هل تنقذ القروض الأخيرة مصر أم تظل حبيسة دائرة الركود الاقتصادي؟

- ‎فيتقارير

نشر مركز مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، تقريرا سلط خلاله الضوء على الأزمة الاقتصادية في مصر، ومدى قدرة حزمة المساعدات والقروض الأخيرة على انتشال الاقتصاد من عثرته.

وبحسب التقرير، ضخ المقرضون الدوليون عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد المصري المتعثر وسط الحرب في قطاع غزة، لكن الخبراء يقولون إن الأزمة الاقتصادية في البلاد لم تحل بعد.

وفي فبراير 2024، فازت مصر بأكبر استثمار أجنبي لها على الإطلاق: تدفق 35 مليار دولار من الإمارات العربية المتحدة. وقد أرست هذه الأموال الأساس للإصلاحات التي أطلقت عشرات المليارات من الدولارات من الالتزامات الإضافية من المؤسسات المالية الدولية والحكومات الأجنبية. ونتيجة لذلك، يبدو أن الاقتصاد المصري – الذي كان يواجه نقصا مطولا في العملات الأجنبية وتضخما مرتفعا حتى قبل أن تؤدي الحرب في قطاع غزة إلى مزيد من التوتر في الوضع – يسير على قدم وساق. لكن الخبراء يحذرون من أن الأزمة الاقتصادية المصرية لم تنته بعد.

ما مدى أهمية الاستثمار في دولة الإمارات العربية المتحدة؟

استثمرت “القابضة” (ADQ)، ثالث أكبر صندوق ثروة سيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة، عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع عقارية على طول ساحل البحر المتوسط في مصر. ويقول كثير من المحللين إن الضخ أعطى القاهرة الاحتياطي الأجنبي الذي تحتاجه لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المكلفة التي تنذر بمليارات الدولارات الإضافية من المساعدات من المقرضين الدوليين.

 

ما هي الإصلاحات التي قامت بها مصر؟

لسنوات، كانت مصر تدعم قيمة عملتها، الجنيه المصري، في محاولة للحد من التقلبات في اقتصادها. وللقيام بذلك، يتعين على القاهرة استنزاف احتياطياتها من العملات الأجنبية لشراء الجنيه في الأسواق العالمية بأسعار مبالغ فيها. وهذا يبقي قيمة الجنيه أعلى مما كانت ستكون عليه دون تدخل الحكومة، الأمر الذي يفيد المصريين من خلال تعزيز قوتهم الشرائية بعملة أكثر قيمة. لكنه يعني أيضا أن الاقتصاد المصري المعتمد على الاستيراد لديه احتياطيات أقل للإنفاق على السلع الحيوية، مثل النفط والقمح.

في مارس 2024، سمحت مصر “بتعويم” الجنيه ورفعت أسعار الفائدة بنسبة 6 في المئة – وهو أكبر ارتفاع لها على الإطلاق. وكانت كلتا الخطوتين شرطين لتلقي التمويل من صندوق النقد الدولي. في الساعات التي تلت الإعلان عن الإجراءات ، فقد الجنيه 40 في المائة من قيمته، وانخفض إلى مستوى قياسي منخفض.

وتأتي الإصلاحات وسط واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ المصري الحديث. منذ استيلائه على السلطة في عام 2013، أنفق عبد الفتاح السيسي عشرات المليارات من الدولارات على المشاريع العملاقة، بما في ذلك العاصمة الجديدة. وقد ساعد هذا الإنفاق على نمو ديون مصر من 70 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى 96 في المئة في عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة التضخم بسبب اعتماد مصر الكبير على القمح المستورد من البلدين. سقط حوالي عشرة ملايين مصري – حوالي 10 في المئة من سكان البلاد – في براثن الفقر منذ عام 2010. إن اعتماد مصر على عائدات التحويلات المالية، والسياحة، والرسوم من التجارة التي تمر عبر قناة السويس، يجعل اقتصادها عرضة بشكل خاص للصدمات الخارجية – مثل اندلاع الحرب في غزة، والتي أثرت على جميع تدفقات الإيرادات الثلاثة هذه.

ومع ذلك، يقول صندوق النقد الدولي إنه ينبغي بذل المزيد من الجهود، خاصة فيما يتعلق بدور الجيش الكبير في القطاع الخاص في مصر. يمتلك الجيش، الذي لا يدفع الضرائب، مئات الشركات، بما في ذلك المصانع ومحطات الوقود ومحلات البيع بالتجزئة وشركات السياحة ومطوري العقارات. هذا المستوى من تدخل الدولة يزاحم القطاع الخاص، الذي لا يستطيع التنافس مع الميزانية العمومية للحكومة العسكرية أو قدرته على تجاوز اللوائح الحكومية.

