الري بمياه الصرف الصحي في القليوبية..أمراض وبوار للأراضي في ظل عجز السيسي أمام سد النهضة

- ‎فيتقارير

 

 

تقف العديد من محافظات مصر، في تلك الفترة أمام أزمات كؤود، مع مياه الري، التي باتت عزيزة على الأراضي المصرية.

فما بين الفيوم التي توقفت الترع والموارد النهرية عن العمل تماما، لتراجع منسوب النيل، إلى القليوبية، التي باتت تعتاش على مياه الصرف الصحي، ناهيك عن البحيرة والإسكندرية، الذين يتجرعون مياه البحر المالحة، رغم تصريحات المسئولين الوردية عن حل أزمات مياة الشرب ومياه الري.

ففي القليوبية، التي لا تبتعد عن القاهرة سوى 58 كلم فقط، يعاني المزارعون في قرى المحافظة من ندرة مياه الري النظيفة، مما يضطرهم لاستخدام مياه الصرف الصحي، ما يتسبب في انتشار الأمراض وتدهور جودة المحاصيل.

 ويعتمد أغلب سكان القرى بالمحافظة على الزراعة، كمصدر رزق لهم ولأسرهم ، وفي ظل عدم امتلاكهم لوظائف أخرى، باتت حياتهم مهددة  بحجم كبير من المشكلات التي يواجهونها يوميا.

 

وبسبب ندرة مياه الري النظيفة، يجد المزارعون أنفسهم مجبرين على استخدام مياه الصرف الصحي من مصارف لري أراضيهم الزراعية المستأجرة، في أغلبها.

 

وقد تناولت صفحات السوشيال والعديد من وسائل الإعلام شكاوى أهالي القليبوية، مؤخرا،  إذ  يقول شاهد عيان: “المياه البحرية لا تصل إلينا بانتظام؛ ما يضطرني إلى الري من المصرف الممتد في قريتنا، الري بمياه الآبار مكلف جدا، إذ تصل تكلفة الساعة إلى 100 جنيه، ويحتاج الفدان إلى ثماني ساعات، أي ما يعادل 800 جنيه لكل عملية ري، وينبغي علي ري المحصول ثلاث مرات شهريا؛ ما يعني أنني بحاجة إلى 2400 جنيه في نهاية كل شهر حتى لا تموت أرضي من العطش”.

مضيفا : “تراكم التكاليف المالية يزيد من معاناتي، حيث أجد نفسي غير قادر على تحمل أعباء الري مع الإيجار المرتفع، الفلاحون يزرعون الأرز، ولذلك تقوم الدولة بقطع المياه عنا، والمياه لا تصل إلينا دائما”.

وتنعكس عمليات الري من مياه المصارف الصحية على صحة المواطنين، وكل ما يتناول تلك المزروعات.

وقد أدى استخدام مياه الصرف الصحي في الري إلى انتشار الأمراض مثل الفشل الكلوي في قرى القليوبية،  كما تنتشر البلهارسيا والأمراض الصدرية المعدية وأمراض الكبد.

وحسب تقديرات البنك الدولي في 2020، فإن 30% من الأيدي العاملة تعمل في المناطق الريفية، ويعتمد 55% من السكان على قطاع الزراعة كمصدر دخل؛ بينما تشير تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في تقريره (مصر في أرقام) في عام 2023 إلى أن عدد العاملين في المجال الزراعي والصيد بلغ ما نسبته 18.9% من إجمالي عدد السكان في عام 2021.

وبحسب مصطفى مدبولي  فإنه خلال الموسم الزراعي 2022 / 2023 بلغت المساحة المزروعة 9.8 مليون فدان، من بينها 6.1 مليون فدان من الأراضي القديمة، و3.7 مليون فدان من الأراضي الجديدة، موضحا أن معدل التكثيف الزراعي بلغ 180% وهو زراعة أكثر من عروة في نفس الأرض، فيما بلغ إجمالي عدد محطات الصرف الصحي المعالج 508 محطة عـــام (2022/2023)مقابـل 484 محــطة عـام (2021/2022) بنسبة ارتفاع قدرها 5٪. وبلغ إجمالي كمـية الصـرف المعـالج 5.4 مليار متر مكعب عـام (2022/2023)، مقـابل 5.23 مليار متر مكعب في عام (2021/2022) بنسبة

ارتفاع قدرها 3.3٪.

