أثار نظام الثانوية العامة الجديد الذي أعلنه محمد عبد اللطيف، وزير تعليم الانقلاب انتقادات حادة من جانب خبراء التربية وأولياء الأمور والطلاب، وحذر بعض الخبراء من أن هذا التغيير يشكل خطرا على مستقبل العملية التعليمية برمتها.
وقال الخبراء: إن “النظام الجديد يكشف عن غياب الرؤية المنظومية لمشكلات التعليم، مؤكدين أن الحلول المقدمة ضعيفة، ولا تستوعب جميع المشكلات التي يعاني منها النظام التعليمي، بالإضافة إلى إخفاق واضح في ترتيب الأولويات، وغياب النظرة الشمولية للطالب وتجعل طلاب الثانوية العامة فئران تجارب”.
وأكدوا أن نظام التقويم والامتحانات لم يحظ بالاهتمام الكافي من تعليم الانقلاب رغم أهميته الكبرى، معربين عن أسفهم لأن هناك تهميشا واضحا للعلوم الإنسانية، يعكس نظرة وزارة تعليم الانقلاب السلبية لهذه العلوم باعتبارها عبئا على الطالب ولا تقدم له فائدة على المستوي المعرفي والوجداني، وهذه النظرة تحتاج إلى مراجعة .
يشار إلى أن مقترح مواد الثانوية العامة في النظام الجديد، يتضمن أن تكون جميع المواد من 60 درجة ما عدا اللغة العربية من 80 درجة، وتكون اللغة الأجنبية الثانية خارج المجموع، وبذلك تصبح مواد الثانوية العامة شعبة علمي علوم هي: اللغة العربية من 80 درجة، اللغة الأجنبية الأولى 60 درجة، الجيولوجيا 60 درجة، الفيزياء 60 درجة، الكيمياء من 60 درجة.
أما مواد الثانوية العامة شعبة علمي رياضة فهي: اللغة العربية واللغة الأجنبية الأولى، الرياضيات، الكيمياء، الفيزياء، المجموع 320 درجة، ومواد الثانوية العامة أدبي: اللغة العربية، اللغة الأجنبية الأولى، التاريخ، والجغرافيا، إحصاء، المجموع من 320 درجة، ودمج مادتى الكيمياء والفيزياء في الصف الأول الثانوي في مادة واحدة تحت مسمى علوم متكاملة، ويبلغ إجمالي عدد المواد التي تضاف إلى المجموع في الصف الأول الثانوي بعد الدمج 6 مواد، وأن اللغة الأجنبية الثانية ستكون مادة رسوب ونجاح، ولكن لا تضاف إلى المجموع .
غياب رؤية
حول التعديلات الجديدة أكد الدكتور عاصم حجازي، الأستاذ بكلية الدراسات التربوية بجامعة القاهرة، غياب الرؤية المنظومية لمشكلات التعليم، مشيرا إلى أن الحلول المقدمة ضعيفة، فضلا عن عدم استيعاب جميع المشكلات التي يعاني منها النظام التعليمي، بالإضافة إلى إخفاق واضح في ترتيب الأولويات، وغياب النظرة الشمولية للطالب أيضا فلم يقدم خلال عرض مقترح تطوير الثانوية العامة، ما يؤكد أهداف النظام التعليمي على المستويات الثلاثة المعرفية والوجدانية والمهارية.
وقال «حجازي» في تصريحات صحفية : “فيما يخص دمج بعض المواد هذا أمر مقبول، لكن بشروط منها أن يتم إعادة صياغة المحتوى بشكل جيد يضمن حصول الطالب على القدر واللازم من المعلومات والمهارات المؤهلة للالتحاق بالمرحلة الجامعية، موضحا أنه فيما يتعلق بجعل بعض المواد للنجاح والرسوب فقط دون إضافتها للمجموع كاللغة الأجنبية الثانية هذا لا مانع منه، لأن أي مواد يكون فيها اختلاف في المحتوى وتدرس لنفس الشعبة يجب أن تكون خارج المجموع تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص، لكن نظام التقويم والامتحانات لم يحظ بالاهتمام الكافي من تعليم الانقلاب رغم أهميته الكبرى”.
ولفت إلى أن هناك تهميشا واضحا للعلوم الإنسانية يعكس نظرة وزارة تعليم الانقلاب السلبية لهذه العلوم باعتبارها عبئا على الطالب ولا تقدم له فائدة على المستويين المعرفي والوجداني، وهذه النظرة تحتاج إلى مراجعة، مشيرا إلى أن بناء خطة الوزارة لمواجهة مشكلات التعليم على عناصر غير مدربة وغير متخصصة كالطلاب الذين يؤدون الخدمة المدنية ومعلمي الحصة يسهم في إيجاد مشكلات جديدة وتضخم مشكلات موجودة بالفعل في النظام التعليمي كالدروس الخصوصية والغش .
