تواصل دولة الاحتلال الصهيوني الضغط على نظام الانقلاب الدموي للموافقة على البقاء في محور صلاح الدين ومواصلة احتلاله بعد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما يعد دعما للاحتلال على حساب المقاومة الفلسطينية، وهو ما دأب عليه الحكام الخونة الذين يمالئون الاحتلال الصهيوني والأمريكي على حساب القضايا العربية .
وفي المفاوضات التي استضافتها القاهرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، غادرت الوفود الرسمية من جانبي الصراع دون تحقيق أي تقدم يذكر، إذ لا تزال كل من إسرائيل وحماس يختلفان حول عدد من القضايا الشائكة، بما في ذلك المطالب الإسرائيلية للاحتفاظ بوجود عسكري في محور فيلادلفيا، الذي يمتد على طول حدود غزة مع مصر.
قضية الوجود العسكري في محور “فيلادلفيا” التي هيمنت على المحادثات تلقى معارضة، من حركة “حماس” في حين أن نظام الانقلاب يساوم الصهاينة حولها، ويتجاهل سيطرة الصهاينة على الممر الذي يمتد بطول 14 كيلومترا على الحدود المصرية، منذ مايو الماضي.
في هذا السياق، سلم وفد التفاوض الإسرائيلي السيسي خرائط مقترحة لتموضع القوات الصهيونية في قطاع غزة ومحور فيلادلفيا، وفي حين رفض الوسطاء المصريون في البداية الخرائط التي عرضتها إسرائيل في شأن وجود قوات للجيش على طول محور فيلادلفيا واتفقت معهم الولايات المتحدة في هذا الرفض، طالب كل من المفاوضين المصريين والأمريكيين بـ”نسخة معدلة” وهو ما استجاب له الجانب الإسرائيلي، وفي أعقاب ذلك تحدثت مصادر رسمية أمريكية حول مناخ أكثر إيجابية في شأن المحادثات التي اتخذت طابعا فنيا في شأن مناقشة الخرائط التي تحدد أماكن انتشار الجيش الإسرائيلي.
المنطقة (د)
وتزامنا مع زيارة الوفد الإسرائيلي ووزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن لمصر، بدأ المطبلاتية أبواق العسكر التمهيد لبيع مور صلاح الدين، وزعم الإعلامي أحمد موسى أن محور فيلادلفيا لا يقع ضمن نطاق المنطقة (د) التي تنص عليها اتفاقية كامب ديفيد .
وقال موسى في برنامجه التلفزيوني بقناة صدى البلد: إن “المنطقة (د) تقع داخل إسرائيل، بينما محور فيلادلفيا يقع داخل غزة، وهي ليست أراضي إسرائيلية”.
وعرض خريطة تفصيلية توضح النقاط التي ينطوي عليها المحور الأمني في اتفاقية كامب ديفيد، والتي تظهر النقاط “أ، ب، ج” التي تقع داخل الحدود المصرية والنقطة (د) التي تقع داخل الحدود الإسرائيلية مقتطعا منها محور فيلادلفيا، .
وأشار إلى أن المحور تابع لقطاع غزة ولا تنطوي عليه معاهدة 1979، زاعما أن هذا المحور لا علاقة له بمصر وهو أرض فلسطينية.
وشدد موسى على أن محور فيلادلفيا، لا يخضع للمنطقة (د) الموجودة في الاتفاق بيننا وبين إسرائيل .
كامب ديفيد
حول هذه الأزمة قال مصدر مطلع: إن “الحديث عن أن محور فيلادلفيا لا يدخل ضمن نطاق اتفاق كامب ديفيد، ربما يكون محاولة لجس النبض أو التمهيد، مشيرا إلى أن السيسي مقبل بالفعل على تفاهم ما في شأن حجم القوات الإسرائيلية التي يمكنها البقاء في المحور مقابل عقد اتفاق لوقف إطلاق النار في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة داخل القطاع، لكن بشرط وجود ضمانات أمريكية بالانسحاب خلال مدى زمني قصير”.
وأشار المصدر إلى أن مصر ترفض الطلب الإسرائيلي باستمرار الوجود العسكري في فيلادلفيا، ليس فقط، لأنه ربما يشكل انتهاكا لاتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979، لأنه في نهاية المطاف يمكن الاتفاق بين الطرفين في شأن أي وجود عسكري في المناطق منزوعة أو مخففة السلاح مثلما حدث عام 2021 عندما زادت مصر عدد قواتها في إطار ما سماه السيسي بجهود مكافحة الإرهاب .