 

معاناة ممتدة

 

ووفق شهادة إحدى سيدات قرية سندهور بمركز بنها، فإن بعض الخضروات تفسد في الثلاجة بعد يومين فقط، مضيفة: “البصل الذي خزنته ليكفيني طوال العام لم يبق صالحا لأكثر من شهر قبل أن يفسد”.

وتضيف: “لقد تعبنا من هذا الوضع، فالتلوث أدى إلى إصابتنا بأمراض الكلى والحصوات، وحتى مياه الشرب لدينا ليست نظيفة”.

 

تعكس كلمات السيدة واقعا مريرا يعيشه العديد من سكان القرى الذين يعانون من مخاطر صحية نتيجة تلوث مياه الري والشرب، مما يبرز الحاجة الملحة لمعالجة هذه المشكلة البيئية والصحية.

 

ووفق خبراء بيئة، فإن التخلص من مياه الصرف الصحي في المصارف والترع واستخدامها في الري من قبل المزارعين يشكل كارثة بيئية وصحية كبيرة.

 

ورغم معرفة المزارعين بمخاطر استخدام المياه الملوثة، فإنهم يفضلون اللجوء لمياه الصرف الصحي، بدلا من بوار أراضيهم ومن ثم توقف مصدر رزقهم وعيشهم.

 

ووفق أساتذة العلوم والبيئة، فإن معالجة مياه الصرف الصحي صعبة للغاية وتكلفتها عالية، وبعد المعالجة لا يمكن استخدامها في ري الأراضي الزراعية بسبب تلوثها الشديد، ولكن يمكن استخدامها لري أشجار الزينة فقط، هو عكس ما يضطر إليه الأهالي ، في ظل غياب الحكومة.

 

أمراض وأوبئة

 

فيما تؤكد وفاء عامر أستاذة النبات بكلية العلوم جامعة القاهرة، في تصريحات صحفية، المخاطر الصحية الكبيرة الناتجة عن ري المحاصيل الزراعية بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، مشيرة إلى أن هناك عدة جوانب خطيرة لهذه الممارسة.

وتذكر أن تراكم المبيدات والمواد الكيميائية في المحاصيل الغذائية، يؤدي إلى تسمم المحاصيل وتدني نوعية المنتج، مشيرة إلى أن هذه المتبقيات تظل موجودة في الأنسجة النباتية بشكل يجعلها غير قابلة للإزالة حتى بعد الطهي أو المعالجة؛ ما يجعل المحاصيل والمنتجات التي تم ريها بمياه صرف غير معالجة غير صالحة للاستهلاك البشري.

 

وتضيف أن مياه الصرف تحتوي على طفيليات مثل البلهارسيا والديدان الشريطية التي قد تنتقل عبر المحاصيل الزراعية، كما أن مياه الصرف غير المعالجة قد تحتوي على بكتيريا وفيروسات ممرضة، تسبب أمراضا خطيرة مثل التيفوئيد والكوليرا والتهاب الكبد الوبائي.

 

تشير أستاذة النباتات إلى أن ري المحاصيل الغذائية بمياه الصرف غير المعالجة، يؤدي إلى تراكم المواد الكيميائية في أجسام البشر؛ ما يسبب مشاكل صحية خطيرة مثل السرطان وأمراض الكبد والكلى والجهاز العصبي، وتنبه إلى المخاطر الصحية لمتبقيات الأسمدة، خاصة نترات الأمونيوم، التي قد تسبب تسمم الدم عند تحولها إلى نترات في الجسم؛ ما يؤدي إلى تثبيط قدرة الدم على نقل الأكسجين، ويسبب آثارا خطيرة خاصة على الأطفال الرضع مثل الشحوب والتهيج والتشنجات، موضحة أن بعض الدراسات ربطت بين التعرض المزمن لمتبقيات نترات الأمونيوم وزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان مثل سرطان المثانة والمعدة.

