لا يخفى على الداني والقاصي حجم تكدس التلاميذ في الفصول المدرسية حيث أن أقل فصل يستعوب أكثر من 75 تلميذا، فضلا عن المستوى المتدني للمعلمين، وأيضا بعض الأطفال لا يجدون مقاعد يجلسون عليها، ليفاجئنا وزير التعليم الجديد، محمد عبد اللطيف، بتقديم ما سماها “رؤيته” لحلّ مشكلة الكثافة الطلابية في المدارس عبر توظيف قاعات المعاهد الأزهرية ومراكز الشباب في العملية التعليمية.
وارتفاع كثافة الفصول بالمدارس الحكومية، أزمة طويلة الأمد، يعاني منها الطلاب وأولياء الأمور منذ سنوات طويلة، وزادات مع إهمال الانقلاب لملف التعليم في مصر، الذي يرفض الاستماع للخبراء الذين قدموا أكثر من روشتة حقيقية لإنهاء الأمر، ما أثّر بشكل مباشر على القيمة التعليمية التي يتلقّاها الطالب طوال الوقت، وخفض القُدرة الاستيعابية لديه.
ومن خلال رؤية الوزير والتي قتلت بحث وثبت فشلها بالإضافة لعدم القدرة على تنفيذها فالوزير تناسى بحسب رؤيته أهم مشكلتين الأولى المقاعد والثانية من أين سيأتي بمعلمين في حين أن معظم المدارس يقام بها نظام الفصلين ويتم إجهاد المدرسين وإقحامهم في الفترتين توفيرا للنفقات وعدم قدرة الوزارة على دفع رواتب لمعلمين جدد.
وربما يكون الهدف الأساسي من إثارة هذه البلبلة والتي يؤكد الخبراء أنها لن تنفذ، هي الذج بها استنادا على نصائح قدمها مقربون منه شددوا على ضرورة محاولته تجاوز الجدال الدائر في شأن شخصه إلى جدال حول رؤيته بعد استمرار توليه المنصب رغم الطعون في شهادات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس التي يحملها.
هل قاعات مراكز الشباب والأزهر جاهزة لاستقبال التلاميذ؟
الإجابة عن هذا السؤال هو بالطبع لا فغالبية المعاهد الأزهرية تعاني من ارتفاع الكثافة الطلابية، وتضم أكثر من 55 طالباً في الصف الواحد، ما يعني أنها تحتاج بدورها إلى تقليل الكثافة، وليس لاستقبال طلاب مدارس التعليم العام وذلك بحسب ما ينشر من استغاثات متعددة من أولياء الأمور في الصحف المحلية.
كما أن مراكز الشباب في مصر جميعها تعاني الإهمال وأغلبها لايوجد بها قاعات محاضرات وإن وجد فهي مجهّزة لممارسة الأنشطة الرياضية، وتحويلها إلى فصول تعليمية يمنعها من ممارسة مهمتها الأصلية، بحسب ما يرى المراقبون.
تجربة فاشلة قتلت بحثا غير قابلة للتنفيذ
ويصف تربويون مقترحات عبد اللطيف بأنها محاولات جرى تجربتها في السابق، وثبت فشلها بسبب تجاهلها جوهر أزمة التعليم المتمثلة في تراجع مستوى المعلمين وافتقادهم معايير التدريب والتأهيل، وتفشي الدروس الخصوصية والكتب الخارجية، ويرى بعضهم أنها نابعة من تأثر الوزير بفكر مراكز الدروس الخصوصية التي عمل سنوات فيها قبل أن يتولى منصبه.
من جهته، يعتبر رئيس قسم أصول التربية في جامعة عين شمس، تامر شوقي، أن ما طرحه عبد اللطيف حلول جرت تجربتها في السابق، وهي غير قابلة للتنفيذ، ما يعكس عدم وجود رؤية لدى الوزير لمواجهة أزمات العملية التعليمية، والتي تتجاوز الكثافة إلى حالة المدارس والمعلمين ووسائل التدريس والمناهج ومستوى الكتاب التعليمي والوسائط التكنولوجية.
وينتقد أستاذ علم النفس والتقويم التربوي بكلية الدراسات التربوية العليا في جامعة القاهرة، عاصم حجازي، حديث عبد اللطيف عن إيداع الطلاب في قاعات مراكز الشباب والمعاهد الأزهرية لمعالجة قضية الكثافة العالية في المدارس، ويصف المقترحات بأنها “تهدف إلى لفت الأنظار عن مشكلات أخرى، وعن أزمات التعليم الجوهرية والمزمنة في مصر”.
