حشر الإمارات سياسيا بالملف السوداني .. هدف “واشنطن” من مفاوضات جنيف

- ‎فيتقارير

 

رغم الاختصام الحكومي السوداني من الجيش (معبرا عن رغبة شعبية) للإمارات، بسبب تدخلها العسكري في السودان لصالح فرض قوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي) تحت سمع وبصر أعضاء دول العالم في مجلس الأمن، إلا أن ورقة بحثية كشفت أن الإدارة الأميركية لم تكترث باعتراضات قادة الجيش السوداني، وأصرَّت على أن تبدأ المفاوضات بحضور وفود كلٍّ من مصر والإمارات والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وبرعاية الولايات المتحدة والسعودية وسويسرا.

 

وأشارت الورقة التي نشرها موقع (الشارع السياسي) بعنوان (مفاوضات جنيف ومستقبل جهود الوساطة لحل الأزمة السودانية) إلى أن الهدف المُعلن من مفاوضات جنيف كنموذج أخير للتدخل الأمريكي بعد مفاوضات جدة وكنها جزء رئيسي منه، هو التوصُّل إلى وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب في السودان، ووضع حلول للأزمة الإنسانية الناتجة عنها، لا يُمكن أن يتم بمشاركة وفد من قوات الدعم السريع فقط، وغياب وفد الجيش السوداني، لذلك لجأت الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط كبيرة على قادة الجيش، وأمهلتهم بضعة أيام للالتحاق بالمفاوضات.

 

إلا أن محاولة زرع الإمارات قوبلت من الجيش بصلابة في عدم حضور جنيف، وهددهم المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيرييلو، قائلا: إن “المفاوضات التي ستستمر عشرة أيام تُشكِّل فرصة للقوات المسلحة السودانية للمشاركة، مُحذّرًا من أن مُخرجات المفاوضات لن تكون في مصلحتها، وستخسر كثيرًا”.

ورغم أن موعد مفاوضات جنيف انقضى، إلا أن الوسطاء يراهنوان بحسب الورقة على أن يأتي وقت يُقدِّم فيه بعض التنازلات كي يسوقوا نجاح وساطتهم، والأمر يعتمد على حجم الضغوط، التي يُمارسها الوسطاء، إضافةً إلى إمكانية حلحلة الخلافات داخل التحالف الذي يقوده البرهان ومقدرته على حسم قراره.

 

وقالت: إنه “بطبيعة الحال تختلف مفاوضات جنيف عن سابقاتها، إذ يسعى الوسطاء والمُراقبون إلى بناء تصور لاتفاق بينهم، يُركِّز على وضع آلية لوقف الأعمال العسكرية، أو وقف التصعيد، بما يسمح بفتح معابر لإدخال المساعدات الإنسانية، وما يدعم هذا المسعى هو أن مجلس السيادة قرَّر فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد، بهدف السماح لمرور المساعدات الإنسانية الدولية، ما يعني أنها ستعبر مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع بموافقة الجيش السوداني، الأمر الذي قد يُفيد بأن مفاوضات جنيف يُمكنها أن تفتح أبوابًا لجولات تفاوضية مباشرة بين أطراف الحرب السودانية”.

 

ماذا بعد؟

وتوقعت الورقة أن تشهد الساحة السودانية قريبًا الأحداث التالية، ربما تعتمد واشنطن بالأساس في حلحلة الملف السوداني على دبلوماسية التوازن السياسي التي تتسم بها الدبلوماسية السعودية، ومحاولة الوصول من خلال الرياض إلى نقطة توافقية مشتركة برعاية أمريكية، لوقف الحرب وفرض الاستقرار في السودان.

 

وتوقعت أيضا أنه على المستوى الدولي؛ قد يتضاعف الدور الروسي في السودان، فموسكو ترى في السودان امتدادًا لرؤيتها الإستراتيجية في الوسط الإفريقي.