 

وفيما يتعلق بمخاطر التلوث بمركبات الرصاص، تؤكد وفاء أن هذه المركبات تعد من أكثر المعادن السامة انتشارا في الهواء ومياه الصرف، توضح أن متبقيات الرصاص في مياه الصرف غير المعالجة لها تأثيرات سلبية على نمو الأطفال ونضجهم وسلامتهم العقلية، حيث يدخل الرصاص إلى جسم الإنسان، ويسبب أمراض الدم والقلب، كما يؤثر على جهاز المناعة ويسبب السرطان.

 

تحذر أستاذة النبات بكلية العلوم جامعة القاهرة، من تلوث البيئة والنظام البيئي نتيجة تسرب هذه الملوثات إلى التربة والمياه الجوفية والأنهار والبحيرات، ما يؤدي إلى تلوث البيئة والإضرار بالنظام البيئي ككل، وأوضحت أن هذه المواد الكيميائية قد تنتقل عبر السلسلة الغذائية وتؤثر على الحياة البرية والنظام البيئي، وأكدت أن استخدام مياه الصرف الملوثة غير المعالجة في الري قد يؤدي إلى تراكم الملوثات في التربة، ويؤثر على إنتاجية الأراضي الزراعية على المدى الطويل. تقول: “لذلك من الضروري الحد من استخدام الأسمدة المحتوية على نترات الأمونيوم والتخلص الآمن من مخلفاتها، لحماية صحة الإنسان والبيئة وعدم ري المحاصيل الغذائية  بمياه الصرف غير المعالجة، وأن يلتزم المزارعين بالريّ من المياه الجيدة التي لا تؤثر على صحة الإنسان والبيئة”.

 

مخالفة قانونية مسكوت عنها

 

ويحظر قانون الري 12 لسنة 1984 استخدام مياه الصرف في الري، إذ ينص على أنه لا يجوز استخدام مياه المصارف الزراعية في أغراض الري إلا بترخيص من وزارة الري، ويقدم طلب الترخيص مرفقا به صورة من جميع الدراسات والتحاليل، متضمنة نوع التربة وتحليل مياه الصرف، وأنواع المحاصيل تفصيلا، ودرجة مقاومة كل منها للملوحة، وكيفية استخدام مياه الصرف للري مباشرة أو بعد خلطها بالمياه العذبة، واسم مجرى المياه العذبة الذي سيتم الخلط به ونسبة الخلط.، كذلك يحظر قرار رئيس الوزراء 603 لسنة 2002 استخدام مياه الصرف الصحي في ري المحاصيل الحقلية مثل الخضراوات والفاكهة، ويقتصر استخدامها على زراعة الأشجار الخشبية فقط، ويمنع قرار وزير الزراعة 1083 لسنة 2009 استخدام مياه الصرف الصحي المعالج أو غير المعالج، في زراعة المحاصيل الغذائية، ويعاقب المخالف بإزالة المحاصيل على نفقته.

 

 

سد النهضة

 

 وتتفاقم  أزمات استعمال مياه الصرف الصحي بالزراعة وري المحاصيل، على خلفية أزمة سد النهضة الأثيوبي، وهو ما يهدد صحة المصريين وبوار الأراضي الزراعية التاريخية، التي ظلت لعقود ملاذ المصريين الآمن  بالغذاء.

ولعل إصرار الحكومة المصرية على عدم تضرر مصر من بناء سد النهضة، يبدو مفضوحا ومترهلا أمام ما يعانيه أهالي القليوبية ومزارعيها من نقص مياه الري النظيفة.