وأوضح «حجازي» أن بعض الحلول المقدمة تعتمد على ألفاظ جذابة نظريا، ولكنها عمليا لا تضيف جديدا ولا تسهم في حل المشكلة، وذلك كما في مقترح الفصل المتحرك والذي يستخدم لتحقيق متعة التعلم والاستكشاف وليس حلا للكثافة .
تغيير مفاجئ
وقالت الدكتورة جهاد محمود أستاذ مناهج وطرق تدريس اللغة العربية: إن “قرارات دمج بعض المواد في المرحلة الثانوية أو خروج بعض المواد من الإضافة للمجموع، لا نعلم على أي أساس تم اتخاذ هذه القرارات؟ ولماذا جاءت بهذه السرعة والعام الدراسي على وشك البدء؟”.
وأضافت جهاد محمود في تصريحات صحفية : تغيير النظام لا بد أن يكون وفق الخطة الإستراتيجية للدولة في التعليم، ولا بد من تهيئة الطلاب وأولياء الأمور والمجتمع عامة للموضوع وليس بشكل مفاجئ كما حدث.
وتساءلت عن الهدف من هذا الدمج أو هذه القرارات التي شملت جميع سنوات الثانوي بدءا من الصف الأول وحتى الثالث، هل هي كما أعلن الوزير الانقلابي محاولة للتخفيف من كم المواد المقررة على الطلاب، ومنع الحشو والتكرار من مواد تمت دراستها ومعرفتها في مراحل سابقة .
وتابعت جهاد محمود : علينا أن نفكر في هذه الأسباب، فلو المشكلة في الكم من أجل التخفيف عن الطلاب، فالأزهر الشريف طلابه يدرسون مواد أكثر من تلك المواد التي يدرسها طلاب الثانوي العام، بل وأكثر صعوبة وتعقيدا منها، وإذا كانت بعض المواد كما ذكر الوزير الانقلابي بها الكثير من الحشو والتكرار إذن فقرار الدمج وحذف بعض المواد وجعلها خارج المجموع وسرعة اتخاذ القرار ليس في محله، لأن هذا يستدعي التخطيط من البداية لإعداد مقررات جديدة تناسب طبيعة الطلاب والمرحلة ورؤية وأهداف الدولة من التعليم.
وأشارت إلى أن القول بأن التغيير كان لا بد منه لمواكبة النظم التعليمية العالمية، هذا جيد لكنه يحتاج إلى سنوات وليس قرارات سريعة اعتمدت كما قيل على رؤية بعض الأشخاص من المركز القومي والقطاع التربوي والتعليم العالي والبحث العلمي.
مصير المعلمين
واعتبرت جهاد محمود أن ما حدث سابقة أولى من نوعها في اتخاذ قرارات حول دمج بعض المواد وفلترتها من الحشو الزائد بهذه السرعة وتطبيق القرار على العام الدراسي الذي سيبدأ بعد شهر تقريبا.
وتساءلت: هل الدمج الذي سيتم على مواد كالفيزياء والكيمياء والأحياء تحت مسمى مواد العلوم سيحقق التراكمية والتدرج المعرفي أم سيدرس الطالب قشورا من هذه العلوم؟ وما مصير معلمي تلك المواد التي حذفت أو أصبحت خارج المجموع؟ وكيف سيتم توظيفهم لأداء عملهم المعهود من أجل تحقيق الأمان الوظيفي لهم؟ وما مصير الطلاب الذين يدرسون في كليات التربية والآداب في تخصصات علم النفس والفلسفة والجيولوجيا بعد التخرج؟ مشيرة إلى أن سوق العمل لن يطلب منهم الأعداد المعهودة، ولن تكون فرص العمل كثيرة أمامهم؛ فالمدارس غالبا ما تحتاج إلى معلم واحد أو اثنين ليدرسوا لجميع المراحل بالثانوية العامة الفلسفة وعلم النفس .
وأوضحت جهاد محمود أن بعض أولياء الأمور رحبوا بمقترحات الوزير الانقلابي لأسباب مادية بحتة نظرا لتقليل عدد المواد التي سيحصل الطلاب فيها على دروس خصوصية، بغض النظر عن المحصلة النهائية من التعليم ، ولكن لا بد أن تكون الموضوعية والحيادية هي سبب قبول القرارات أو رفضها.
وأضافت: الأهم عندي كمواطنة وعند كل ولي أمر ألا يكون مستقبل الأبناء محلا للتجارب، وبخاصة القرارات التي تصدر فجأة دون تهيئة أو تخطيط مدروس.