في كل دول العالم ، غالبا ما يحرص المسئولون على تحسين حياة المواطنين وتخفيف الأحمال والأعباء المعيشية عنهم، أو تقديم بشريات وخدمات جديدة أو منح أو مكافآت أو تسهيلات، إلا في مصر، التي باتت في قبضة العسكر، والذين بات حكامها لا يخشون غضبة شعبهم، أو انتفاضته في وجوهم أو ثورتهم ضدهم، فاستكبر النظام على أن يقدم أي شيء للمصريين، من خفض للأسعار أو زيادات مجزية برواتبهم، أو حزم اجتماعية ناجزة، تخفف الفقر والعوز عنهم، فبات الشعب من نار إلى نار، ثم إلى جحيم، من غلاء الوقود إلى الكهرباء والمياه والخبز والأدوية والرسوم والخدمات، دون أن يعبأ النظام، الذي بات يعمل وفق مقولة “من أمن العقاب أساء الأدب”.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أمس الخميس: “من الوارد تعرّض مصر لصدمات أخرى، على غرار ما حدث في عام 2022 باندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تؤدي إلى العديد من الأزمات الاقتصادية في الدولة”.
وأضاف مدبولي في مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي “لا أحد يعرف تحديدا ماذا سيحدث في الغد، في ظل التوترات الحاصلة بين إيران وإسرائيل، والتخوفات من اتساع دائرة النزاع والصراع على مستوى أكبر من الحرب الدائرة في قطاع غزة”.
ولعل التقاط مدبولي خيط الأزمات لتبرير الأزمات ، التي لم تخرج منها مصر، منذ أكثر من عقد من الزمن، والتي لم تنفك تطارد المصريين في لقمة عيشهم، تارة باسم كورونا، وتارة باسم الحرب الأوكرانية، وتارة باسم حرب غزة، وتارة باسم إيران…..الخ من المبررات والذرائع، على عكس دول العالم التي تتحوط للأزمات، وتؤمن مصادر دخلها بالتوسع في الصناعات والزراعات والإنتاج عموما، بينما السيسي ونظامه أدمن البكاء على حاله للمصريين، فيما يتوسع ببيع كل أدوات الإنتاج للإمارات، من مصانع وشركات إنتاجية وأراضي، مفرطا في مياه النيل، التي ظلت تأتي لمصر منذ قرون دون توقف ، أو ندرة إلا في عهد العاجز العسكري المتجبر على شعبه.
هروب الأموال الساخنة
وعلى عكس التفاخروالتباهي الكبير ، الذي ظل لسنوات وشهور، بزيادة النقد الأجنبي، ومتانة الاقتصاد المصري، رغم تحذيرات الخبراء والاقتصاديين من عدم الاعتماد على الأموال الساخنة، بات مدبولي منكسرا من جديد، بعد أن خرجت عشرات المليارات من أموال المستثمرين المقامرين من مصر، والباحثين عن الفائدة العالية فقط، قائلا: ” الحكومة ليست قلقة من خروج أموال المستثمرين الأجانب في أدوات الدين والأموال الساخنة” زاعما أن مصر لا تعاني في الوقت الراهن من نقص أو أزمة في وفرة الدولار، مشيرا إلى أن العالم عاش حالة من البلبلة، بسبب تراجع القيمة السوقية للشركات عالميا، الأمر الذي نتج عنه تعرّض البورصة المصرية للخسائر.
وزاد بقوله: إن “الأموال الساخنة التي خرجت من السوق المصرية أخيرا كانت من السوق المحلية، وبعيدة عن الاحتياطيات الدولية، مشددا على أن الدولة ملتزمة بسعر صرف مرن للدولار مقابل الجنيه، وتخارج مستثمرين من أدوات الدين عُوِّض من السوق المحلية، بعد التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي”.
وهي طريقة الفهلوة والاختيال، يقوم البنك بشراء وتمويل ديون جديدة، بضمانات أموال المودعين، أي ديون جديدة ، ليس إلا.
وادعى مدبولي أن الدولة تدير الاقتصاد بطريقة معينة تؤمن مصادر العملة الأجنبية، ورصدت أخيرا عودة الشائعات بشأن ارتفاع سعر الدولار مجددا مقابل الجنيه، وهو كلام غير صحيح، ويعود إلى مجموعة من المنتفعين خلال فترة الأزمة الاقتصادية الكبيرة السابقة، ولا سيما تجار السوق السوداء للعملة، الذين حققوا أرباحا طائلة خلال هذه الأزمة، وفقا لقوله.
ومنذ إعلان القاهرة اتفاق دعم مالي بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد، ضخ مستثمرون أجانب مليارات الدولارات في أدوات الدين المصرية، بعد أن عزفوا عنها نهاية عام 2021، بسبب القلق إزاء المغالاة في قيمة العملة، والخوف من عدم قدرة الحكومة على السداد، وأقرت مصر خفضا خامسا للجنيه منذ عام 2016، في 6 مارس الماضي، ما أفقده نحو 40% من قيمته، إذ تراجع مقابل الدولار من متوسط 30.85 جنيها إلى نحو 49.35 جنيها في البنوك.
ويواجه المصريون في الفترة المقبلة، في ضوء تمهيد مدبولي للأزمات، بأزمة رفع أسعار الوقود مجددا في سبتمبر المقبل، وقبل المراجعة الجديدة لصندوق النقد الدولي، وزيادة أسعار المياه والكهرباء والغاز، والسولار، وتقليص الدعم التمويني، وحذف ملايين المستحقين للدعم التمويني من البطاقات التموينية، وصولا إلى صفر دعم في عام 2026، وهو ما يفاقم أزمات الفقر والركود الاقتصادي الغلاء، بجانب نقص الأدوية وزيادة أسعار المواصلات والسلع والخدمات، فما حديث مدبولي إلا نذير شؤوم ينتظر المصريين أيام سوداء قاحلة، بلا توقف وبلا مراجعة وبلا حفاظ على مقدرات الدولة وأصولها التي تباع برخص التراب للكفيل الإماراتي..