لتسريع  الخصخصة : “صحة السيسي” تطرح المستشفيات الحكومية للتأجير..والفقراء عليهم انتظار الموت مرضا أو جوعا أو جهلا

- ‎فيتقارير

 

بلا توقف وبلا مراعاة لأحوال الشعب المصري وتراجع مستوياته الاقتصادية والمعيشية، يواصل نظام السيسي إجرامه بحق ملايين المصريين، بقضم حقوقهم الدستورية والقانونية، طامعا في انتزاع ما بقي لهم من شبه خدمات صحية، بعد أن خصم منهم حقوقهم المعيشية بسلاسل لا نهاية لها من الضرائب والرسوم وغلاء الأسعار، الذي يقضي على حياتهم بالبطيء.

وفي هذا السياق، بدأ مجلس نواب السيسي، مناقشة قانون تقدمت به الحكومة في فبراير الماضي، يقضي بتأجير المستشفيات الحكومية، للقطاع الخاص والمستثمرين، تحت مزاعم التطوير والارتقاء بمستويات الخدمة المقدمة، دون الالتفات إلى سياسات القطاع الخاص القائمة على تحقيق الربح أولا، وهو ما ينعمس سلبا على  حياة المواطنين الفقراء، الذي يزيد عددهم عن  60 مليون مصر، وفق تقديرات سابقة للبنك الدولي، هم من يلجأون للمستشفيات الحكومية المنهارة أساسا، لعلاج مرضاهم.

وقد أثار الإعلان عن مناقشة البرلمان مشروع القانون يمنح مستثمرين من القطاع الخاص إمكانية إدارة وتشغيل مستشفيات حكومية، غضبا مجتمعيا كبيرا، إثر الكوارث التي يتوقعها عموم المصريين، من النظام الرأسمالي المتوحش، الذي يريد خصخصة كل شيء وبيعه جميع الخدمات للمواطن، بالأسعار العالمية، على الرغم من أن المواطن لا يتقاضى راتبه بالأسعار العالمية، ناهيك عن أن  عدد الموظفين الحكوميين فقط بمصر لا يتجاوزون 6 مليون مصري، ونحو 100 مليون مصري، يكابدون للحصول على رواتب. 

وكان مجلس الوزراء المصري قد وافق في فبراير  الماضي، على مشروع قانون لتنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، يتضمن جواز منح حق إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية، للمستثمرين المصريين أو الأجانب، بهدف تشجيع الاستثمار في القطاع الصحي، وفق بيان لمجلس الوزراء.

 

مقترح القانون، الذي سماه البعض بـ«تأجير المستشفيات الحكومية»، لا يزال قيد الدراسة، وفق وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب الدكتور محمد العماري، الذي أكد في تصريحات صحفية، أن المناقشات التي جرت لم تُستكمل بعد حتى الآن، وفور الانتهاء منها ستجري إحالته لمكتب المجلس تمهيدا لإدراجه على أجندة التشريعات التي تجري مناقشتها ليُتخذ قرار نهائي بشأنه.

 

مخاوف مشروعة

 

لكن نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي في المقابل أبدى مخاوفه بشأن ما أُثير عن مواد القانون المقترح، وقال في تصريحات إعلامية: إن “القانون المزمع يحمل كثيرا من البنود التي تحتاج لتعديل وإيضاح، في مقدمتها ضرورة اقتصار وجود القطاع الخاص على بناء وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية الجديدة، بدلا من إدارة وبناء وتشغيل المستشفيات بشكل عام، مشيرا إلى أن المستثمرين عادة ما يفضلون استئجار منشآت طبية قائمة بالفعل بوصفه الأمر الأسهل”.

 

مضاعفة الأسعار

 

وأضاف: «السنوات الماضية شهدت وجود تجربتين لنوعين من المستثمرين، الأول قام ببناء مستشفى خاص متكامل، والثاني استحوذ على مجموعة مستشفيات خاصة، وأجرى عملية تطوير بسيطة لها في مقابل مضاعفة الأسعار التي تقدم بها الخدمات، وهو أمر يجب أن تدرس آثاره، فالأول أضاف أسرة للمنظومة الطبية، بينما الثاني زاد من التكلفة التي يتحملها المرضى».

وانتقد عبد الحي غياب أي نص واضح يضمن الحفاظ على حقوق العاملين سواء الأطقم الطبية أو الإدارية .

وتضمن مشروع القانون ألا تقل مدة الالتزام عن 3 أعوام، ولا تزيد على 15 عاما، مع عودة جميع المنشآت الصحية، بما فيها من تجهيزات وأجهزة طبية لازمة لتشغيلها إلى الدولة في نهاية مدة الالتزام دون مقابل وبحالة جيدة، وفق بيان مجلس الوزراء.

