في مشهد ينم عن حجم كبير من العناد، وفي عنجهية مقدسة لدى العساكر بأنهم لا يخطئون ولا يعترفون بأخطائهم، وأنهم بعيدون من الفشل، جاءت ترتيبات الحكومة الجديدة التي كانت أن تعلن منذ مطلع أبريل الماضي، كإجراء دستوري، مع ولاية السيسي الجديدة، إلا أن استقالة حكومة مدبولي وإعادة تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، كان مثار استياء وسخط من قبل المصريين، الذين عانوا لست سنوات من الفشل والقرارات الفاسدة التي تحابي النظام على حساب الشعب.
إلا أن العالم ببطون سياسة العسكر وطرق إدارتهم للدولة يتأكد أن اختيار السيسي لمدبولي ، أمر مفروغ منه، كونه الوصفة السحرية لأي نظام فاشل ولأي عسكري، يريد مجرد سكرتير له، لا يفكر ولا يتخذ قرارا ولا يرى إلاما يراه الزعيم الملهم، بل لا يجلس في مجلس به السيسي إلا أن يأذن له، الجنرال.
وباختيار السيسي لمدبولي لتشكيل حكومة جديدة، نسف بعض الآمال بإحداث تغيير.
وكلف السيسي، رئيس وزرائه مصطفى مدبولي، بتشكيل حكومة كفاءات وخبرات وقدرات جديدة تقوم ببناء الإنسان المصري، وتستكمل سياسة الإصلاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات، وهي كلها آمال ولافتات عريضة بعيدة كل البعد عن واقع وخيال النظام العسكري القائم ، الذي يدمر الإنسان المصري ومصر وكيانها وحاضرها ومستقبلها.
وقد أُصيب المصريون باليأس والصدمة لانعدام أي فرصة بتغيير سياسات بيع الأصول العامة والتفريط في ممتلكات المصريين وإفقارهم.
ومن المقرر وفقا لتوقعات الصحفي والبرلماني مصطفى بكري، أن يقدم مدبولي تشكيلة حكومته خلال أيام، ويعرضها بجلسة طارئة أمام مجلس النواب يتخللها تقديم برنامج الحكومة، وذلك وفقا للمادة (146) من الدستور، فيما توقع بكري، المقرب من النظام، أن تشمل الحكومة الجديدة مفاجآت، وتضم خبرات وكفاءات.
متناسيا أن المسئولين محدودي الإمكانات والأفكار لن يأتوا بكفاءات تفوقهم أو تقدم نفسها كبديل أو تثبت نفسها على حساب المسئول العاجز والفاشل.
ويؤكد اختيار مدبولي أنه باق على جميع سياساته وأدواته ووسائله ووجوهه طوال السنوات السابقة، رغم ما أحدثوه من فقر وغلاء وديون، وخسارة بملفات المياه، والغاز، والأصول العامة، وعجزهم إزاء أزمات إقليمية في غزة والسودان.
ووفق تقديرات سياسية، فإن المشكلة أصلا في مصطفى مدبولي، وليس فقط في الوزراء الذين سيغادرون الوزارة.
ويؤكد استمرار مدبولي استمرار لنفس السياسات ونفس الخطوط ونفس الكوارث.
ولعل القادم أسوأ، خاصة وأن الحكومة الخخالية قدمت للسيسي كل ما أراده، وليس ما أراده الشعب، فلم يتركها تغادر إلا بعد أن ألغت دعم الخبز والتموين وتقليص حجم الخدمات الصحية والسماح بتأجير المستشفيات الحكومية وتدمير التعليم وتسليعه على حساب الفقراء، وقد اتخذت كل القرارات الصعبة التي حملها إياها السيسي، بالرغم من أنها سياساته وقراراته.
يشار إلى أنه بعد مسرحية الانتخابات الرئاسية في ديسمبر الماضي، وعقب أداء السيسي اليمين الدستورية الجديدة في إبريل الماضي، كان يفترض أن يجري التغيير الوزاري، إلا أن تأخر لحاجة في نفس السيسي، قضاها، وذلك على عكس ما حدث مع حكومة شريف إسماعيل التي سبقت مدبولي واستقالت عقب انتخابات 2018.
ويبقى المؤسف أن حكومة مدبولي الجديدة، ستحمل نفس السياسات الموجودة ونفس الإصلاح الاقتصادي، الذي يعني تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، خاصة وأننا على مشارف وجود شح جديد في العملة، وتقوم الدولة بالإسراع في عملية رفع الدعم عن السلع أو تحويله إلى دعم نقدي ورفع شرائح الدعم عن الطاقة، وهي سياسات كارثية.
كما أن تلك الأدوات متسارعة جدا حتى تصل الحكومة لاتفاق سريع مع صندوق النقد في الأسابيع القادمة حول المراجعة الثالثة لبرنامج قرض المليارات دولار الثمانية، ثم يتبع ذلك اتفاق مع الاتحاد الأوروبي وفقا لآخر اجتماع مع الرئاسة والحكومة.
وبالتالي فإن حكومة مدبولي الجديدة هي استمرار لنفس السياسات، وإن كانت ستتعمق أكثر وتتوغل أكثر على المزايا الاجتماعية لعموم الشعب، وسط تناقص بقيمة دخول الطبقة الوسطى والفقيرة، ولذا لن يحدث تغيير بل إن الأسوأ هو المتوقع.
ولعل الأغرب، هو خطاب التكليف لمدبولي، الذي شدد على مراعاة الأمن القومي المصري، وقد توسع مدبولي ووحكومته والسيسي ونظامه في التفريط بالأمن القومي المصري، خاصة بعدما فرطت الحكومة الحالية برئاسة مدبولي بأهم مقومات الأمن القومي، سواء بإضاعة حق مصر التاريخي بمياه النيل، والغاز، وبيع أراضي مصر وأصولها الاقتصادية بالجملة، ومن قبل التنازل عن تيران وصنافير، وأخيرا السماح لإسرائيل باحتلال الشريط الحدودي مع غزة والسيطرة على معبر رفح.
وولعل من المضحك حديث النظام عن تكليف الحكومة الجديدة ببناء الإنسان، في ظل انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان المصري، وقتله خارج إطار القانون، بل إن النكتة الأكبر هو الحديث عن توسيع المشاركة السياسية، في وقت يعتقل فيه كل صاحب رأي وآخرهم المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي.
وجاء طبيعيا تكليف الحكومة بتشديد القبضة الأمنية بزعم مكافحة الإرهاب وتحقيق ما يسمى بالاستقرار التكليف الأهم، لأنه ببساطة تكليف يضمن قمع الأصوات المعارضة الغاضبة من تدهور أحوال الشعب بكافة المجالات.
كما جاء التكليف بالاهتمام بملفات الثقافة والوعي الوطني، في حين انتهجت حكومة مدبولي السابقة سياسة تضليل الوعي الوطني العام وتغييبه عبر منابر إعلامية، تفتقد الأمانة الصحفية أو الوطنية بالأساس.
وعبر صفحته بـ”فيسبوك” تندر البرلماني فريد البياضي، حول وصية السيسي، لمدبولي، باختيار وزراء ذوي كفاءة، متسائلا: وهل اختار مدبولي وزراء حكومته السابقة حتى يختار وزراء حكومته الجديدة؟، متوقعا عدم حدوث أي تغيير.
وأكد البعض أن إبقاء السيسي على مدبولي نابع من أنه لا يخالفه الرأي وينفذ تعليماته بكل دقة.