في مصر السيسي، باتت البلاد بلد العجائب، وفيها كل شيء وعكسه، تضارب وتشتت وفقدان للبوصلة، وانهيار منظومة الحكم الرشيد، أصبح لكل مؤسسة نهج يتغير لحظياً، وتعمل بلا بوصلة موحدة أو استراتيجية واضحة.
في تصريح صادم، وبعد 12 عامًا من إفشال المفاوضات وتقديم التنازلات عن نصيب مصر في مياه نهر النيل، قال الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، إن مصر تحتاج إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، وأن مواردنا لا تتعدى 60 مليارًا، مما يعني أننا بحاجة إلى 60 مليار متر مكعب إضافية لتلبية احتياجاتنا.
وأشار سويلم إلى أن إعادة استخدام الصرف الزراعي والصرف الصحي يوفر 21 مليار متر مكعب، وتعد مصر الأكبر في المنطقة في إعادة استخدام المياه المعالجة، حيث تملك ثلاث من أكبر محطات معالجة المياه في المنطقة، من بينها محطة بحر البقر بطاقة 5.6 مليون متر مكعب يوميًا، ومحطة الدلتا بطاقة 7.5 مليون متر مكعب.
ورقة اللاجئين
بدلاً من أن يوجه وزير الري اتهاماته إلى إثيوبيا، التي تلاعبت بمصر وساستها لأكثر من عقد من الزمان في مفاوضات مدبرة لتنتهي إلى لا شيء، أشار الوزير إلى استضافة مصر عدة ملايين من النازحين العرب والأفارقة بسبب الأوضاع السياسية في بلدانهم، مما يزيد من معاناة ندرة المياه وعدم كفاية موارد مصر، ولفت إلى ضرورة التوسع في تحلية مياه البحر والتعاون العربي، خاصةً الخليجي، في إنتاج الطاقة المتجددة واستخدامها في عمليات التحلية، حيث إن التكلفة الرئيسية لمشروعات التحلية تتعلق بنسبة 100% من سعر الطاقة.
وأضاف الوزير في حديث لوسائل الإعلام أن تحركات وتصرفات إثيوبيا في بعض الأحيان غير مبررة وغير علمية، وأن هناك اضطراباً في عملية ملء السد وتشغيله.
وأشار إلى أن أديس أبابا تواصل ملء سد النهضة بشكلٍ أحادي، وأن المفاوضات معها ليست إلا استهلاكًا للوقت وغطاءً سياسيًا للوصول إلى الملء النهائي.
وأكد سويلم أن فشل المفاوضات على مدار 12 عامًا سببه عدم وجود الرغبة السياسية للوصول إلى اتفاق.
حجم الضرر
وعند سؤاله عن حجم الضرر على مصر حالياً من سد النهضة، قال: “لا نستطيع تقدير حجم ضرر السد على مصر إلا بعد انتهاء الموسم والملء بشكلٍ كامل”، مضيفاً أن هناك فترات جفاف قد تأتي في المستقبل، وقد تؤثر على الأمن المائي لمصر.
وشدد سويلم على أنه لا يوجد مسار بديل للحفاظ على أمن مصر المائي غير مياه النيل، مؤكدًا أن مصر لا تستطيع التنازل عن متر مكعب واحد من تلك المياه.
مفاوضات الـ12 عامًا حول سد النهضة كانت استهلاكًا للوقت
وفي حديثه، عاد سويلم إلى منطق العقل والفهم السياسي الذي تحدثت به قوى المعارضة والمناوئين للسيسي، بأن المفاوضات مع إثيوبيا كانت لشراء الوقت وتمكين إثيوبيا من السيطرة على شريان حياة المصريين.
وأشار إلى أن ما حدث على مدار الـ12 عامًا الماضية كان استهلاكاً للوقت لإنهاء عملية بناء السد، ووضع غطاء سياسي للأزمة عبر تمرير رسالة بأن هناك تفاوضًا.
