مع مرور نحو شهرين على تحرير سعر الصرف، خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي، تأكد المصريون أن الأسعار لن تعرف طريقها إلى الانخفاض وأن تعهدات حكومة الانقلاب بتخفيض الأسعار هي مجرد فنكوش لخداع المواطنين .
الخبراء حملوا حكومة الانقلاب مسئولية هذا الفشل، وأرجعوا ذلك إلى عدم وضوح الرؤية بشأن حركة الاستيراد والإفراج عن السلع الموجودة في الموانئ، ما تسبب في مخاوف لدى التجار بأنهم قد لا يستطيعون تعويض ما يعرضونه من مخازنهم، إذا أقدمت دولة العسكر على تقييد حركة التجارة والاستيراد أو كان هناك شح جديد في الدولار.
مخاوف التجار
وقال الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، وكيل وزارة التجارة للبحوث الاقتصادية سابقا: إن “مشكلة عدم تراجع الأسعار تعود إلى استمرار ما يطلق عليه حالة عدم اليقين خاصة عند التجار، موضحا أنه بعدما أعلن رئيس وزراء الانقلاب في نهاية فبراير ومطلع مارس أن هناك تدفقات مالية من صفقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار و9 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي والشركاء الدوليين ومثلهم من الاتحاد الأوروبي، ظهرت حالة من الارتياح في الأسواق وحدثت انخفاضات في أسعار بعض السلع، وكان أهمها البقوليات مثل العدس والفول وغيرها، لكن عندما جاء شهر رمضان ولم تتمكن دولة العسكر من الوفاء بوعودها والإفراج عن السلع المكدسة في الموانئ، ومع بطء حجم الإفراج عاد التوتر والمخاوف إلى الأسواق فبدأت أسعار السلع في الثبات أو الارتفاع من جديد.
وأضاف عبدالمطلب في تصريحات صحفية، على سبيل المثال كان من المتوقع انخفاض أسعار الدواجن بنسبة تصل إلى 30% لكن ما حدث أن أسعارها ارتفعت، وكذلك اللحوم ارتفعت أسعارها بدلا من انخفاضها، وكانت هناك آمال لتوافر السكر بسعر 27 جنيها الذى حددته حكومة الانقلاب، لكن ما حدث أن دولة العسكر وفرته إلى حد ما، لكن بسعر يتجاوز الـ 35 جنيها.
وأشار إلى أن أسباب ذلك تتمثل في عدم وضوح الرؤية بشأن حركة الاستيراد والإفراج عن السلع الموجودة في الموانئ، ما يؤدي إلى مخاوف لدى التجار بأنهم قد لا يستطيعون تعويض ما يعرضونه من مخازنهم، إذا أقدمت دولة العسكر على تقييد حركة التجارة والاستيراد أو كان هناك شح جديد في الدولار كما حدث فيما سبق.
أسعار مرتفعة
واستبعد عبدالمطلب، أن يشعر المواطن بانخفاض الأسعار، لأنه حتى لو تراجعت حاليا بنسبة 30% فإنها ستظل مرتفعة، لأن ما حدث في يناير وفبراير هو ارتفاع للأسعار بنسبة تراوحت بين 200 و300% مقارنة بما كانت عليه في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2023، وبالتالي حتى لو حدث انخفاض بنسبة 50% فإنها ستظل مرتفعة بالنسبة لدخل المواطن، موضحا أن الحد الأدنى حاليا يصل إلى 150 دولارا تقريبا، وقبل الزيادة كان في حدود 200 دولار، وبالتالي دخل المواطن ينخفض مع انخفاض سعر الجنيه، وهذا ما يجعل المواطن غير قادر على الشعور بأي نوع من التحسن في الأسعار والأسواق، لأنه في النهاية لن يتمكن من الحصول على احتياجاته من السلع والخدمات، لأن أسعارها مرتفعة مقارنة بدخله، حتى لو حدث بها انخفاض مقارنة بما كانت عليه من قبل .
وقال: “اللحوم التي وصلت أسعارها إلى 450 جنيها للكيلو لو تراجعت إلى 400 أو 350 جنيها ستظل أسعارها غالية على المواطن”.
وحول إمكانية انخفاض الأسعار بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، أضاف «عبدالمطلب»، أن الأمر يتوقف على وجود خطة حكومية حقيقية لإلغاء الحواجز التي تعترض حركة الاستيراد والتصدير، بحيث يكون هناك إمكانيات لمد السوق بالخامات ومستلزمات الإنتاج، ما يؤدي إلى تشغيل المصانع المصرية، وبالتالي زيادة عرض السلع من الإنتاج المحلي وتكون أسعارها منافسة للسلع المستوردة، لكن إذا استمر الحال بالتضييق على حركة التجارة والاستيراد والتصدير فإن الإنتاج المحلي لن يكفي وستختفي المنافسة، ما يؤدي إلى نوع من أنواع الاحتكار لدى التجار وقلة الإنتاج، وبالتالي سترتفع الأسعار.
