بعد أيام من رفض أمريكا بيع مصر صفقة طائرات “إف 35” الهجومية المتقدمة، التي تمتلك منها إسرائيل أسرابًا عديدة، مما يحقق لها ميزة تنافسية عسكرية وتفوقًا كبيرًا على مصر، وافقت الإدارة الأمريكية على منح مصر صفقة صواريخ دفاعية، مما أثار الاستغراب حول دوافع الصفقة التي لا تحتاجها مصر في تلك المرحلة، في الوقت الذي تواجه فيه تحديات أكبر في توفير سلاح طيران بعيد المدى يحقق الردع العسكري المصري مع التحديات الخارجية، سواء مع إسرائيل أو إثيوبيا.
وهذا يحمل الكثير من التكهنات والأسرار، التي قد تجيب عنها الأيام المقبلة، في ظل رهانات أمريكية على الاصطفاف مع مصر وبجانب إسرائيل، لمواجهة الهجمات الصاروخية البعيدة من قبل إيران وحلفائها ضد إسرائيل.
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية مساء أمس الثلاثاء موافقتها على صفقة عسكرية محتملة مع الحكومة المصرية بقيمة تُقدَّر بـ 740 مليون دولار، تتضمن صواريخ “ستينغر” التي أثبتت نجاحها في أوكرانيا في مواجهة الهجمات الروسية المستمرة منذ فبراير 2022.
قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن وزارة الخارجية في واشنطن وافقت على صفقة الصواريخ، التي تُعتبر مطلوبة بشدة في أوكرانيا نظرًا لقدرتها على ردع الهجمات الروسية من الجو، وكذلك في الدول الأوروبية المجاورة التي تخشى أنها قد تحتاج إلى صد القوات الروسية.
وأضافت الوزارة أن “البيع المقترح من شأنه أن يُحسن قدرة مصر على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية من خلال تعزيز قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد الجهات الفاعلة الإقليمية الخبيثة، وتحسين التوافق مع الأنظمة التي تديرها القوات الأمريكية وشركاء الأمن الإقليميين الآخرين”.
وستثبت مصر صواريخ “ستينغر” على مركبات مزودة بنظام إطلاق “أفنجر” بدلاً من قاذفات محمولة على الكتف.
تحول في الموقف الأمريكي
في 12 سبتمبر الجاري، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة الرئيس جو بايدن تغاضت عن اشتراطات حقوق الإنسان المتعلقة بالمساعدات العسكرية لمصر، ومنحتها بكامل قيمتها البالغة 1.3 مليار دولار هذا العام، وذلك لأول مرة في عهد الإدارة الحالية.
وزعم المتحدث باسم الخارجية أن واشنطن تواصل “حوارًا صارمًا مع الحكومة المصرية حول أهمية تعزيز حقوق الإنسان بشكل ملموس، وهو ما يُعتبر حاسمًا في استدامة أقوى شراكة ممكنة بين الولايات المتحدة ومصر.”
وقال المتحدث باسم الخارجية إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أبلغ الكونغرس الأربعاء بأنه سيعلق شرط التصديق على مبلغ 225 مليون دولار، المرتبط بسجل مصر في حقوق الإنسان، استنادًا إلى “مصلحة الأمن القومي الأمريكي.”
وادعى المتحدث باسم الخارجية أن “هذا القرار مهمٌ لتعزيز السلام الإقليمي، ومساهمات مصر المحددة والمستمرة في أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة، وخاصة لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، والمساعدة في تحقيق نهاية دائمة للصراع بين إسرائيل وحماس.”
قال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، الذي يرأس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إن واشنطن حجبت في السابق المساعدات العسكرية عن مصر لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان مع الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع القاهرة.
أضاف ميرفي: “لا يخفى على أحد أن مصر لا تزال دولة استبدادية شديدة القمع، ولا أرى أي سبب وجيه لتجاهل هذه الحقيقة بالتنازل عن هذه المتطلبات.”
ظلت القاهرة حليفًا إقليميًا مقربًا من واشنطن على الرغم من الاتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق تضمنت التعذيب والاختفاء القسري في ظل حكومة السيسي.
ويأتي هذا في وقت تعتمد فيه واشنطن كثيرًا على القاهرة، الحليف القديم للولايات المتحدة، للتوسط في المحادثات غير الناجحة حتى الآن بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار لإنهاء الحرب في قطاع غزة.
ومن بين 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي المخصص لمصر، يخضع 320 مليون دولار لشروط تسببت في حجب جزء من هذا المبلغ على الأقل في السنوات القليلة الماضية.
قال سيث بيندر، المسؤول الحقوقي في مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إن نحو 970 سجينًا أُطلق سراحهم منذ سبتمبر الماضي، لكن 2278 مصريًا على الأقل اعتُقلوا تعسفياً في الفترة نفسها، وفقًا للبيانات التي جمعها المركز وجماعات مصرية لحقوق الإنسان.
قال: “لا يوجد تقييم معقول يجعل المرء يقول إن هناك تقدمًا في وضع حقوق الإنسان في مصر، فما زالت هناك أزمة هائلة”، وأشار إلى عشرات الآلاف من السجناء السياسيين الذين لا يزالون محتجزين في البلاد.
يُشار إلى أن إسرائيل استخدمت الأجواء المصرية في صد الهجمات الإيرانية على مناطق إيلات ومناطق عدة في إسرائيل، كما ساهمت مصر في صد هجوم إيراني سابق على إسرائيل، وهو ما يبدو أنه الدور الإقليمي الذي تسعى واشنطن لتثبيته عبر صفقة الصواريخ الجديدة لمصر، والتي تُقيد مصر في نطاق ضيق، ولا تجعلها متحررة في معارضة التمدد الصهيوني على مناطق معبر رفح وممر “فلادليفيا”، الذي تحتله إسرائيل.
بينما تحتاج مصر لطائرات “إف 35” لتحقيق ردع فعليّ ضد إسرائيل في مواجهة مصر وإثيوبيا، التي تهدد الأمن القومي المصري وتحرم شعبها من مياه النيل، ترفض أمريكا ذلك تمامًا، مما يجعل التسليح الأمريكي لمصر غير ذي جدوى في مواجهة إثيوبيا، كما أنه غير ذي جدوى مع إسرائيل التي تمتلك الصواريخ والطائرات الأحدث في مواجهة جميع جيرانها العرب، ومنهم مصر.