مع انتهاء أثيوبيا من بناء سد النهضة وبدء الملء الخامس لخزانات السد والذي من المقرر أن ينتهي في سبتمبر المقبل جدد خبراء المياه تحذيراتهم لنظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي من أن مصر ستواجه أزمة مياه، وأنها لن تستطيع منع أثيوبيا من الاعتداء على حقوق المصريين في نهر النيل .
وقال الخبراء: إن “أثيوبيا لا تعترف بنظام الحصص في تقاسم مياه النيل وفق الاتفاقيات الموقعة منذ عقود وتحشد دول حوض النيل ضد دولتي المصب مصر والسودان”.
وأعربوا عن أسفهم لفشل نظام الانقلاب في إلزام أديس أبابا بالتوقيع على اتفاق يحدد طريقة تشغيل السد وإدارته، وبالتالي ضمان الحقوق المصرية التاريخية في نهر النيل .
كانت إثيوبيا قد احتفلت بالذكرى السنوية الـ13 لوضع حجر أساس مشروع سد النهضة والذى بدأت أعمال بنائه في الثاني من أبريل 2011 وبلغت نسبة انجاز أعماله 95%.
وقالت الخارجية الإثيوبية عبر منصة إكس: “يوافق هذا العام الذكرى الـ13 لوضع حجر أساس لمشروع سد النهضة”.
وأضافت مع اكتمال 95% من بناء السد، أصبح مشروعنا الرائد على وشك أن يصبح حقيقة واقعة.
يشار إلى أن إثيوبيا ومصر والسودان كانت قد أجرت عدة جولات من المفاوضات لتقليص الفجوة بشأن الخلافات حول مشروع سد النهضة، كان آخرها بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين 17 و19 ديسمبر 2023.
ولم تسفر تلك الجولات، عن اتفاق يرضي كافة الأطراف، وأعلنت حكومة الانقلاب بعد ذلك توقف مسار مفاوضات سد النهضة، في حين واصلت أديس أبابا أعمال البناء وملء السد.
أزمة جديدة
من جانبه أكد الدكتور نادر نور الدين؛ أستاذ الموارد المائية واستصلاح الأراضي بجامعة القاهرة؛ أن نظام الانقلاب اضطر لوقف مفاوضات سد النهضة بعد أن يأس من تصرفات الجانب الأثيوبي.
وقال نور الدين في تصريحات صحفية : “أنهينا المفاوضات في نوفمبر يأسا من الجانب الأثيوبي، ولكن بالتأكيد هناك طرق أخرى للتعامل مع الجانب الأثيوبي”.
وأضاف: هناك رسائل توجه لأثيوبيا عن طريق الأصدقاء المشتركين مثل دول الخليج وروسيا والصين؛ وحتى آبي أحمد رئيس الوزراء الأثيوبي قال: إنه “لم تحدث أضرار لمصر والسودان حتى الآن” ولكن ذلك كان رغما عنه لأن الفيضان كان جيدا.
وأوضح نور الدين أنه لو وصل الملء هذا العام إلى 64 مليار متر مكعب من المياه مع هذا الفيضان العالي لن تتأثر مصر، ولكن ما يطمئننا أن المياه الغزيرة وحصة السودان كل ذلك زاد من الأمن المائي المصري، ويتبقى أن يستمر الفيضان العالي في الملء السادس ثم بعد ذلك توليد الكهرباء يسحب من مخزون البحيرة فتصل المياه إلى مصر والسودان.
وأشار إلى أن التفاض كان يدور حول الملء والتشغيل؛ التشغيل أن تضمن أثيوبيا تشغيل التوربينات بالمعدلات العالمية لأنه لا يوجد مخرج أخر للمياه سوى بوابات التوربينات حتى نضمن وصول المياه إلى مصر والسودان وأثيوبيا رفضت أن تعطي هذه الطمأنينة، وكنا نريد أن يلتزموا بتشغيل التوربينات ولكنهم رفضوا وتعثرت المفاوضات.
وحذر نور الدين من أن المخاوف المصرية ستظل موجودة بعد انتهاء الملء؛ لافتا إلى أن الدول المجاورة لأثيوبيا التي تعتمد عليها لبيع الكهرباء هي السودان وجنوب السودان؛ السودان تريد ألف ميجا من الستة ألاف التي سيتم توليدها وكانت أديس أبابا تعتمد على أن مصر سوف تشتري الكهرباء لضمان المياه ومصر اكتفت ذاتيا من الكهرباء.
