إملاءت صندوق النقد..تحويل الدعم العيني إلى نقدي تجويع للغلابة وتكافل وكرامة إذلال للمصريين

- ‎فيتقارير

 

 

حذر خبراء اقتصاد من خطورة إقدام حكومة الانقلاب على تحويل الدعم العيني إلى نقدي، مؤكدين أن القيمة المالية للدعم النقدي ستقل أمام التضخم الذي يلتهم جيوب المصريين بشكل كبير وخطير، ما يهدد بتجويع الغلابة وفق مخطط قائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي. 

وقال الخبراء: إن “هذه الخطوات تأتي جميعها في إطار خضوع الانقلاب لإملاءات صندوق النقد الدولي، والذي يطالب نظام الانقلاب منذ ما يسمى بالبرنامج الأول للإصلاح الاقتصادي في العام 2016، بتحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي”. 

 

كان نظام الانقلاب قد اتفق مع صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، على استئناف ما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022 وتعثر لعدة أشهر، بسبب مماطلة الانقلاب في تحرير سعر الصرف. 

وبموجب هذا البرنامج الذي يستمر حتى خريف 2026، رفع صندوق النقد الدولي تمويلاته لنظام الانقلاب من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات. 

وفي أكثر من مناسبة، أكد صندوق النقد أن نظام الانقلاب مطالب بتحويل الدعم العيني، بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي يقدم مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا. 

وتزعم حكومة الانقلاب أن إجمالي الدعم في موازنة العام المالي 2023 / 2024 يبلغ ، نحو 529.7 مليار جنيه فيما يسجل في موازنة العام المالي الذي يبدأ مع الأول من يوليو الجاري ، نحو 635.9 مليار جنيه . 

 

خلل مجتمعي

 

من جانبه حذر الخبير الاقتصادي، وائل النحاس من أن تحويل الدعم العيني إلى نقدي، بجانب ما قد يتسبب فيه من ضغوط تضخمية على الطبقات الفقيرة والتحديات التي ستواجهها نتيجة الفساد، سيحدث أيضا خللا في المجتمع المصري. 

وقال النحاس في تصريحات صحفية: إن “تطبيق الدعم النقدي قد يُحدث خللا في المجتمع المصري، حيث سيتجه بعض الأشخاص إلى استخدام هذه الأموال في مواضع لا تتعلق بالإعانة على الحياة اليومية من شراء السلع والخدمات”. 

وأضاف: قد يوجه بعض الأشخاص أموال الدعم إلى شراء المخدرات الرائجة ذات الأسعار المنخفضة، بدلا من شراء السلع والخدمات التي تحتاجها الأسرة، وهو الأمر الذي سينعكس على المجتمع وقد يزيد من معدلات الجريمة، في ظل مستوى الفقر المرتفع الذي يعيش فيه المصريون . 

وقلل النحاس من إمكانية أن يكون برنامج تكافل وكرامة مثالا على نجاح منظومة الدعم النقدي في مصر، مؤكدا أن هذا البرنامج يعود إلى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وأُعيد تسميته في عهد المخلوع حسني مبارك، كما هو الحال مع السيسي. 

 

منظومة قديمة

 

وأكد أن حكومة الانقلاب لم تقم بتطوير برنامج دعم نقدي جديد، وما قامت به ما هو إلا تغيير لاسم منظومة قديمة قائمة منذ عدة عقود، مشيرا إلى أن هذا البرنامج متوارث من الحكومات السابقة ولا يقدم أي جديد فيما يتعلق بالدعم النقدي، وعلى العكس من ذلك يقدم مبالغ متدنية تصل إلى 650 جنيها للأسرة شهريا. 

وتساءل النحاس: أين الكرامة في هذا المبلغ الضئيل، مشددا على أن هذا المبلغ في حال كانت حكومة الانقلاب جادة يجب ألا يقل عن 3 آلاف جنيه، وهو الحد الأدنى للمعيشة بالنسبة للطبقة الفقيرة. 