 

ما مقدار الاستثمار الأجنبي الذي حصلت عليه مصر؟

وقد فازت مصر بالتزامات بأكثر من 50 مليار دولار في الأشهر الأخيرة، أي ما يعادل 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وبفضل رفع أسعار الفائدة وتعويم الجنيه، عرض صندوق النقد الدولي على القاهرة حزمة قروض بقيمة 8 مليارات دولار. والصفقة أكثر من ضعف حجم البرنامج السابق بين صندوق النقد الدولي ومصر التي تعد ثاني أكبر مدين للصندوق.

كما تلقت مصر تمويلا من مؤسسات أخرى متعددة الأطراف. بعد أيام من الموافقة على صفقة صندوق النقد الدولي، تلقت مصر 6 مليارات دولار من القروض والاستثمارات والمنح من البنك الدولي، ووقعت “شراكة استراتيجية” بقيمة 8 مليارات دولار مع الاتحاد الأوروبي في مجالات تشمل التجارة والطاقة والأمن. ويشمل الترتيب مع الاتحاد الأوروبي أيضا مائتي مليون يورو لإدارة الهجرة، حيث يمر عدد متزايد من المهاجرين الأفارقة عبر مصر في طريقهم إلى ليبيا ثم أوروبا.

وتأتي الإصلاحات في الوقت الذي تتطلع فيه الولايات المتحدة وشركاؤها إلى درء أي مصادر إضافية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مثل تآكل التماسك الاجتماعي في مصر بعد سنوات من الضائقة الاقتصادية. ومن المحتمل أن تكون هذه المخاوف قد حفزت الإماراتيين والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي على حشد التمويل للقاهرة، كما يقول ستيفن كوك، زميل أول في مجلس العلاقات الخارجية.

أثرت الحرب بين الاحتلال وحماس على الاقتصاد المصري الضعيف بالفعل. وتراجعت السياحة، التي مثلت 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المصري في عام 2018، بعد هجوم حماس على دولة الاحتلال في 7 أكتوبر 2023. ويتوقع الاقتصاديون أن تنخفض عائدات السياحة بين 10 و30 في المئة هذا العام، مما يقلل من المعروض من العملة الأجنبية في مصر. لكن مسؤولين مصريين يقولون إن السياحة لا تزال قريبة من مستويات قياسية. وفي الوقت نفسه، انخفضت الرسوم المتعلقة بتشغيل قناة السويس، التي ولدت 10 مليارات دولار لمصر في 2022-2023 (حوالي 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، إلى النصف بعد أن دفعت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر الشاحنين الرئيسيين إلى اختيار طريق أطول حول القرن الأفريقي.

ويقول محللون إن المقرضين العالميين مثل صندوق النقد الدولي أصبحوا أكثر تعاطفا مع مصر منذ بدء الحرب. والواقع أن التقدم الذي أحرزته القاهرة في قضايا مثل السيطرة العسكرية على الشركات الحكومية، وهي نقطة شائكة سابقة لصندوق النقد الدولي، كان بطيئا. وحتى ديسمبر 2023، كانت مصر قد باعت 14 شركة فقط من أصل خمس وثلاثين شركة مملوكة للدولة وافقت على تصفية استثماراتها في ترتيبها لعام 2022 مع “صندوق النقد الدولي”.

يجادل بعض الخبراء بأن موقف مصر كوسيط بين الاحتلال وحماس جعل استقرار اقتصادها أولوية عالمية، على الرغم من التقدم البطيء في إصلاحات صندوق النقد الدولي. يقول كوك: “لقد سيطرت الجغرافيا السياسية”.

 

هل تحل هذه الإصلاحات أزمة مصر؟

ويشير الخبراء إلى أن دعم الاقتصاد المصري – بهدف ضمان الاستقرار الإقليمي – لا يزال يمثل مصلحة مركزية لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يشكك العديد من المراقبين في أن الإصلاحات سوف تستمر. تتمتع مصر بسجل حافل في الإعلان عن تغييرات اقتصادية كبيرة ثم التراجع.

وفي الوقت نفسه، يقول الاقتصاديون إن هيمنة الجيش على الاقتصاد لا تزال تعيق التنمية. وصل السيسي، وهو جنرال سابق، إلى السلطة في انقلاب عسكري قبل أكثر من عقد بقليل، وسيكون من الصعب عليه الحد من القوة الاقتصادية للجيش دون تقويض قوته. لا تمارس الولايات المتحدة ولا المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي ضغوطا كبيرة على هذه الجبهة، لذلك يقول الخبراء إن مصر ليس لديها حافز يذكر للمضي قدما في الخصخصة – وبالتالي يمكن أن تظل حبيسة دائرة من الركود الاقتصادي.

 

 

رابط التقرير: هنا