ويقول في حديثه لصحيفة العربي الجديد، إن “توظيف قاعات مراكز الشباب غير المؤهلة أصلاً يقضي على دور هذه المراكز وأنشطتها المخصصة لفئات أخرى تتجاوز الطلاب، علماً أن آلاف القرى تفتقر إلى وجود مراكز الشباب، وأوضاع تلك الموجودة متردية وتفتقر إلى البنية الأساسية المناسبة”.
وأكد حجازي على أن “طبيعة المعاهد الأزهرية تختلف عن معاهد التعليم العام، فهي تركز على العلوم الشرعية، وتعاني من ارتفاع في الكثافة التعليمية بسبب الإقبال على الالتحاق بها في السنوات الأخيرة. من المشكلات الأخرى التي تعترض تطبيق المقترح الحاجة إلى وقت طويل لإجراء التنسيق المطلوب بين وزارة التعليم والأزهر الشريف ووزارة الشباب للتنفيذ، ما يعني أن قضية الكثافة ستظل من دون حل خلال العام الدراسي المقبل على الأقل”.
لا بد من حلول بديلة وغير تقليدية
وأوضح حجازي أن “أزمة التعليم في مصر تحتاج إلى حلول غير تقليدية، بعضها عاجلة وأخرى طويلة الأمد، منها مثلاً نظام التعليم المدمج الذي جرى تطبيقه أثناء أزمة كورونا، والمتمثل في تخصيص ثلاثة أيام في الأسبوع للتعليم الإلكتروني بالمنزل، وذهاب طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية إلى المدارس ثلاثة أيام فقط لمناقشة ما جرى تدريسه خلال الأيام الثلاثة مع المعلمين، ويأتي في مقدمة الحلول طويلة الأجل توسيع مشاريع بناء المدارس، وتشجيع الأوقاف على الاستثمار في التعليم عن طريق صندوق الوقف، وفتح حسابات في البنوك لدعم التعليم، وتدشين
شراكة مع رجال الأعمال لبناء أكبر عدد من المدارس”.
ويتحدث رئيس قسم أصول التربية في جامعة عين شمس، تامر شوقي عن “حلول بديلة عدة تشترط وجود نوع من التوازن، في مقدمها التوسع في بناء المدارس، ووضع مخطط لجعل الكثافة أزمة من الماضي، والإفادة من التكنولوجيا وبرامج التعليم عن بعد”. ويبدي دهشته من الحديث عن تطوير المناهج من دون التركيز على تأهيل المعلم وتدريبه بحيث يملك إمكانيات التعامل مع المناهج الجديدة، والتوسّع في تجربة فصول المشاهدة والقنوات التعليمية، إضافة إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة الدروس الخصوصية.
وكانت الأوساط السياسية في مصر قد شهدت فضيحة كبيرة، تضاف إلى سجل فضائح السيسي ونظامه، بعد خلو بيانات وزارة تعليم الانقلاب من وصف الوزير محمد عبد اللطيف بـ “الدكتور”، لتكثر التساؤلات بشأن أسباب التخلي عن ذكر اللقب، في ظل جدل واسع بشأن “صحة شهادة الدكتوراه”، التي قال الوزير إنه حصل عليها من جامعة “كارديف سيتي”، من خلال الدراسة في الجامعة بنظام “الأونلاين”.
ووجهت سهام الاتهامات إلى وزير التعليم بتزوير شهادة الماجستير وشراء شهادة الدكتوراة من جامعة وهمية، حيث تبين أن جامعة كارديف التي حصل منها على شهادته ما هي إلا جامعة وهمية لا وجود لها، وعنوانها هو عنوان شركة تأجير مكاتب.
كما تبين أن جامعة لورانس التي ادعى الوزير حصوله على شهادة الماجستير منها هي جامعة أمريكية عريقة تقع في مدينة أبلتون في ولاية ويسكونسين في الولايات المتحدة، ولكنها لا تقدم أي برامج للدراسات العليا أو الماجستير، وكل برامجها الدراسية حصرية لدراسات ما قبل التخرج، فمن أين حصل الوزير على شهادة الماجستير إذا؟.