 

الرئاسة تبرر وتدفع باتجاه الخصخصة

 

ودخلت رئاسة الجمهورية على خط الأزمة والمخاوف الشعبية، لتزيد الطين بلة، إذ أكد مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة والوقاية، الدكتور محمد عوض تاج الدين أن ملف إشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية جرت دراسته بدقة وعلى كل المستويات، زاعما  في تصريحات لبرنامج قناة الحدث، مساء السبت الماضي، أن الأولوية هي خدمة المواطن، دون أن يوضح كيف، ودون أن يهدئ من روع الفقراء الذين يعانون توفير لقمة العيش،  أو ثمن حصة دروس خصوصية لأبنائهم، بعد أن تخلت الحكومة عن  دورها ومسئولياتها في توفير تعليم لائق، وهو ما دفع بالأهالي في آتون السناتر والمدارس الخاصة والدروس الخصوصية التي أصبحت هي الأساس، وليس المدارس الحكومية، فإذا عليهم أن يعالجوا أنفسهم وأهاليهم في العيادات الخاصة أو المستشفيات الخاصة، بعد أن يجري تحويل المستشفيات الحكومية الخاصة لمدد تتجاوز 15 عاما،  قابلة للتجديد أو استبدال المستثمرين بمستثمرين آخرين، قد يكونوا أجانب، يحولون الأسعار وفق أسعار الدولار أو اليورو، وهو ما يفاقم أزمات صحة المصريين.

ووفق تصريحات لأمين صندوق نقابة الأطباء الأسبق الدكتور خالد سمير، فإن المشكلة ليست في النصوص القانونية فقط لكن في آلية تطبيقها، مشيرا  إلى أن الأصل في المنظومات الطبية فصل الإدارة الطبية عن ممارسة العمل الطبي، مؤكدا أن مشروع القانون يحمل كثيرا من المشكلات في بنوده خصوصا فيما يتعلق بأحقية المستثمر في الاستعانة بكوادر طبية أجنبية، وهذا الأمر يشكل خطرا كبيرا على المنظومة الطبية في مصر، لأن هناك ضوابط محددة لوجود الأطباء الأجانب.

 

ويتفق نقيب الأطباء مع إشكالية العمالة الأجنبية الموجودة بمشروع القانون والتي تمنح المستثمر الحق في تحديد نسبة العمالة الأجنبية التي يستعين بها في المستشفى سواء كانت في الطواقم الطبية أو الإدارية، وهو أمر يشكل خطورة لعدة أسباب في مقدمتها أن مستوى الرواتب المتدني بالأساس داخل المنظومة الطبية في مصر سيكون سببا في استقطاب المستثمرين لجنسيات يتقاضى أصحابها رواتب هزيلة.

  

نقابة الأطباء

 

وناقش مجلس نقابة الأطباء في اجتماع، الجمعة الماضي، تفاصيل مشروع القانون، مع إثارة مخاوف عدة حول العمالة الأجنبية، ومخالفة المشروع المقترح للقانون الذي ينظم عمل الأطباء الأجانب في مصر، ويشترط أن يكون ذا خبرة نادرة ولمدة 3 أشهر فقط سنويا بحد أقصى، بجانب عدم تحديد اللائحة التي سيجري تطبيقها على الأسعار في المستشفيات الحكومية حال دخول القطاع الخاص لإدارتها.

 

ضعف منظومة التأمين الصحي

 

ويشير نقيب الأطباء إلى أن رؤية الحكومة على انخراط المنظومة الصحية الحكومية والخاصة، هي ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل، لكن هذه المنظومة لم تطبق حتى اليوم إلا في 6 محافظات فقط بكثافة سكانية لا تزيد على 5 ملايين شخص، بما يعني أن هناك 100 مليون مواطن لا يزالون خارجها، لافتا إلى أن المستثمرين ستكون أعينهم حال السماح بإدارة المستشفيات الحكومية بالحصول على المستشفيات الناجحة دون غيرها.

 

أساس الأزمة

 

ويرة مراقبون، أن سبب لجوء الحكومة لمثل تلك القوانين، التي تستهدف تقليص الإنفاق الحكومي على الصحة، كما فعلت مع التعليم، هو العجز المالي الكبير في الموازنة، ومن ثم تقليص الحكومة للإنفاق على مخصصات الصحة والتعليم، وتوجيه الكم الأكبر من الموازنة لسداد الديون وخدمات الدين التي تبتلع نحو 96,4 % من إجمالي التناتج القومي، وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على مستويات خدمة المواطن، وهو ما سبق أن حذر منه الخبراء والسياسيين، مطالبين السيسي ونظامه بوقف إقامة المشاريع الضخمة التي تبتلع الموازنات العامة وإيرادات الدولة، بلا جدوى اقتصادية وبلا مراعاة لحاجيات المواطنين الأساسية.

إلا أن جنون العظمة يدفع السيسي نحو إقامة المشاريع التي تبتلع مليارات الجنيهات والدولارات، كالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة والقطار الكهربائي السريع والطرق والمحاور المرورية بالصحراء والبرج الأيقوني وأبراج العلمين وأكبر ساري علم وأكبر مسجد وأكبر كنيسة وأكبر نهر أخضر وأكبر عجلة دوارة وأكبر نجفة وغيرها من جملة “أفعل” التفضيل، دون إقامة مستشفيات جديدة أو مصانع أو مدارس أو جامعات حكومية، إنما جامعات أهلية بمصاريف باهظة، وخصخصة الصحة والخدمات الأساسية للمواطنين، الذين عليهم أن ينتظروا الموت جوعا ومرضا أو حتى جهلا وبطالة، ولينعم العسكر بالإنجازات.