وأشار إلى أنه منذ 4 أعوام، لم تنشر سلطات الانقلاب بيانات الفقر، في الوقت الذي تشير فيه تقارير عدة، إلى أن نحو ثلثي سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل. 

وكشف النحاس، أن الفساد مستشر في كل منظومة الدعم، بما في ذلك الدعم العيني، محذرا من أن الإقدام على خطوة الدعم النقدي دون القضاء على الفساد، سيزيد من انتشاره في ظل عدم وجود معايير محددة في الأساس لاختيار الأسر والمستحقين للدعم سواء النقدي أو العيني. 

وقال: إن “المعايير التي وضعتها حكومة الانقلاب قبل سنوات بالنسبة لإلغاء الدعم للأسر غير المستحقة لم تكن واضحة تماما، حيث ألغت الدعم للكثير من الأسر التي تستحق ذلك، مؤكدا أنه لو كانت هناك معايير واضحة مثل استهلاك الكهرباء والسيارة والأصول العقارية، كان من الممكن أن يتم إلغاء الدعم لأغلب المصريين”. 

وشدد النحاس على ضرورة وضع معايير حقيقية، وذلك بناء على تقييم للظروف والبيئة الاقتصادية المناسبة للمواطن المصري، مطالبا بضرورة أن نحدد اليوم من هو الشخص المقصود بالمحدود الداخل، سواء كان هذا الشخص في القطاع الخاص ولديه دخل أقل من الموظفين الحكوميين، أو كان ضمن القوى العاملة التي تخضع لسلطة دولة العسكر.

وأكد أن وضوح المعايير في هذا الصدد أمر ضروري، حيث يجب ألا يقل دخل هؤلاء الأفراد الذين يستحقون الدعم عن الحد الأدنى المقبول . 

 

رفض شعبي

 

وأكدت الدكتورة عالية المهدي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن الأسر المصرية ترفض تطبيق الدعم النقدي، مشيرة إلى أن هذا ما توصلت إليه دراسة ميدانية واسعة أجريت قبل نحو 18 عاما حول إمكانية التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي.

وقالت عالية المهدي في تصريحات صحفية : “قبل ثورة 25 يناير 2011، كانت الحكومة تريد تطبيق منظومة دعم نقدي في مصر، وطالبت بإجراء دراسة ميدانية شملت نحو 5 آلاف أسرة، شاركت في إعدادها، لكن النتائج كانت غير مرحبة بمثل هذه الخطوة”. 

وأضافت: الدراسة أظهرت أن 85 بالمئة من الأسر رفضت تطبيق الدعم النقدي بدلا من الدعم العيني، نظرا لتخوفات فيما يتعلق بإمكانية استغلال الأموال بشكل غير مقبول من قبل بعض أفراد الأسرة وفي مقدمتهم رب الأسرة، كما أبلغوا بأن الأموال عادة تتراجع قيمتها مع الوقت ومن الأفضل الحصول على السلع والخدمات المدعومة. 

وشددت عالية المهدي على أن هذا الرفض الشعبي لمثل هذه الخطوة سيتكرر إذا قامت حكومة الانقلاب الحالية بذات الدراسة حاليا وستجد نفس النتائج . 

وأكدت إن برنامج تكافل وكرامة لا يتيح للأسر أي دعم اجتماعي لمواجهة متطلبات الحياة على الرغم من الشروط والمعايير التي تضعها حكومة الانقلاب لاختيار المستفيدين.   

وأوضحت عالية المهدي أن تكافل وكرامة يتيح مبلغا صغيرا للأسرة، وهذا المبلغ لا يكفي الأسر بطبيعة الحال أو حتى شخص واحد على مدار الشهر، مشيرة إلى وجود بعض أشكال الفساد والمحسوبية في المحليات، تحول دون وصول الدعم إلى مستحقيه ضمن برنامج الدعم النقدي تكافل وكرامة .