رغم أن موجات الغلاء لا تتوقف في مصر في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، إلا أن حكومة الانقلاب تستعد للإعلان عن زيادات مرتقبة في أسعار المحروقات والكهرباء والدواء خلال الفترة المقبلة، حتى تتمكن من الحصول على الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد الدولي.
يأتي ذلك بالتزامن مع زيادات كبيرة في أسعار الفواكه والخضروات، بجانب السلع الاستراتيجية التي لا يستغني عنها أي بيت.
الزيادات المرتقبة توازيها مخاوف من غضب شعبي يجعل حكومة الانقلاب، مترددة في الإقدام على تلك الخطوات، خاصة عقب مشكلات انقطاع التيار الكهربائي، وما صاحبها من استنكار وغضب في الشارع المصري.
كان مصطفى مدبولي رئيس حكومة الانقلاب، قد اعترف بأنه لا سبيل أمام دولة العسكر في طريقها إلى ما يسميه إصلاح المنظومة الاقتصادية والمالية، سوى التحريك التدريجي لأسعار بعض الخدمات.
وزعم مدبولي في تصريحات صحفية أن سبب زيادة أسعار الخدمات، يعود إلى سد الفجوة بين تكلفة الإنتاج وسعر الخدمة المقدمة للمواطنين.
كما زعم أن الموازنة العامة تتكبد أعباء عديدة للغاية، بسبب هذه الفجوة وسعر السولار يباع مقابل 10 جنيهات للتر في حين تبلغ تكلفة إنتاجه 20 جنيها.
ارتفاعات كبيرة
حول هذه الزيادات كشف مصدر بحكومة الانقلاب أن الحكومة الجديدة بعد حصولها على ثقة برلمان السيسي تستعد لاتخاذ مجموعة من القرارات المرتبطة بخفض قيمة الدعم الموجه إلى الخدمات العامة.
وقال المصدر: إن “المقدمة ستكون من خلال رفع أسعار المحروقات، بما فيها السولار وأسطوانات الغاز المنزلي، متوقعا أن تنعقد لجنة التسعير خلال الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، لإقرار تلك الزيادات والتي لن تتجاوز معدلات تتراوح من 7% إلى 10%، على أن تلتزم حكومة الانقلاب خلال الأشهر المقبلة بمواعيد انعقاد لجنة التسعير التلقائي لضمان الزيادات التدريجية”
وأشار إلى أن تمرير هذه الزيادات مرتبط بوقف تخفيف أحمال الكهرباء، موضحا أن لجنة التسعير كان مقررا لها أن تنعقد في 22 يونيو 2024، غير أن استقالة حكومة الانقلاب في الثالث من يونيو تسبب في صدور قرار بتأجيل الانعقاد لحين تشكيل حكومة انقلاب جديدة .
وتوقع المصدر انعقاد اللجنة في هذا التوقيت استباقا لزيارة بعثة صندوق النقد الدولي نهاية هذا الشهر، لافتا إلى أن حكومة الانقلاب ستحاول التفاوض بشأن إرجاء مجموعة من الخطوات الأخرى ذات الارتباط بجداول رفع الدعم، بما يُخفف من حدة الانتقادات الموجهة إليها.
وأكد أن زيادة أسعار الكهرباء أضحت أمرا محسوما، وأن النقاش الحالي حول قيمة الزيادة في كل شريحة وإمكانية إعفاء الشرائح الدنيا التي تستخدمها الطبقات الفقيرة على حساب زيادات كبيرة في الشرائح الثالثة والرابعة والخامسة.
وشدد المصدر على أن توقف انقطاع الكهرباء سيكون مقترنا بهذه الزيادة التي من المتوقع إقرارها خلال الشهر المقبل أو في الأول من سبتمبر على أقصى تقدير، مؤكدا أن الأدوية ستشهد زيادات هي الأكبر منذ فترة طويلة مع تفاقم مشكلات شح الحصول عليها، لأن الخسائر التي تتعرض لها شركات الأدوية المحلية تدفع نحو هذا الإجراء.
