يبدو أن فشل أجهزة الاستخبارات العالمية، بما في ذلك الصهيونية والأمريكية والبريطانية، وغيرها في العثور على قادة حركة حماس في داخل غزة، وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي ورئيس الحركة أبو إبراهيم يحيى السنوار، يؤرقهم إلى حد بعيد يصل إلى مدى عام 2018.
ففي تقرير أخير نشر الاثنين لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية كان ضمن سياق التقرير الإشارة إلى “عملية الكوماندوز الإسرائيلية الفاشلة في عام 2018 والتي أشعلت تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحماس لبضعة أيام محاولة من قبل الجيش الإسرائيلي، للتنصت على شبكة الهاتف التابعة لحماس، وفقًا لبيان عام لاحق من حماس، ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على العملية، بحسب الصحيفة.
حد السيف
إلا أنه وفي سياق المتابعات سبق الصحفي تامر من غزة قدرة المقاومة في رصد أي اختراق وذلك منذ وقت مبكر، وعبر @tamerqdh الإشارة للعملية التي أطلق عليها (عملية حد السيف) بقيادة الشهيد نور بركة والتي جرت مساء الأحد 11 نوفمبر 2018، حيث أوقفت المقاومة الفلسطينية ميكروباص من نوع فولكس فاجن وشاحنة نصف نقل مرسيدس في منطقة عبسان الكبيرة شرق خانيونس على مسافة قصيرة من الحدود، بعد عملية مراقبة ومتابعة نتيجة شكوك ميدانية.
وأضاف “تامر”، “كانت هذه اللحظة واحدة من أهم اللحظات في تاريخ المقاومة، بعد كشفها لقوة عسكرية إسرائيلية كانت في عملية خاصة تهدف إلى زرع أجهزة تجسس متطورة في شبكة اتصالات المقاومة، وتحديد مواقع حساسة للمقاومة الفلسطينية”.
محاولات جديدة
وعبر الصحيفة الأمريكية، أراد الاحتلال إيصال رسالة أنه توصل للشبكة الهاتفية الأرضية التي تستخدمها حماس وأن المسألة الآن “فك رموز”.
فقالت: “في بداية الحرب الحالية، كان الوسطاء يسعون إلى التوسط في صفقة رهائن بين إسرائيل وحماس من شأنها أن تمنع الغزو العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة، وأرسلوا رسلاً داخل غزة للقاء أعضاء الجناح المسلح لحماس وتمرير رسائل مشفرة”.
وأضافت، “وقال وسطاء إن السنوار نظم أيضًا مكالمات هاتفية مع وسطاء على شبكة الهاتف الأرضي لحماس في الأنفاق، باستخدام رموز لتحديد اليوم والوقت، بالإضافة إلى الأسماء المستعارة في الرسائل لإعداد المكالمات”.
ونسبت مجددا إلى وسطاء قولهم: إن “السنوار استخدم في بعض الأحيان أسماء الأشخاص الذين كانوا معه في السجن لإخفاء هويته الحقيقية”.
الرسائل المشفرة
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير بعنوان “النظام البدائي للرسائل المشفرة الذي يبقي زعيم حماس على قيد الحياة” إنه “كان من الممكن أن يكون زعيم حماس يحيى السنوار ميتا اليوم، لولا نظام الاتصالات الذي عمل على صقله في السجن، والذي يحميه من شبكة جمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية”.
وأوضحت أن السنوار تجنب إلى حد كبير المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وغيرها من الاتصالات الإلكترونية التي يمكن لإسرائيل تعقبها، والتي أدت إلى زوال نشطاء آخرين، وهو يستخدم نظامًا معقدًا من الرسل والرموز والملاحظات المكتوبة بخط اليد، والتي تسمح له بتوجيه عمليات حماس حتى أثناء الاختباء في الأنفاق تحت الأرض، وفقًا لوسطاء وقف إطلاق النار العرب.
وسطاء الكيان!
ولفتت الصحيفة إلى أنه لم يُشاهد السنوار علنًا منذ بدء الحرب في الخريف الماضي، ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يعتقدون أنه مختبئ في غزة.
وأضافت أن التفاصيل عن كيفية بقاء السنوار على قيد الحياة تكون من وسطاء عرب نقلوا الرسائل ذهابًا وإيابًا خلال محادثات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، والتي لا تتحدث مباشرة مع بعضها البعض.
ونقلت عن الوسطاء أن الرسالة النموذجية من السنوار تكون عادة مكتوبة بخط اليد، ويتم تمريرها أولاً إلى عضو موثوق به في حماس، ينقلها على طول سلسلة من الرسل، وقد يكون بعضهم مدنيين وغالبًا ما تكون الرسائل مشفرة، برموز مختلفة لمستلمين مختلفين وظروف وأوقات مختلفة، بناءً على نظام طوره السنوار وسجناء آخرون أثناء وجودهم في السجون الإسرائيلية.
وأشار الوسطاء إلى أن المذكرة قد تصل بعد ذلك إلى وسيط عربي دخل غزة، أو إلى أحد عناصر حماس الآخرين الذين يستخدمون هاتفًا أو طريقة أخرى، لإرسالها إلى أعضاء الجماعة الإرهابية التي صنفتها الولايات المتحدة في الخارج.
أرق صهيوني
وزعمت الصحيفة أن أساليب اتصالات السنوار باتت أكثر حذرًا وتعقيدًا، بعد ان تمكنت إسرائيل من العثور على رفاقه رفيعي المستوى وقتلهم، وخاصة هجوم بيروت الذي قتل صالح العاروري، نائب الزعيم السياسي لحماس ومؤسس الجناح العسكري للجماعة.