تضحم مزدوج
وقال الدكتور أيمن المحجوب أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة بجامعة القاهرة: إن “التعويم رفع قيمة الفاتورة الاستيرادية، والتي تمثل أكثر من ٦٠% من السلع والاحتياجات الأساسية للمواطنين من ٣١ جنيها إلى ما فوق ٤٥ جنيها لكل دولار، موضحا أنه مع ارتفاع سعر الدولار على المستوردين، يرتفع بالتبعية سعر الدولار الجمركي، وتلك الزيادة تعرف في علم الاقتصاد باسم زيادة في سعر التكلفة من اتجاهين الأول سعر الاستيراد المباشر، والثاني سعر الدولار الجمركي غير المباشر أي تضحم مزدوج.
وتوقع «المحجوب» في تصريحات صحفية ، ألا تنخفض الأسعار في الفترة القصيرة أو حتى المتوسطة، بل نأمل فقط أن تستقر، مشددا على أن الاستقرار لن يحدث إلا بعد إحلال محلي للسلع والخدمات، محل الواردات الأجنبية، وهذا يتوقف على قدرة دولة العسكر على التصنيع المحلي وزيادة الحاصلات الزراعية.
وأضاف، ما زال سوق العملات الأجنبية، في اضطراب رغم ثبوت متوسط الأسعار، وهذا الثبوت نسبي وصوري، لأن البنوك تعلن سعر تداول بيع وشراء يومي، والحقيقة هو سعر شراء فقط وليس سعر بيع إلا في حدود ضيقة وفي اتجاهات محددة، وهذا يعني فقر المعروض لدى الجهاز المصرفي ، بالإضافة إلى ذلك هناك تحجيم لاستخدامات بطاقات الائتمان التي يضاف إليها نسبة تدبير عملة ١٠% للحد من الاستخدام.
السيولة النقدية
وأكد «المحجوب» أنه لا يمكن حسب النظريات الاقتصادية وقوانين العرض والطلب والتكلفة العادلة والثمن العادل في حالات أرض وسقف الأسعار أن يكون سعر البيع والشراء في البنوك أرخص من السوق الموازية، متسائلا، لو هذا صواب، لماذا يبيع الناس في السوق الموازية بسعر أقل مما قد يحصلون عليه من البنك، هذا يكون نوع من الغباء، لكن حقيقة الأمر أن ثبات السعر لا يعني الحقيقة على أرض الواقع، فالسوق الموازية قد تشتري فعلا بسعر البنك أو أعلى قليلا، ولكن في المقابل لا تبيع على الإطلاق، وإن باعت، يكون السعر مبالغا فيه، وعلى صعيد البنوك، البنوك أيضا تتنافس فيما بينها في حدود ضيقة لكي تجذب من معه دولار للبيع طرفها، وأيضا تغري الناس بشهادات وودائع ذات عائد عال جدا، لكي تحارب الدولرة وهذا يرفع تكلفة الإقراض.
وأشار إلى أنه لا يصح أن يتوقع أي اقتصادي أن سحب السيولة النقدية من الأسواق بسبب العائد الكبير على الشهادات أو الودائع سوف يخفض معدلات التضخم، بل العكس صحيح لأن هذا الارتفاع في الأسعار سببه ارتفاع تكلفة الإنتاج، وليس ارتفاعا بسبب الطلب، وبناء عليه سوف ترفع الأسعار من جديد، ثم ننتهي إلى ركود تضخمي مزمن.
وتوقع «المحجوب» استمرار التضخم وأن يتعدى الـ٣٥%، رغم الأوعية الإدخارية المغرية التي تحاول سحب السيولة النقدية من التداول، كما أن السوق الموازية مستمرة رغم الثبات النسبي وشلل حركة السوق مؤقتا، طالما لا يوجد بيع مباشر، مؤكدا أن هذه النتائج سوف تصب في ارتفاع التضخم والتأثير على حياة المواطن العادي بالسالب وقد تستمر طويلا، ما لم يتدخل صانع القرار الاقتصادي بإدخال تعديلات تعويضية للحفاظ على مستوى حياة كريمة للمواطن، حتى لا يظل يدفع الشعب فاتورة الإصلاح الاقتصادي إلى ما لا نهاية.