وكأنّ فض اعتصام رابعة لا يخلو من المآسي، فمأساة أخرى لا تختلف عن مأساة الكثيرين، يحكي فصولها أهالي المفقودين الذين فقدوا ذويهم أثناء فض اعتصام رابعة العدوية، ولم يظهر لهم أثر إلى الآن، فلا خبر مفرح يبشرهم، ولا جثمانين تظهر لدفنهم وتوديعهم إلى ملاذهم الأخير.
ففي مجزرة غير مسبوقة من حيث بشاعة التنفيذ أو عدد الضحايا من القتلى والمفقودين والجرحى وآثارها الممتدة والتي لم تتوقف حتى الآن، فلم تنته جرائم الجيش والشرطة خلال فض اعتصامات الشرعية، عند حد القتل أو الاعتقال، بل يُضاف إليها مجزرة من نوع آخر، تتمثل في المفقودين، الذين لا يعرف ذووهم مصيرهم، وما إذا كانوا قتلوا وضاعت جثثهم، أم اعتقلوا في أماكن غير معلومة كالسجون الحربية.
ويضاف لأهالي المفقودين بجانب الحرمان من ذويهم ضرر نفسي يعيشونه يتسبب به المصير المجهول للمفقودين، إذ تنص المادة 21 من قانون الأحوال الشخصية بأنه “يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنوات من تاريخ فقده، وفي جميع الأحوال يُفوض تحديد المدة التي يُحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضي، على ألا تقل عن أربع سنوات، وذلك بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حيا أو ميتا”.
كما تشير المادة 22 إلى أنه “بعد الحكم بموت المفقود أو نشر قرار رئيس مجلس الوزراء، أو قرار وزير الدفاع باعتباره ميتا على الوجه المُبيّن في المادة السابقة، تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو نشر القرار في الجريدة الرسمية كما تترتب كافة الآثار الأخرى”.
وخلال رحلة شاقة من الألم والأمل في البحث عن المفقودين والتي تختتم بنهايات أربع، إما أن يكون ذلك المفقود قد قتل وتشوهت جثته، واستطاع أهله الوصول إليها عبر تحليل البصمة الوراثية DNA، أو لا يجدونه بذات التحليل، بسبب تشوه الجثة بشكل يصعب استخلاص البصمة الوراثية منها، ومن ثم تدفن في مقابر تابعة للدولة، أو أن يكون المفقود قد اعتقل ولا يزال رهن احتجاز في مقر أمني سري، وأخيرا أن هؤلاء المفقودين قد قتلوا أثناء عملية فضّ الاعتصام، ثم دفنوا بمعرفة رجال الشرطة والجيش، حسبما يروي الكثير عن وجود مقبرة جماعية في مقر شُرطيّ على طريق القاهرة-السويس الصحراوي ألماظة.
وبتتبع هذه المعلومة التي تكررت، كان مصدرها الإعلامي بشبكة الجزيرة الإخبارية أحمد منصور، والتي ذكرها في لقاء تلفزيوني له استضاف فيه المستشار وليد شرابي المدير الإقليمي لمنظمة “هيومان رايتس مونيتور” الحقوقية، منتصف يناير 2014، ناسبا إياها لصحيفة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية.
الصحيفة البريطانية، بدورها نفت في تغريدة لها على تويتر، ما قاله منصور نقلا عنها، قائلة: إن “ميدل إيست مونيتور ليست مصدر معلومة المقابر الجماعية لضحايا فض رابعة، ولكنها لا تستبعد وقوع هذه الجريمة”.
وبعد شهرين تقريبا مما قاله منصور، وتحديدا في الخامس من مارس، وفي تعقيب لها على تقرير تقصي الحقائق حول مجزرة فض رابعة العدوية الصادر من المجلس القومي لحقوق الإنسان، أشار تقرير لمنظمة “هيومان رايتس مونيتور” الحقوقية إلى وجود مقبرة جماعية لضحايا مجزرة رابعة في إحدى مقرات الشرطة، من دون أن يقدم أي تفصيلات.
وقالت المنظمة في تقريرها: إن “عناصر الشرطة والجيش، عقب سيطرتها على ميدان رابعة بالكامل، قاموا بإشعال النيران في الخيام حتى التي كانت تحوي مصابين، ما أدى إلى قتل المصابين حرقا، وقاموا بإشعال النيران في المستشفى الميداني وإحراق عدد آخر من الجثث، ثم قاموا باعتقال 790 شخصا من بين الخارجين من الميدان، لم يعرف مصير بعضهم حتى الآن.
الباحثة بمؤسسة “هيومان رايتس مونيتور”، سلمى أشرف، قالت: إن “المؤسسة وثقت بالفعل 140 حالة اختفاء لمعتصمين، ومتظاهرين منذ الثالث من يوليو 2013، وأن هناك معتقلين في سجون ومقرات احتجاز سرية لا يعرف عنهم شيئا”.
قالت سلمى أيضا: إن “هناك توثيقا لشهادات من شهود عيان من الأهالي القريبين من اعتصام رابعة العدوية، وآخرين أكدوا أن جرافات قامت بجرف الجثث من محيط الميدان، وأنها نقلت عبر سيارات نقل عملاقة تابعة للشرطة والجيش، وأنه غير معلوم إلى أين توجهت تلك السيارات”.
ربما كانت مجزرة فض ميداني رابعة العدوية والنهضة بشعة، ولكن ما جرى بعدها ربما كان أكثر وحشية، فالجثث المحروقة والمبتورة، ومع افتراض صدقية ما قيل عن مقابر جماعية في مقرات شرطية، وعمليات إخفاء قسري للمصابين المعتقلين على خلفية الفض في سجون عسكرية في ظل ما يتوفر من معلومات يؤكدها، يشير إلى أن هناك انتهاكات إنسانية وحقوقية جسيمة مستمرة، وأن الكارثة ستظل مستمرة ما دام هناك مفقودون من دون قبر معلوم، أو سجن معلوم يؤكد أنهم معتقلون فيه.