مرسي والسيسي والكهرباء.. “موش قد الشيلة متشيلش”

- ‎فيمقالات

 

قبل أحد عشر عاما وخلال العام الوحيد لحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، كانت أزمة انقطاع الكهرباء هي الأبرز بين الأزمات الطبيعية أو المصطنعة لإفشال حكم الإخوان سريعا، كان للأزمة في ذلك الوقت جانب موضوعي تمثل في نقص الطاقة اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، ولكن الجانب الأخطر كان في الفعل المتعمد لقطع الكهرباء لفترات طويلة ومتكررة دون داع بهدف زيادة السخط الشعبي ضد مرسي ورجاله، كانت تلك الأزمة المصنعة في جزء كبير منها هي المادة الرئيسية لوسائل الإعلام التي تبنت دعوات للامتناع عن سداد الفواتير، ونشر شائعات عن وفيات وسرقات أو تلف بضائع بسبب انقطاع الكهرباء، ووصلت إلى حد المطالبة باستقالة مرسي بادعاء فشله في حل تلك الأزمة، لم ننسَ بعد الكلمة الشهيرة لإحدى الإعلاميات “موش قد الشيلة متشلتش”، أي إذا لم تكن على قدر المسئولية فلتتنحَّ.

 

ولأن المشاركين في صناعة تلك الأزمة كانوا جزءا من الثورة المضادة لحكم مرسي، فإن الأزمة اختفت فور الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، ما يعني أن السبب لم يكن فقط نقص الطاقة، ولكنه بفعل فاعل، وهلل الإعلام الداعم للانقلاب لهذا الإنجاز السريع جدا الذي شعر به المواطنون فورا، وراحوا ينسبون الفضل للقيادة الجديدة.

 

احتفت إذن وسائل الإعلام الداعمة للنظام بما اعتبرته إنجازا كبيرا في توفير الكهرباء بشكل منتظم دون انقطاع، وراحت تقارن بين هذا الوضع وما كان قائما في عهد مرسي، وروجت على نطاق واسع أن طاقة الكهرباء أصبحت تغطي الاحتياجات المحلية بالكامل، ويتم تصدير الفائض منها لعدة بلدان مجاورة منها الأردن والسودان، الجميع الآن يدرك الفشل الكبير للنظام في احتواء أزمة الكهرباء، لكن النظام يحاول التنصل من المسئولية كعادته، وإلقاءها على حرارة الجو وبالتالي زيادة الاستهلاك، وكذا نقص واردات الطاقة اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، وهو ما قوبل بعاصفة من الرفض والسخرية من المصريين بل تسعى للتصدير إلى أوروبا عبر اليونان (قبل عدة أشهرصرح نائب وزير الكهرباء والطاقة المهندس أسامة عسران أن مصر التي عانت من عجز في إنتاج الطاقة الكهربائية 20%، انتقلت إلى تحقيق فائض واحتياطي يتخطى 21.8% ويبلغ نحو 28.5 جيجاوات.

 

في صيف العام الماضي بدأت الحكومة تنفيذ خطة لتخفيف الأحمال، بسبب عجز الطاقة المتاحة من الكهرباء عن تلبية كامل الاحتياجات، ولكنها أعلنت أنها عملية مؤقتة إلى حين انتهاء حرارة الصيف، وتشغيل محطات جديدة أو تطوير محطات قديمة، ونظرا لاقتران شهر رمضان المنصرم مع تعويم جديد للجنيه، فقد قررت الحكومة وقف خطة تخفيف الأحمال خلال الشهر الكريم تجنبا لمزيد من السخط الشعبي، وبمجرد انتهاء الشهر عاد الانقطاع مجددا لأكثر من ساعتين يوميا.

 

الجميع الآن يدرك الفشل الكبير للنظام في احتواء أزمة الكهرباء، لكن النظام يحاول التنصل من المسئولية كعادته، وإلقاءها على حرارة الجو وبالتالي زيادة الاستهلاك، وكذا نقص واردات الطاقة اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، وهو ما قوبل بعاصفة من الرفض والسخرية من المصريين، فالفترة الماضية كان الجو باردا، أما مشكلة الطاقة فإن المصريين لا ينسون الاحتفالات الكبرى بمناسبة اكتشاف حقل ظهر للغاز في البحر المتوسط في العام 2018 وهو ما وُصف في حينه بأكبر حقل، وأنه سيحقق الاكتفاء الذاتي، بل سيُدخل مصر في دائرة الدول المصدرة للطاقة، ولتكون مركزا إقليميا للطاقة، وبناء على ذلك دخلت مصر في اتفاقيات تصدير غاز إلى أوروبا، وتوقعت أن خفض استهلاك الغاز الطبيعي محليا بنسبة 15 في المئة يحقق لها عوائد تصديرية بقيمة 450 مليون دولار شهريا، وهو ما ثبت خطؤه بعد التراجع الكبير لأسعار الغاز عالميا.

 

وتعتبر أزمة الكهرباء ذات أولوية قصوى يخصص لها بعض تلك الأموال لتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء بكل طاقتها، بدلا من إنفاقها في بناء قصور رئاسية، أو بناء أكبر وأطول وأعرض وأغرب بناء.

 

فجأة تراجع الإنتاج في حقل ظهر من 30 تريليون قدم مكعب إلى 10 تريليون قدم فقط بسبب تسرب المياه إليه، وهنا حولت مصر جزءا من الإنتاج المخصص للاحتياجات المحلية إلى السوق الأوروبية للوفاء باتفاقاتها، وحتى تتجنب العقوبات والغرامات، وحتى تحصل على العملة الصعبة التي تغطي بها جانبا من عجوزاتها المالية، لكن المصيبة أن مصر ستستورد الغاز المسال لمواجهة النقص الداخلي حاليا لتشغيل محطات الكهرباء، وهذا الاستيراد سيكون بالدولار أيضا تحتاج وزارة الكهرباء يوميا لنحو 135 مليون متر مكعب من الغاز، و10 آلاف طن من المازوت، حتى تنتهي الانقطاعات المتكررة للكهرباء في مصر.

 

كل التبريرات التي يقدمها النظام لأزمة الكهرباء والقطع المتكرر لم تقنع المواطنين الذين يعرفون فقط أنه من صنع الأزمة وأنه المكلف بحلها، وإذا لم يكن قادرا على الحل فليرحل، ويترك الطريق لمن يقدر، وبصوت لميس الحديدي “موش قد الشيلة متشيلش”.

 

لقد تلقى النظام مؤخرا سيولة دولارية ضخمة بدأت بـ35 مليار دولار من الإمارات قيمة صفقة رأس الحكمة، تلتها 8 مليارات دولار قرض من صندوق النقد ومثلها من الاتحاد الأوروبي، بخلاف ما دفعه البنك الدولي للتعمير والبنك الأفريقي.. الخ، وبخلاف وعود لبعض الدول والمؤسسات بضخ مليارات جديدة، وعليه أن يعتبر أزمة الكهرباء ذات أولوية قصوى يخصص لها بعض تلك الأموال لتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء بكل طاقتها، بدلا من إنفاقها في بناء قصور رئاسية، أو بناء أكبر وأطول وأعرض وأغرب بناء.