 

ومن جانب آخر، بخلاف مساعي واشنطن، قالت الورقة: إنه “في إطار مساعي باريس لتعزيز نفوذها في سواحل الشرق الإفريقي فستعمل فرنسا على التقارب مع السودان بعد نجاحها مؤخرًا في إقناع المؤسسة المالية الإفريقية بدعم خط أنابيب النفط بين أوغندا وتنزانيا في دلالة واضحة لرؤية باريس لمنطقة البحيرات الإفريقية المرتبطة أمنيًا بدول القرن الإفريقي والسودان”.

 

وعسكريا رجحت الورقة أنه في ظل تمدُّد الحرب ومحاولة مليشيا الدعم السريع السيطرة على ولاية النيل الأزرق الحدودية مع إثيوبيا وجنوب السودان؛ يُرجَّح أن تشهد العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش السوداني تطور نوعي ومُتقدِّم سيُعزِّز فُرص المؤسسة العسكرية في تحرير بعض الولايات من براثن مليشيات الدعم السريع في حال نجاح الجيش في مضاعفة وتيرة الإمداد العسكري الداعم لعمليات الجيش السوداني (قطر، إيران، تركيا).

أجندة واشنطن

مسار الأزمة السودانية بحسب الورقة يشير إلى تدخل بعض القوى الإقليمية والدولية بعقد هُدن، بُغية التوصُّل إلى وقف الحرب في السودان التي دخلت شهرها الـ 17، إلا أنها لم تُثمر.

 

ولكن الورقة لم تجد تفسيرا مباشرا لدعوة أميركا إلى مفاوضات جنيف، كي تنقل مكان التفاوض الرئيس خلال المرحلة السابقة، على الرغم من أنها من المُفترض أن تبنى على التعهُّدات التي تمَّ الاتفاق عليها بين الجيش والدعم السريع في إعلان جدة، بحسب ما أكّد المبعوث الأميركي إلى السودان.

واستدركت الورقة أن الإدارة الأميركية تريد من تحديد أجندة المفاوضات وقائمة الوسطاء ونقل مكان التفاوض، فاعتبر قادة الجيش أنها محاولة أميركية للتنصُّل من الاتفاق السابق، وأن البدء بمفاوضات جديدة يُمكن أن يُفضي إلى منح شرعية لقوات الدعم السريع.

 

وأشارت الورقة إلى الولايات المتحدة تستندد في اقتراحها مسار جنيف إلى أنه بالرغم من موافقة الطرفين على عدة هُدن، لم تتحقّق في الواقع، وبقيت مجرد كلمات مُعلّقة في الهواء، كما أن إعلان جدة ظل حبرًا على ورق من دون تنفيذ، فلم يُبيِّن كيفية تنفيذ الالتزامات الواردة فيه، والآلية التي ستتولى مُتابعة عملية تنفيذ بنوده ومراقبتها، ما يعني أنه كان أقرب إلى إعلان مبادئ، يستلزم تنفيذه جولات أخرى من التفاوض، إضافةً إلى كونه كان جزءًا من اتفاق هدنة لم تُطبَّق، ورتّب التزامات على طرفي الحرب لم يلتزم بها أيٌّ منهما.

 

القيمة المضافة التي ألمحت لها الإدارة الأميركية بحسب الورقة أن “لقاء جنيف يأتي تطورًا نوعيًا، ويمتلك قيمة مُضافة، مُقارنةً بإعلان جدة، وذلك من خلال إشراك مصر والإمارات بصفة مُراقب”.

وخلصت إلى أن مفاوضات جنيف هذه المرة، حيث لا توجد مُؤشرات على كونها ستكون مختلفة عن تلك المفاوضات التي انطلقت في جنيف في 12 يوليو الماضي، وسُميت محادثات جنيف غير المباشرة لسلام السودان، وبرعاية أممية، عبر مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة عن الأخرى التي دعها بلنكن تحت عنوان (محادثات لوقف إطلاق النار تبدأ في 14 أغسطس في سويسرا)، على أن تتشارك السعودية وسويسرا في استضافة جولات التفاوض التي تُناقش وقف القتال وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، فيما ستشارك كلٌّ من مصر والإمارات ، رغم أنها كانت مستثناة سياسيا، والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في المفاوضات بصفة مراقب.

 

https://politicalstreet.org/6786/