وقال : “طلبنا ضمانات بتشغيل التوربينات بالمعدلات العالمية، لكنهم رفضوا وقالوا إن ذلك متوقف على بيع الكهرباء وهم قالوا إذا أردتم ضمان وصول المياه عليكم شراء الكهرباء، ولكن مصر رفضت وبالتالي يجب أن تستأنف المفاوضات للاتفاق على تشغيل التوربينات للتأكد من وصول حصة مصر والسودان”.
خارج المفاوضات
وقال الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة: إنه “تم إجراء 5 مراحل لملء خزانات سد النهضة بإجمالي 52 مليار متر مكعب والمستهدف ٧٤مليار، موضحا أن هناك مجموعة بوابات في سد النهضة لتخزين المصروف”.
وأضاف شراقي في تصريحات صحفية أنه طالما لا توجد مفاوضات، فهناك فرصة أمام إثيوبيا لتخزين كافة المياه المتبقية، منوها أن إثيوبيا قامت بتركيب ٢ توربين ويتبقى لها ١١ آخرين.
وأوضح أن أقصى حد لتخزين المياه في السد الأثيوبي هو ٢٤مليار متر مكعب، مشيرا إلى أنه لولا وجود السد العالي لكنا أمام أزمة مائية حقيقية، إضافة إلى أن السد العالي استطاع حماية المواطنين من خطر المياه ولكننا تكلفنا أموالا باهظة.
وتابع شراقي: سألت السفير الإثيوبي بالقاهرة هل هناك أو بوادر لعودة المفاوضات بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، وقال لا توجد أى اتصالات، مشيرا إلى أن المسئولين بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح أمرا خارج المفاوضات رغم أن سنوات الملء في سد النهضة هي الأصعب بالنسبة لمصر.
وكشف أن حكومة الانقلاب أقامت محطات لمعالجة مياه الصرف، وحددت مساحات زراعة الأرز لتعويض الفجوة في المياه، مؤكدا أن إثيوبيا لم تستفد من المياه في إنتاج الكهرباء، وأن الكمية التي فقدت بسبب فتح بوابتي التصريف سوف يتم تعويضها خلال الأسابيع القادمة، حيث يزيد فيها معدل الأمطار عن الخارج من التوربينين 50 مليون م3/يوم .
وتوقع شراقي أن تستعيد البحيرة مستوى العام الماضي ، وحينئذ يبدأ التخزين الخامس الذي يستمر حتى العاشر من سبتمبر 2024، بكمية تقدر بحوالي 23 مليار م3 عند منسوب 640 م فوق سطح البحر.
ونوه الي أن إثيوبيا أعلنت إنتاج 2700 GWh كهرباء خلال 10 أشهر، وهذا يتطلب تفريغ 15 مليار م3 من البحيرة، والواقع من صور الأقمار الصناعية أنه تم تفريغ حوالي 6 مليار م3 فقط معظمها من بوابتي التصريف قبل غلقهما في 27 يناير الماضي، وانخفض منسوب البحيرة 6 أمتار وكان ذلك قبل انتظام تشغيل التوربينين في 8 فبراير الماضي تم إنتاج في أحسن الأحوال أقل من 600 GWh أي حوالي 20% من الرقم المعلن واسعة إثيوبيا لبيع الكهرباء الدول المجاورة.
وأكد شراقي أن كل متر مكعب يخزن في إثيوبيا هو خصم من الإيراد المصري، وسوف يعود جزء منه فيما بعد مع تشغيل التوربينات، ويتم صرف الاستخدامات اليومية كاملة للمواطن المصري خلال فترة التخزين من بحيرة ناصر بصرف النظر عن الوارد من النيلين الأبيض والأزرق.
سياسة الأمر الواقع
وقال الدكتور أيمن عبد الوهاب نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن “استفادة إثيوبيا ليست مرتبطة بتوقف أو استمرار المفاوضات؛ إذ إنها منذ البداية تستند إلى سياسة فرض الأمر الواقع، وخلق مساحات للجدل تعرقل المفاوضات، مع استمرارها في الإجراءات الأحادية”.
وأكد عبد الوهاب في تصريحات صحفية أن أديس أبابا، استغلت ظروف مصر في عام 2011 للبدء في أعمال السد، وأثبتت مسارات التفاوض بمراحلها المختلفة عدم وجود إرادة إثيوبية للتوقيع على اتفاق ملزم.