استعرض مركز “حلول للسياسات البديلة” كمشروع بحثي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في ورقة بعنوان (ساوث ميد: شط البحر المتوسط الخاص المتآكل) السرعة التي نتج عنها تآكل شواطئ الساحل الشمالي الغربي، وخصخصتها عبر إقامة مشاريع سياحية فاخرة تضر بالبيئة ولا يدخلها العموم.
وأكدت الورقة أنه منذ أعلن مصطفى مدبولي عن مشروع سياحي فاخر آخر على شاطئ البحر المتوسط “ساوث ميد” عبر شراكة مع مجموعة طلعت مصطفى القابضة وباستثمارات تصل إلى تريليون جنيه، اتضح أن ساوث ميد ضمن سلسلة من المشروعات السياحية الاستثمارية بقيادة القطاع الخاص، التي تحجب الدخول المجاني إلى الشواطئ وتعظِّم من الآثار البيئية والإيكولوجية السلبية في الساحل الشمالي الغربي، وهو المنطقة الساحلية الأكثر تضررا في البلاد من الأنشطة البشرية.
مستدركة أن ذلك يحدث في حين كان الهدف من المشروع، تعظيم قطاع السياحة والوصول إلى ضِعف عدد السائحين الحالي بحلول 2030.
خصخصة الشواطئ وتسليع الطبيعة
وأشارت إلى أن مشروع “ساوث ميد” يندرج تحت سياسة عمرانية عامة تتسم بخصخصة الشواطئ التي تتبعها الحكومة في تطويرها الساحل الشمالي، طامحة إلى تعظيم السيولة الدولارية، عبر جذب استثمارات أجنبية وخاصة.
وأشارت إلى أنه “يستحوذ المستثمرون على الساحل لبناء منتجعات فاخرة تحجب الدخول المجاني فيها، حيث زادت وتيرة خصخصة الشواطئ خلال السنوات العشر الأخيرة بالمخالفة للمادة 45 من الدستور المصري التي تقر حق الوصول المجاني إلى الشواطئ.
ونبهت إلى “تراجع عدد الشواطئ العامة في المدن الساحلية من 67 بالأسكندرية عام 2015 إلى 13 في 2021، وفي مرسى مطروح من 30 إلى 11 خلال نفس الفترة”.
لا منفعة عامة لنزع أرض الساحل
وأكدت الورقة أن حكومة السيسي تشارك في مشروع “ساوث ميد” بحصة في الأرض التي انتزعتها من قاطني الساحل، بموجب قانون نزع الأراضي للمنفعة العامة.
وعن نموذج لنزع الملسكات أشارت إلى قرية جميمة بمنطقة الضبعة التابعة لمحافظة مطروح التي صادرت الحكومة أراضيها لصالح مشروع “ساوث ميد” 5 تجمعات سكنية و3 مدارس ومرافق صحية ومزارع.
وأوضحت أن حكومة السيسي قدمت تعويضات هزيلة إلى الأهالي وصلت إلى 2500 جنيه للمتر، مقارنة بتسعير مجموعة طلعت مصطفى للمتر في المشروع بـنحو 181 ألف جنيه للمتر.
وأوضحت الورقة أن حكومة السيسي تبيع الأراضي في مشاريع الساحل الشمالي الأخرى من خلال مزادات بعد نزع ملكيتها، وتُقبل الصناديق السيادية والشركات الخليجية للاستثمار في المنطقة عليها.
الزحف العمراني وخطر تراجع الخط الساحلي
وعن الآثار البيئية قالت: “يفاقم مشروع ساوث ميد، الذي تصل مساحته إلى 23 مليون متر مربع أزمة الانتشار العمراني الكثيف على خط الساحل، وزيادة معدلات تآكل الشواطئ المصرية”.
وأكدت أن تآكل الشواطئ يجعل الساحل الشمالي أكثر عرضة للأخطار البيئية المصاحبة لارتفاع مستوى البحر، والمسببة للفيضانات والعواصف وتسرب المياه المالحة إلى اليابسة.
وشددت على أن 70% من السواحل المصرية على البحر المتوسط أصبح عرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر منذ 2021.
وحذرت من أن هذا الخطر ينجم عن تغير المناخ ويفاقمه الفقد السريع لمساحات الشواطئ الرملية، بسبب الزحف العمراني.
وعن مثال ذلك أشارت إلى أن انحسار الشواطئ الرملية وصل إلى مستويات عالية في منطقة الساحل الشمالي الغربي، حيث سجلت متوسط تراجع من 0.8 – 3.5 متر في السنة.
وأبانت أن هذا التراجع يعود بشكل رئيسي إلى النشاط البشري في منطقة الساحل وعلى رأسه التوسع في القرى والفنادق السياحية في الفترة من 2005 إلى 2015.
مارينا اليخوت تغرق الساحل
وأشارت إلى أنه يعد تشييد موانئ اليخوت المدرجة في خطط تصميم “ساوث ميد” من أخطر التعديات على طبيعة الشواطئ لأنها تسرِّع من وتيرة تراجع الخط الساحلي.
وقالت: إن “هذا التآكل يتجلى في قضية ميناء مراسي الذي قامت به شركة إعمار عام 2020، أنشأت الشركة الإماراتية رصيفا داخل مياه البحر المتوسط لليخوت بالمخالفة لنص المادة 91 من قانون وزارة الموارد المائية والري رقم 147”.
ونبهت إلى حظر القانون إجراء أي عمل يؤثر في طبيعة الشاطئ أو يعد مساره دخولا في مياه البحر أو انحسارا عنه إلا بموافقة الوزارة.
وأكدت أنه توافدت مع التشغيل الفعلي للميناء شكاوى جماعية من سكان قرى الساحل الشمالي بحدوث تآكل للشواطئ، وظهور طبقة صخرية على الخط الساحلي شرق ميناء مراسي الجديدة.
ونقلت عن وزيرة البيئة تصريح بأن الشركة أجرت دراسة أثر بيئي لمشروع مراسي الساحل الشمالي، ودراسة خاصة بالالتزام بخط الشاطئ.
وشددت على أن وزارة البيئة تغاضت عن الضرر البيئي الذي أحدثه ميناء مراسي الذي اكتمل وتم تشغيله في 2021، ولم تطبق الحكومة قانون الموارد المائية لوقف العمل وإزالة التعديات وإعادة الشاطئ إلى أصله على نفقة المُخالف، وتخلت الوزارة عن إدراج خطر تآكل الساحل الشمالي بسبب المشاريع السياحية في ما ورد في التقرير البيئي الأخير عام 2021.
استرداد الشواطئ وحمايتها من التآكل
المركز دعا حكومة السيسي إلى إعادة النظر في إقامة مشاريع سياحية مهددة للبيئة وتعزيز قدرة السواحل على الصمود في وجه تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر، بداية من إيقاف الزحف العمراني وتسخير استثمارات لإقامة هياكل وقائية لمكافحة تآكل الشواطئ.
وأوضحت أن مجابهة الخطر البيئي على الساحل تتطلب تبني الحكومة سياسات عمرانية وسياحية تحافظ على الموارد الطبيعية وتكفل للمواطنين كافة حق الوصول إليها، والاستمتاع بها والاستفادة منها كونها ضرورة للصحة البدنية والنفسية.
ورأت أنه يتحتم على الدولة إشراك المتخصصين في مجالات التنمية والتخطيط العمراني لضمان وجود مخططات تضمن إشراك سكان الساحل المحليين في مشاريع تنميته بشكل مستدام من دون إضرار بالبيئة.