وبالمقابل، أدعت الصحيفة أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لديها بعض أكثر القدرات تطوراً في العالم لاعتراض الاتصالات الإلكترونية، والتي غالبًا ما تسمى استخبارات الإشارات.
وزعمت مجددا أنه بعد وفاة العاروري، تحول السنوار بشكل شبه كامل إلى كتابة المذكرات بخط اليد والتواصل الشفهي، وفي بعض الأحيان كان يوزع التسجيلات الصوتية عبر دائرة صغيرة من المساعدين، وفقا لوسطاء عرب.
ولفتت إلى أنه في أعقاب مقتل العاروري نفذ عدد من عمليات القتل الأخرى لكبار المسؤولين في حماس وحزب الله، مما زاد من الشعور بالضعف.
إصرار على مقتل الضيف
وول ستريت جورنال التي هي صهيونية أكثر من غيرها ما زالت مصرة على أن قائد أركان القسام قتل فقالت: “شنت إسرائيل غارة جوية ضخمة في يوليو الماضي، قالت إنها قتلت القائد العسكري الأعلى لحماس، محمد ضيف، ولم توضح نفي الحركة لهذا الزعم”.
وأضافت “في ذلك الشهر ايضًا، زعمت إسرائيل أنها قتلت إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحماس في ذلك الوقت، في طهران وشنت غارة على مبنى سكني في بيروت أودت بحياة فؤاد شكر، أحد قادة حزب الله الأساسيين الذي أفلت من الولايات المتحدة لعقود من الزمن”.
وقالت “وول ستريت جورنال”:إن “قائد حزب الله تم توجيهه إلى شقة بعد تلقي مكالمة هاتفية من المرجح أن تكون من شخص اخترق شبكة الاتصالات الداخلية لحزب الله”.
نهج بدائي
وقالت الصحيفة: إن “النهج البدائي الذي يتبعه السنوار في التعامل مع الاتصالات يعود إلى نظام استخدمته حماس في سنواتها الأولى، والذي تبناه زعيم حماس عندما اعتُقِل في عام 1988 وسُجِن لاحقًا في سجن إسرائيلي، وفقًا لخبراء في المجموعة”.
وأدعت أنه “قبل سجنه، أسس السنوار شرطة الأمن الداخلي لحماس، والتي تسمى مجد، والتي طاردت المتعاونين المشتبه بهم وكانت نشطة في السجون “الإسرائيلية”.
خطة السجون
وأدعت الصحيفة أن وحدة مجد التي أسسها السنوار جندت عملاء داخل السجن يُطلق عليهم “السواعد” الذين قاموا بتوزيع الرسائل المشفرة من قسم إلى آخر، وفقًا لكتاب “ابن حماس” الذي كتبه عميل سابق في حماس تحول إلى جاسوس “إسرائيلي”.
وزعمت أن السواعد، وهو لقب مشتق من الكلمة العربية للساعدين، يلف الرسائل المكتوبة بخط اليد في خبز أبيض، ويشكلها على شكل كرات، ثم يتركها تجف وتتصلب ومثل لاعبي البيسبول، كان العملاء يرمون الكرات من قسم إلى آخر في السجن، وهم يصرخون “بريد من مقاتلي الحرية”.
وقدرت “إسرائيل” أن السنوار أمضى سنوات في التخطيط لحرب كبرى مع “إسرائيل”، بما في ذلك بناء شبكة أنفاق واسعة.
ونقلت عن “ميلشتاين”، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية”، أن استعداداته شملت على الأرجح إنشاء نظام اتصالات من شأنه أن يتغلب على جمع المعلومات الاستخباراتية الحديثة، وهذه الأساليب فعالة للغاية لدرجة أن مطارديه لا يستطيعون استبعاد أنه ليس في غزة.
وبخلاف بيان حماس زعمت الصحيفة أنه “أدى نهج السنوار الحذر في بعض الأحيان إلى إبطاء المفاوضات لإنهاء الحرب، التي تسببت الآن في مقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، وفقًا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين، الذين لم يذكروا عدد المقاتلين”.
وأضافت لإدعاءاتها أنه “في نقاط حاسمة في مفاوضات وقف إطلاق النار، أصبح السنوار بعيد المنال، وفي أوقات أخرى، كان ينقل الرسائل مباشرة تقريبًا، ومن غير الواضح ما إذا كان تأخير الاتصال تكتيكًا تفاوضيًا أم انعكاسًا لبروتوكولات السنوار الصارمة”.
وأشارت إلى تمكن السنوار من التواصل بسرعة عند الضرورة، وكتب في رسالة إلى هنية في أبريل بعد مقتل 3 من أبنائه في غارة جوية إسرائيلية: “نقدم لك ولعائلتك الموقرة تعازينا القلبية وبركاتنا على تضحياتك المقدسة”.
ووصلت هذه الرسالة إلى هنية عبر رسل بعد ساعات فقط من مقتل الأبناء وفقًا لمسؤولين عرب.
وفي يونيو، سافر كبار المسؤولين الأميركيين بما في ذلك مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز إلى الشرق الأوسط لدفع إسرائيل وحماس نحو وقف إطلاق النار، وأجرى بيرنز محادثات مع رئيس الوزراء القطري ورئيس المخابرات المصرية في الدوحة، اللذين التقيا بعد ذلك بهنية لإجبار مسؤولي حماس على التوصل إلى اتفاق مع التهديد بالعقوبات والاعتقال، وخلال ذلك الاجتماع، نقل السنوار رسائل مباشرة، ورفضت حماس الموافقة على وقف القتال ما لم تقدم إسرائيل التزامًا مكتوبًا بوقف إطلاق النار الدائم، وفقًا لوسطاء عرب وليس من الواضح كيف كان السنوار ينقل أوامره.