وشدد على أن السيسي لا يريد أن ينظر إليه على أنه موافق على الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة على عكس الاجراءات التى يتخذها فى الواقع .
استهلاك الوقت
في المقابل أكد محمد إبراهيم الدويري نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الحديث عن وجود قوات إسرائيلية بأعداد معينة يمكن أن تقبل بها حكومة الانقلاب هو حديث من قبيل استهلاك الوقت، لأنه يتناقض مع الموقف المصري، مشيرا إلى أن الموقف المصري واضح تماما تجاه أن الانسحاب الإسرائيلي من محور فيلادلفيا يعد أحد أهم المفاتيح للتوصل إلى الهدنة، وما دامت إسرائيل ترى غير ذلك فإن فرص الوصول إلى الهدنة المنشودة تبتعد .
وأوضح الدويري في تصريحات صحفية أن محور صلاح الدين “فيلادلفيا” الموازي للحدود المصرية يقع كاملا داخل الأراضي الفلسطينية في القطاع وليس له أية علاقة مباشرة بالمنطقة (د) التي تقع كلها داخل أراضي إسرائيل فقط وهي منطقة محددة القوات وبها قوات متعددة الجنسيات للمراقبة، كما ورد في الملاحق الأمنية بالمعاهدة أسوة بالمناطق الموجودة في سيناء وهي ’أ، ب، ج‘”.
وتساءل مستنكرا : لو كان محور فيلادلفيا داخل المنطقة (د) هل كانت إسرائيل انسحبت منه منذ عام 2005 وحتى أشهر قليلة مضت؟ أي هل يمكن لإسرائيل التي ما زالت تحتل أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان منذ نحو 60 عاما أن تترك محور فيلادلفيا الذي يفترض جدلا أو زعما أنه منطقة “د” في أياد فلسطينية لمدة نحو 19 عاما.
وأكد الدويري أن مصر تبذل كل الجهد من أجل التوصل إلى الهدنة الثانية بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على الهدنة الإنسانية الموقتة الأولى التي تمت خلال نوفمبر 2023، ولذلك فإنها لا تمانع في مناقشة المقترحات كافة التي يمكن للأطراف طرحها في أية قضية، مشددا على أن ذلك يستوجب شرطا واحدا، وهو أن تؤدي في النهاية إلى تحقيق الأهداف المعروفة والمعلنة ومن بينها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من محور فيلادلفيا .
وحذر من أن أي حديث عن وجود إسرائيلي دائم في هذه المنطقة تحت أي غطاء يجب أن يكون أمرا مرفوضا تماما، وهو موقف أصيل وثابت وتتواءم معه حركة حماس .
حل وسط
وقال الدكتور عماد جاد الباحث بمركز الدارسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام : “عندما وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد كانت الأخيرة تحتل قطاع غزة، وبالتالي كانت تنطبق عليها البنود المتعلقة بالمنطقة (د) “.
وأضاف جاد في تصريحات صحفية، بما أنها أعادت الاحتلال فإننا نعود لاتفاق 1979 بأن المنطقة (د) لا يجوز زيادة القوات فيها إلا بالاتفاق مع مصر، وهو ما قامت إسرائيل بتجاوزه باحتلال محور صلاح الدين .
وأعرب عن اعتقاده بأن السيسي كان مستعدا لحلول وسط في شأن محور فيلادلفيا، إذ إنه في البداية تم طرح فكرة وجود قوات دولية، ثم طُرحت فكرة انسحاب إسرائيلي تدريجي يسمح باحتفاظ الصهاينة بعدد رمزي من القوات مع وجود ضمانات أن تنسحب لاحقا، لكن إصرار نتنياهو على عدم الانسحاب تماما دفع السيسي للتراجع والعودة إلى المطالبة بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من المحور .
وتوقع جاد أن تكون هناك موافقة انقلابية مبدئية عرضت كحل وسط تنطوي على قبول محدود للقوات الإسرائيلية بشرط أن تنسحب لاحقاً على مدى ستة أشهر، مؤكدا أنه من الصعب القبول باستمرار الوجود الإسرائيلي الكثيف في فيلادلفيا إلا إذا أبرمت صفقة كبيرة.
ولفت الى أن نتنياهو إذا وافق على الانسحاب التدريجي ووقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين فقد يوافق الانقلاب على حلول وسط في شأن حجم القوات والفترة الزمنية، لأن الترتيبات النهائية لن تفسح أي مجال لوجود حماس عسكريا في القطاع .