أسعار المحروقات
وكشف مصدر مطلع بوزارة بترول الانقلاب، أن المحروقات من المتوقع أن تشهد زيادات متتالية خلال العام ونصف المقبلين، والمستهدف أن تكون الزيادات تدريجية وعلى فترات متباعدة، وقد تشهد لجنة تسعير المنتجات البترولية زيادة في أسعار المحروقات، مشيرا إلى أن هناك مقترحا يتم دراسته بالاكتفاء بالبترول فقط.
وأكد المصدر أن زيادة أسعار السولار لن تتم بصورة كبيرة خشية زيادة معدلات التضخم، وسيكون للجنة الوزارية الاقتصادية رأي في قيمة الزيادات، بما لا يترك تأثيرات بشكل كبير على مجمل الأداء الاقتصادي وفق تعبيره .
وأشار إلى أن الزيادات مقررة من السابق، وهناك متغيرات تُرغم حكومة الانقلاب عليها، من بينها تراجع قيمة الجنيه وزيادة تكاليف إنتاج المواد البترولية، إلى جانب ارتفاع أسعار خام برميل البترول عالميا، بحسب تصريحات المصدر .
وقال: إن “حكومة الانقلاب لديها توقعات بزيادة أسعار الوقود عالميا وتخشى زيادة الفجوة بين أسعار المحروقات عالميا وبين قيمتها في الداخل، بما لا يضغط على الموازنة العامة، متوقعا احتمالية إرجاء زيادة السولار قبل انعقاد لجنة التسعير، والتي من المتوقع انعقادها خلال هذا الشهر”.
صندوق النقد
وكشف خبير اقتصادي يعمل مستشارا بحكومة الانقلاب، أن الحكومة أصبحت مضطرة للاستجابة إلى شروط صندوق النقد الدولي، وتحاول إحداث حالة من التوازن بين الغضب الشعبي ضد قراراتها، وبين ضمان السير على الشروط المتفق عليها من قبل.
وقال المصدر الذي رفض الإفصاح عن اسمه: إن “حكومة الانقلاب تزعم أن عدم خضوعها لإملاءات صندوق النقد سيؤثر على علاقاتها بباقي المانحين الأجانب وفي مقدمتهم دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعلها تحاول التمهيد لقراراتها بشكل مسبق وتوصيل رسائل للمواطنين، مفادها أنها ستتجه إلى رفع أسعار الخدمات في كلا الحالتين.
وأضاف أن خفض قيمة الجنيه بنسبة وصلت إلى 60% في شهر مارس الماضي تدفع لزيادة أسعار المحروقات بشكل تلقائي، لأن موازنة دولة العسكر التي تذهب أغلبها لسداد الديون لن تتحمل تكاليف هذه الزيادة، وتسعى لتحميلها تدريجيا على المواطنين.
وأشار المصدر إلى أنه يتم الآن دراسة إمكانية زيادة رواتب الموظفين، لإدراك حكومة الانقلاب أن هؤلاء يشكلون صوتا مرتفعا، ودائمًا ما يكون لديهم اعتراضات كبيرة على قراراتها.
وأوضح أن التحدي الأكبر أمام حكومة الانقلاب يتمثل في عامل زيادة أسعار السولار الذي تكون له انعكاسات مباشرة على أسعار غالبية السلع، وارتفاع تكاليف النقل وتأثر الزراعة التي تعمل بالغاز الطبيعي سلبًا، إلى جانب زيادة أسعار الكهرباء.
وأكد المصدر إدراك حكومة الانقلاب أن المواطنين يرفضون تقبل هذه الزيادات ويستعيدون تصريحات ووعود سابقة دائمًا ما كانت حكومة الانقلاب تؤكد فيها أنها قضت على هذه المشكلة بشكل نهائي، ويتم التعامل مع هذه الوعود كأحد أسباب فقدان الثقة مع الحكومات المتعاقبة.