وفق تقديرات المراقبين والمختصين، يعد صيف العام 2024 بجدارة موسما لغرق المصطافين على الشواطئ المصرية، في الإسكندرية والساحل الشمالي ورأس البر، وعلى امتداد سواحل البحر المتوسط.
ووفق منقذين، يعد هذا الموسم هو أسوأ مواسم الغرق على الإطلاق، وذلك بسبب الظروف المناخية غير الاعتيادية التي تشهدها مصر منذ بداية الموسم، ومن بينها سوء الأحوال الجوية، وقوة وارتفاع الأمواج، إلى جانب عدم الالتزام بتعليمات الأمن والسلامة، ونزول البحر في أوقات غير مصرح بها، وذلك بحسب مايقول محمد عوف، مسئول إنقاذ بأحد الشواطئ بالإسكندرية.
مضيفا في تصريحات إعلامية : “وقعت حوادث غرق متعددة، بسبب عدم قدرة المصطافين على السيطرة على أنفسهم داخل البحر في مواجهة سرعة التيار وارتفاع الأمواج، ما يجعل عمليات الإنقاذ بالغة الصعوبة، المأساوي أن الكثير من المصطافين لا يلتزمون بتحذيراتنا من خطورة الأحوال الجوية، ويتهاونون في الالتزام بالتعليمات الأمنية، ما يجعلهم ضحايا لحوادث الغرق المتلاحقة، بينما يعجز أفراد الإنقاذ عن التعامل مع هذه الأعداد من الحوادث”.
ويقول قائد مبادرة “غواصي الخير” في محافظة الإسكندرية، إيهاب المالحي، لوسائل إعلام عربية: “تعتبر الشواطئ الغربية مثل العجمي والساحل الشمالي، هي الأكثر خطورة على أرواح المصطافين، لدرجة إطلاق اسم (شاطئ الموت) علي أحد شواطئها الذي يشتهر بكثرة حوادث الغرق، الشواطئ لن تصبح آمنة إلا بزيادة التفتيش البحري، وتوفير الإمكانيات اللازمة للمنقذين الذين يعملون في ظروف صعبة بسبب تراكم عوامل خطيرة تصعب معها مهمة إنقاذ الأرواح، فبالإضافة إلى سوء الأحوال الجوية، وارتفاع درجات الحرارة التي جعلت أعداد المصطافين تفوق التوقعات، يشكو عمال الإنقاذ من ضعف الإمكانات والمعدات”.
يتابع المالحي: “ما يزيد الطين بلة أن بعض الشواطئ والقرى السياحية تفضل الاستعانة بأشخاص من دون خبرات أو شهادات معتمدة لتوفير النفقات، ما يمثل خطورة إضافية على حياة المصطافين، بحكم طبيعة عملنا الخطير، يجب أن نتمتع دائما باللياقة البدنية، كما نحتاج وسائل متخصصة مثل القوارب المطاطية والطوافات وسيارات الإسعاف البحرية للوصول إلى الحالات الطارئة سريعا، وكل هذا نفتقده تماما، ما يؤثر على مهمتنا سلبا في مواجهة حالات الطوارئ”.
بدوره، يقول رئيس الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ، سامح الشاذلي، إنه لا توجد جهة في مصر مسؤولة عن مهام الإنقاذ، داعيا إلى إنشاء هيئة عامة للإنقاذ كجهة معتمدة يكون لها حق الضبطية القضائية، وحق التفتيش علي الشواطئ والمسطحات المائية للتأكد من توفر إمكانيات إنقاذ الغرقى.
ويوضح: “الاتحاد جهة إصدار تراخيص وتعليم، وليس من أدواره محاسبة منقذي الشواطئ أو الرقابة عليهم، ولا نستطيع إجبارهم على الحصول على دورات تدريبية في كيفية الإنقاذ، أو تقديم الإسعافات الأولية للناجين. نطالب بتوفير مقومات السلامة والإنقاذ للحد من حالات الغرق، وإلزام الشواطئ والقرى السياحية بتوفير الأدوات لمساعدة المنقذين، وإخضاعهم لدورات تدريبية دورية، وكذلك الالتزام بالأعداد الواجب توافرها وفقاً للمساحة التي تجري مراقبتها”.
رائحة الموت
ومن شواطئ الإسكندرية إلى مطروح ورأس البر وبورسعيد وغيرها، أصبحت أخبار غرق المصطافين أمرا اعتياديا، وبسيناريوهات متشابهة، تشمل رفض الشخص الانصياع لتعليمات عمال الإنقاذ بعدم التوغل لمسافات بعيدة عن الشاطئ، أو عدم السباحة بالتزامن مع ارتفاع الأمواج أو سوء الأحوال الجوية، وتنتهي بانتشال جثمان غريق وسط صراخ أسرته.
ويلاحظ تزايد أعداد ضحايا حوادث الغرق، والتي كان آخرها قبل أيام، حين لقي شابان مصرعهما غرقا في الإسكندرية، الأول في شاطئ بحي العجمي، والأخر في إحدى القرى السياحية على الساحل الشمالي، وقبلها لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم غرقا وتم إنقاذ اثنين آخرين، جميعهم من أسرة واحدة، على شاطئ سيدي كرير.
وخلال الشهر الأخير، تمكنت فرق الإنقاذ في مدينة رأس البر بمحافظة دمياط، من إنقاذ أكثر من 100 شخص من الغرق على شواطئها، وقال مدير إدارة الإنقاذ البحري بالمحافظة، وليد الشهاوي، في بيان: إن “فرق الإنقاذ شنت حملات مكثفة لحث المصطافين على عدم الاقتراب من خط الشاطئ خارج أوقات السباحة المصرح بها، والالتزام بتعليمات السلامة لتجنب وقوع المزيد من حوادث الغرق”.
وفي الإسكندرية، كشفت إدارة شاطئ “الهانوفيل” غربي المدينة، عن إنقاذ 18 شخصا من موت محقق، بعد أن جرفتهم الأمواج، وأوضح بيان للإدارة المركزية للسياحة والمصايف في الإسكندرية، أن الحادث وقع بسبب سرعة الرياح والتيارات المائية، منتقداً ما وصفه بـ”عدم تقيد المصطافين بتعليمات رجال الإنقاذ لضمان السلامة”.
ويصف فتحي عوف، وهو أحد منقذي شواطئ شرقي الإسكندرية، الأوضاع بأنها باتت “مقبرة مفتوحة لضحايا الغفلة والإهمال”.
وتعد الشواطئ المفتوحة ملاذ الطبقات المتوسكة والفقيرة لقضاء بعض أيام من صيف مصر القائظ، بعيدا عن حرارة القاهرة والمدن، إلا أن غياب الأمان والسلامة ، بات يطارد المصريين في كل مكان.