملايين دولار، وسبائك كانت على متنها، وأوقفت 8 مصريين.

 

وفي 31 أكتوبر الماضي، ظهر العرجاني إلى جانب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال افتتاحه مشروعات بسيناء، في مشهد يشير لحجم أدواره التي منحتها له حكومة السيسي.

 

وفي نوفمبر الماضي، جرى إعادة تعيين العرجاني، كعضو بالجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء، الجهاز السيادي التابع لوزارة الدفاع المصرية.

 

 

أعداد البلطجية

 

وبرغم عدم وجود أرقام دقيقة عن عدد البلطجية إلا أن هناك إحصاء في مايو 2015، عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، يؤكد وجود أكثر من نصف مليون بلطجي مسجل رسميا.

 

لكنه وفي مارس 2013، نقل رئيس حزب “الوسط” المصري أبو العلا ماضي، عن الرئيس الراحل محمد مرسي، قوله إن المخابرات العامة شكلت تنظيما مكونا من 300 ألف بلطجي، يعملون بإمرة ضباط أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا).

 

ويرجع خبراء زيادة عدد البلطجية وشركاتهم وتشكيلاتهم، إلى أنه  كلما زاد خوف رأس النظام زادت البلطجة، إنها قاعدة أزلية، منذ نشأة أنظمة الحكم، فحيث تبدأ فترة أي نظام مستبد بالحديد والنار، ثم تدريجيا ينفرط العقد، وتخرج الأمور عن سيطرته نتيجة سنة التدافع، وتظهر مراكز قوى تنازعه السلطة، أو تقتطع جزءا من صلاحياته، خاصة في الأجهزة السيادية والأمنية، فيشعر بالخوف، وهنا تظهر الاستراتيجية القديمة المتجددة، بث الخوف وعدم الأمان بين الناس، عن طريق مواز للأجهزة الأمنية، وهو طريق البلطجية، لإشعار الناس دائما بالحاجة لحماية السلطة، والتي هي في نفس الوقت؛ من تدير هؤلاء البلطجية خلف الستار.