في ظل نظام رأسمالي متوحش، يُحمّل الشعب المصري فوق طاقته، فارضا رسوما وضرائب وأتاوات غير مسبوقة، من جيوب المصريين عنوة، وبلا أي عائد يعود عليهم، إذ لا خدمة صحية متوفرة ولا تعليم مناسب ولا حتى مساكن ملائمة، ودعم تمويني متناقص يجري إذلال الشعب عليه يوميا، ورغم كل ذلك، باتت الضرائب المتصاعدة على المصريين والتي تبلغ 88% من قيمة الإيرادات الحكومية بالمواونة العامة للدولة، إلا أنها باتت بلا فائدة على الاقتصاد المصري، بفضل نحس السيسي وفشله الاقتصادي وفساد نظامه المالي.
فوفق تقديرات اقتصادية، تسببت معدلات التضخم المرتفعة في مصر في تراجع القيمة الحقيقية للضرائب العامة خلال الفترة من 2017، حتى نهاية العام المالي الجاري 2023-2024، والذي ينتهي في 30 يونيو المقبل.
وأكد خبراء مركز حلول للسياسات البديلة، بالجامعة الأميركية في دراسة حديثة، حول انخفاض الإيرادات الضريبية في مصر، أن معدلات التضخم التي بلغت 39.5٪ خلال العام المالي الجاري، قابلها نمو بالإيرادات بنسبة 38٪، منذ بداية العام المالي، بما يطيح بهدف الحكومة من رفع الضرائب التي تنخفض قيمتها في ظل التضخم المرتفع.
وأوضحت الدراسة أن نسبة الضرائب للإنتاج المحلي بلغت 13٪ قبل عام 2017، في حين أصبحت 12.6٪ عام 2021-2022.
وأشارت الدراسة إلى تلاعب الحكومة بوضع الأرباح التي تتحصل عليها عبر إتاوات سيادية من قطاع البترول وقناة السويس، بدمج قيمتها ضمن الإيرادات الضريبية في مصر للتغطية على عدم قدرة الحكومة على تحقيق زيادة حقيقة بالحصيلة.
وأشار الخبراء إلى أنه في حين زادت القيمة الاسمية للإنتاج المحلي منذ عام 2015- 2016 بنسبة 289٪، فإن القيمة الاسمية للإيرادات الضريبية في مصر زادت بنسبة 281٪ فقط، ويُرجع خبراء الاقتصاد الانخفاض في الضرائب إلى حصول الحكومة على جزء كبير من الضرائب المستحقة حاليا بناء على أرباح ما قبل 2017، عن أنشطة لم تكن قد تأثرت بموجات التضخم المتتالية، والمستمرة منذ تلك الفترة، مؤكدين أن الانخفاض الحقيقي جاء نتيجة ما تبع التضخم من رفع لأسعار الفائدة الذي يدفع الأفراد على الادخار بدلا من الاستهلاك، والاستثمار الذي تخضع أرباحه للضرائب قبل 2017.
مشكلات هيكلية
وكشف خبراء المركز عن وجود مشكلات هيكلية تواجه الحكومة تحد من قدرتها على تحصيل الضرائب، خاصة من الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة وعدم وجود البيانات اللازمة لجمع الضرائب، مشددين على ضرورة التزام الحكومة بتنفيذ سياسات فعالة لمحاربة التضخم، والتعامل مع البيانات المالية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، أو بالقيمة الحقيقية، بعد خصم معدلات التضخم، ووضع إجراءات حقيقية تسد فجوات التحصيل الضريبي.
الشعب يدفع الثمن
ويحمّل الخبراء الحكومة مسؤولية اعتماد الحكومة على تحصيل 70٪ من الضرائب العامة، من ضريبة القيمة المضافة والدخل، التي يشارك في تمويل إيراداتها عامة الشعب وصغار الموظفين والعمال، بينما تتراجع معدلات التمويل من الشركات الكبرى، جراء انخفاض معدلات التشغيل وبقاء الشركات في منطقة الركود للشهر 39 على التوالي، ووضع سقف ضريبي لأصحاب الدخل المرتفع، مؤكدين أن الظاهرة تكرس اعتماد الحكومة على الاقتصاد الريعي، من عوائد قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج والضرائب.
في المقابل خططت وزارة المالية زيادة الإيرادات الضريبية بنحو 30.5٪ بموازنة 2024-2025، لتصل إلى أكثر من 2 تريليون جنيه (نحو 41 مليار دولار)، مستهدفة توسيع القاعدة الضريبية ورفع كفاءة الإدارة الضريبية عبر تعميم نظام الفواتير الإلكترونية، بالإضافة إلى تحصيل إيرادات غير ضريبية من مصادر مختلفة تبلغ نحو 599.6 مليار جنيه، لتبلغ الإيرادات العامة بالموازنة 2.6 مليار جنيه بزيادة 8.5٪ عن عام 2023-2024. وفقا لبيان مجلس الوزراء المقدم للبرلمان، حول الموازنة العامة.
عجز بالموازنة
ووفق الدراسة، يبلع العجز الكلي بالموازنة العامة 1.2 تريليون جنيه، بنسبة 7.3٪ من الناتج المحلي مقابل تقديرات متوقعة للعجز الكلي بنهاية الميزانية الحالية عند 555 مليار جنيه، بنسبة 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وتسير مخططات الحكومة على نهجها التقليدي في مواجهة تراجع قيمة الإيرادات العامة، حيث حدد مجلس الوزراء سقف دين أجهزة الموازنة العامة للدولة، بمبلغ 15.1 تريليون جنيه وبنسبة 88.2 % من الناتج المحلي مقارنة بنسبة 96٪، مقارنة بـ 90٪ المتوقعة في يونيو المقبل، بنهاية العام المالي الجاري.
وتستهدف الحكومة تحقيق إيرادات عامة بقيمة 5.3 تريليونات دولار، بينما تصل المصروفات إلى 6.6 تريليونات جنيه، على أن تشكل الإيرادات الضريبية 38.2٪ من إجمالي إيرادات الحكومة العامة و11.8% من الناتج المحلي الإجمالي، والإيرادات غير الضريبية 61.8٪ من إجمالي إيرادات الحكومة العامة و19.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وبذلك تتفاقم أزمات المواطن المصري، بلا أفق للازدهار أو الاستقرار، رغم تحمله الضرائب والرسوم المضنية التي تتسبب في إفقار أكثر من 60 مليون مصري.