تواصلت أعمال الشغب المناهضة للمسلمين في بريطانيا، إذ تعهدت جماعات يمينية متطرفة باستهداف مراكز لجوء ومساجد ومكاتب محاماة معنية بقضايا الهجرة في شتى أنحاء البلاد، مما دفع متظاهرين مناهضين للفاشية إلى التخطيط لمظاهرات مضادة، وسط تأهب الشرطة البريطانية.
وتشهد بريطانيا موجة متصاعدة من العنف اندلعت الأسبوع الماضي بعد مقتل ثلاث فتيات صغيرات في هجوم بسكين في شمال غرب البلاد، وما أعقب ذلك من انتشار موجة من الرسائل الكاذبة على الإنترنت تصف المشتبه به بأنه مهاجر مسلم متطرف، (لكن الشرطة أكدت أنه بريطاني مسيحي من أصول راوندية وأنه ولد في كارديف – عاصمة مقاطعة ويلز).
وأُغلقت مكاتب المحاماة المعنية بقضايا الهجرة ومراكز دعم المهاجرين، الأربعاء، وقالت بعض خدمات أطباء الأسرة في المناطق المتأثرة بالاحتجاجات إنها ستغلق مبكرا لضمان سلامة موظفيها.
ونددت الحكومة والشرطة بالتهديدات، وقالت وزيرة العدل شابانا محمود إن “تحريض الغوغاء على مهاجمة مكاتب (المحاماة) أو تهديدها بأي شكل من الأشكال أمر غير مقبول سيقع من يثبت قيامه بهذا تحت طائلة القانون”.
اعتقال أكثر من 700 شخص في بريطانيا
اعتقلت الشرطة البريطانية أكثر من 700 شخص على خلفية أعمال العنف الأخيرة التي استهدفت المسلمين والمهاجرين والمساجد، كما أكد قادة الشرطة أن الاعتقالات ستشمل مئات آخرين من المشتبه بهم إثر هذه الموجة التي قادها ناشطو أقصى اليمين.
وقالت صحيفة الجارديان البريطانية إن الشرطة قامكت باعتقال 741 مشتبها بهم، منهم 32 شخصا على خلفية جرائم وقعت عبر شبكة الإنترنت مثل التحريض.
وأضافات الجاردن أن الاعتقالات جرت على نطاق واسع إذ شملت 36 من أصل 43 من دوائر الشرطة في أنحاء إنجلترا وويلز.
في الوقت نفسه، بدأت إجراءات قضائية بحق المشتبه بهم، فقد وجهت السلطات اتهامات رسمية إلى 302 شخص، وفقا لما أعلنته الشرطة.
ويشمل هذا الرقم الإجمالي حصيلة أيرلندا الشمالية حيث اعتقلت الشرطة 26 شخصا ووُجّهت اتهامات إلى 21 منهم.
وفضلا عن ذلك، أصدرت محكمة بريطانية أول حكم بالسجن بسبب التحريض عبر الإنترنت، لكن المخاوف ما زالت قائمة بشأن احتمالات تجدد أعمال الشغب والعنف ضد المسلمين.
التحريض على مناهضة المهاجرين
ويستخدم المتظاهرين، المتطرفين عبارات التحريض المؤثرة والمحرضة على الكراهية على الإنترنت، بسبب بروز سياسيين بريطانيين يمينيين مناهضين للهجرة ومؤيدين لما يفعلونه.
ففي انتخابات الشهر الماضي، حصل حزب الإصلاح البريطاني بزعامة نايجل فاراج على 14 في المائة من الأصوات، وهي أكبر حصة أصوات لحزب بريطاني يميني متطرف.
وقالت الزعيمة المشاركة لحزب الخضر اليساري، كارلا دينير، إن الاضطرابات يجب أن تكون “دعوة للاستيقاظ لجميع السياسيين الذين روّجوا أو استسلموا” للخطاب المناهض للهجرة.
وحمّلت الشرطة مسؤولية الفوضى لمنظمات مرتبطة بـ”رابطة الدفاع البريطانية” المنحلة، المناهضة للإسلام والتي تأسّست قبل 15 عاما.
هل تواجه بريطانيا حقا مخاطر حرب أهلية
وانتقدت مجلة “إيكونوميست” أعمال التي تعرضت لها بريطانيا، وهاجمت منذ البداية “البلطجية” من أنصار اليمين المتطرف الذين بدأوا بإثارة أعمال شغب عنصرية احتجاجا على مقتل 3 فتيات صغيرات في بلدة ساوثبورت القريبة من مدينة ليفربول يوم 29 يوليو الماضي، على يد قاصر اتضح أنه مولود في بريطانيا وجاء والداه من رواندا، وليس طالب لجوء مسلم، كما تم الترويج له زورا وكذبا، على مواقع التواصل، وبينها خاصة منصة “أكس”.
كما انتقدت المجلة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك بشدة بسبب تصريحه في منصة “إكس” التي يملكها، محذرا من أن “الحرب الأهلية أمر لا مفر منه” في بريطانيا، ووصفت التحذير بأنه “كذب بواح”.
وأضافت أن الاحتجاجات المناهضة للهجرة، التي عمت مختلف أنحاء إنكلترا وإيرلندا الشمالية، لا يمكن تبريرها حيث تعرضت المساجد وقوات الشرطة للهجوم.
وذكرت أن أعمال الشغب العنصرية، التي شهدتها البلدات والمدن المختلفة، من بين الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، ولا تتناسب مع صورة بريطانيا المستقرة التي تسعى حكومة حزب العمال الجديدة إلى إرسائها.
وأوضحت أن أحد الأسباب وراء تحول أقصى اليمين، من قوة سياسية منظمة إلى شيء بلا ملامح، هي أن بريطانيا أصبحت دولة أكثر ليبرالية.
ورغم اندلاع مظاهرات مضادة دعما للمهاجرين، فإن إيكونوميست ترى أن الاشتباكات قد لا تنتهي، حتى لو لم تكن بريطانيا على شفا حرب أهلية، معتبرة أعمال الشغب لا تعدو أن تكون مجرد نوبة عابرة من العنف الصيفي.
وفي 9 يوليو الماضي شهدت مدن وبلدات اشتباكات بين مئات من مثيري الشغب والشرطة حطموا خلالها نوافذ فنادق تؤوي طالبي لجوء من أفريقيا والشرق الأوسط، مرددين هتافات منها “أخرجوهم” و”أوقفوا القوارب” في إشارة إلى الذين يصلون إلى بريطانيا في قوارب صغيرة.
كما رشقوا مساجد بالحجارة، في ساوثبورت وفي مدينة سندرلاند شمال شرقي إنكلترا،مما أثار الرعب بين السكان
وخاصة من ينتمون لأقليات عرقية ودينية إذ شعروا أنهم مستهدفون بالعنف، ما أدى إلى تعزيز الأمن في مئات المؤسسات الإسلامية وسط مخاوف على سلامة المصلين. ونظّم متظاهرون مناهضون للفاشية مسيرات مضادة في مدن عدة، من بينها ليدز، حيث هتفوا “ابتعدوا عن شوارعنا أيها النازيون الحثالة”، بينما هتف المتظاهرون اليمينيون المتطرفون “أنتم ما عدتم إنكليز”.