وفي خضم هذه الأحداث، حاولت مصر وضع العديد من الحلول على طاولة النقاش، لكنها قوبلت بحجج واهية، وعرفنا في النهاية أنه لا توجد رغبة في التوصل إلى اتفاق.
وأوضح وزير الموارد المائية والري أن الاستثمارات في قطاع المياه خلال السنوات العشر الماضية تجاوزت 243 مليار جنيه مصري، مضيفًا أن المياه ترتبط بمجالات أخرى مثل الزراعة والطاقة، وهناك استثمارات قد تكون بأضعاف هذا الرقم تمت عبر هذه المجالات.
وفي مقارنته لحصة الفرد السنوية من المياه المتعارف عليها عالميًا مع حصة الفرد في مصر بعد بدء أزمة سد النهضة قبل 12 عامًا، أوضح سويلم أن حصة الفرد عالميًا تبلغ 1000 متر مكعب سنويًا، بينما حصة الفرد من المياه في مصر تقترب من 500 متر مكعب سنويًا، أي أن لدينا عجزاً مائيًا يقترب من 50% من المياه المتاحة في مصر، وهو ما نحاول تغطيته عبر استيراد المياه في شكل محاصيل زراعية كالقمح.
تصريحات متضاربة
تأتي تصريحات وزير الري عكس ما صرح به السيسي سابقًا، حيث طالب قائد الانقلاب في مايو الماضي المستثمرين بمناقشة قضية استخدام المياه، واستدرك قائلاً: “إن المياه لدينا في مصر ليست متوفرة بهذه البساطة، ولو أردنا أن نستفيد من كل نقطة مياه، فإننا نحتاج إلى تطوير نظم الري والزراعة واختيار التقاوي والبذور المناسبة للاستخدام.”
وقال السيسي إن تدوير ومعالجة مياه الصرف الزراعي لاستخدامها مرة أخرى ينتج عنه ارتفاع نسبة الملوحة، التي لا تنسجم مع بعض المحاصيل الزراعية التي تحتاج إلى الري بمياه النيل والآبار لزراعتها بجودة عالية، مطالبًا بتدخل وزارة الزراعة والباحثين والشركات العالمية لمعالجة هذه المشكلة.
وأضاف أن هذه المشكلة تعد أحد التحديات الكبيرة التي تواجهها الدولة في ظل تنامي عدد السكان الذي وصل إلى 106 ملايين نسمة، بالإضافة إلى تواجد 9 ملايين ضيف داخل مصر، مشيرًا إلى أن مصر تواجه تحديًا كبيرًا في مسألة توفير المياه، مما يكلف الدولة مبالغ ضخمة لإنشاء محطات لتحلية المياه.
مصر تتوجه إلى مجلس الأمن
شهدت الفترة الماضية توترات بين القاهرة وأديس أبابا بعد فشل كل سبل التفاوض حول مياه نهر النيل بسبب مشروع سد النهضة.
وفي مطلع سبتمبر الجاري، وجه الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، خطابًا إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي حول المرحلة الخامسة من ملء “سد النهضة”.
وأكد وزير الخارجية رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021. وأشار إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي تُعد غير مقبولة جملة وتفصيلاً بالنسبة للدولة المصرية.
الرد الإثيوبي
ردت إثيوبيا برسالة إلى مجلس الأمن زعمت فيها أن مصر شاركت في المفاوضات على مدار العقد الماضي بهدف وحيد هو عرقلة تقدمها والعودة إلى مواقف متشددة وغير معقولة، معتبرة أن تمسك مصر بحصتها التاريخية من مياه النيل هو تمسك بصفقات الحقبة الاستعمارية وعدم القبول بأي نتيجة مغايرة.
غياب التحرك العلمي وراء استمرار التعنت الإثيوبي
وأرجع الخبير الدولي بوكالة ناسا، د. عصام حجي، عدم الوصول إلى حل لأزمة سد النهضة إلى غياب التحرك العلمي، والفشل من جانب مصر.