الأنسولين وأدوية القلب والضغط والأورام والجلطات غير موجودة.. صيدلية الإسعاف تفضح أزمة نقص الدواء

- ‎فيتقارير

 

طوابير طويلة ومشاهد مأساوية أمام صيدلية الإسعاف، تكشف إلى أي حد وصلت أزمة نقص الأدوية ومعاناة أصحاب الأمراض المزمنة من أجل الحصول على العلاج في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار بسرعة البرق ولا تكلف حكومة الانقلاب نفسها أي عناء لمساعدتهم أو على الأقل توفير الأدوية لهم .  

المشاهد المأساوية تجسد جانبا من الألم والمعاناة اليومية لملايين المرضى بحثا عن الدواء الذي صار حلما بعيد المنال، يتطلب تحقيقه صراعاً مريراً في طوابير طويلة تتخطى كل حدود الصبر.  

أمام صيدلية الإسعاف، تتجمع مشاهد إنسانية تفجع القلوب وتدمي العيون، لصفوف المرضى المتراصين لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، متحدين آلامهم في معركة بائسة للحصول على جرعة دواء.  

مشهد الزحام ونقص الأدوية خلق مأساة أكبر من مجرد أزمة نقص دواء، وزرع حالة من فقدان الأمل لدى ملايين المرضى الذين يتوافد منهم أعداد كبيرة إلى صيدلية الإسعاف كملاذ أخير للحصول على الأدوية الغائبة عن صيدليات مصر.  

يشار إلى أن قائمة الأدوية التى تشهد نقصا كبيرا : دواء الأنسولين والعقاقير الخاصة بمرض السكر وأدوية مرضى القلب المزمن وجميع أنواع الفوارات الخاصة بالأملاح وحصوات الكلى، وعلاج مرضى الأورام، وعلاج الجلطات، وعلاج مرضى الضغط.  

  

واقع أليم  

  

حول هذه المأساة قالت  منال محمد واحدة من المترددين على الصيدلية: إنها “تأتي كل يوم من محافظة المنوفية، للحصول على علاج لمرض الأورام”.  

وأضافت : أقف أمام صيدلية الإسعاف منذ الصباح الباكر، حيث الكل يصرخ من الألم ومن خوف عدم الحصول على الدواء، مشيرة إلى أن نقص الأدوية يسبب حالة ذعر وإحباط بين المرضى، الذين يشعرون بالمرارة تجاه نظام صحي يبدو أنه فقد الاتصال بالواقع الاليم للمرضى”.  

  

الأنسولين   

  

وسط طوابير صيدلية الإسعاف تقف «عبير» التي تعاني من مرض السكري المزمن، وفشلت في الحصول على زجاجة واحدة من دواء الأنسولين، رغم أنها بحثت عنه في جميع صيدليات محافظة القليوبية.  

وقالت «عبير»: “توجهت إلى صناديق زكاة المساجد التي تجمع الأدوية للمرضى غير القادرين، لكن لم أجد أي نوع من الأنسولين، ولم يعد أمامي سوى ترك المرض ينهش جسدي أو البحث عن بديل للأنسولين”.  

وأشارت إلى أنها وجدت عقاقير بديلة، لكن لما تناولتها اشتد عليها المرض أكثر وأكثر، ما اجبرها على التوجه إلى صيدلية الاسعاف، على أمل أن تفوز بحقنة أنسولين واحدة.  

وأكدت «عبير» أنها تقضي ساعات في الطابور تحت حرارة الحارقة، وكأنها في سباق مع الزمن، وكل أمنيتها أن تعود إلى المنزل مع الدواء الذي يمكن أن يحفظ حياتها ويخفف آلامها .  

وتابعت : الانتظار أمام صيدلية الإسعاف ليس مجرد وقت ضائع، بل هو دهر من القلق والتوتر الذي يعصف بصحتي أكثر من المرض نفسه، وكل ذلك في غياب تام للمسئولين.  

  

إهمال صحي 

  

على رصيف صيدلية الإسعاف يجلس «إبراهيم»، والد لطفلين في مراحل التعليم المختلفة، يروي قصته مع الانتظار للحصول على دواء خاص لعلاج الأورام السرطانية، مؤكداً أنه يتواجد كل يوم أمام صيدلية الاسعاف على أمل أن يجد الدواء، لكن غالبًا ما يعود بخيبة أمل.  

وأضاف : كثيرا ما أرى في عيون أطفالي سؤالا عن سبب قلقي، ولا أستطيع أن أشرح لهم أن حياتي تعتمد على بضع حبات من الدواء التي أبحث عنها في طوابير لا تنتهي ووسط صرخات المرضى التي تزداد يوما تلو الآخر.  

وأكد إبراهيم أن الآثار النفسية لنقص الأدوية تضيف عبئًا إضافيًا بجانب معاناة آلام المرض، ويشعر المرضى بالمرارة لعجز النظام الصحي عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، ما يجعل معاناتهم تتجاوز حدود المرض الجسدي إلى آلام نفسية عميقة. 

وأشار إلى أن أزمة نقص الأدوية تكشف عن بعد إنساني مؤلم، للإهمال الصحي، يجسد فيها المرضى صورة حية لمرارة النقص والإهمال، فالأدوية لم تعد مجرد وسيلة لعلاج الأمراض، بل أصبحت رمزًا للأمل المفقود في نظام يعاني من ضعف شديد في الاستجابة للاحتياجات الطبية للمواطنين.  

وتابع إبراهيم : مع كل لحظة يمر بها المرضى في الطوابير، يتساقط الأمل مثل أوراق الشجر في فصل الخريف، تاركا خلفه صرخات إنسانية تدعو إلى التعاطف والتحرك الفوري، من مسئولي قطاع الصحة.  

  

عضلة القلب  

  

تحكي «خلود إسماعيل» مأساتها على رصيف صيدلية الإسعاف، وتقول طفت على كل الصيدليات في محافظة الجيزة، بحثا عن علاج تنشيط عضلة القلب لابنتي، فلم أسمع من جميع الصيدليات سوى جملة واحدة وهي «مش موجود ومتلفيش عليه».   

وأضافت خلود : الكل نصحني بالذهاب إلى صيدلية الإسعاف لوجود كافة أنواع الأدوية بها، لكني فوجئت أنه غير موجود أيضا في صيدلية الاسعاف، مشيرة إلى أن هذا هو العلاج الوحيد، الذي يحسن من صحة طفلتها ويعزز قدرة عضلة القلب، ويساعد على تحسن حالتها الصحية.  

  

سوق سوداء  

  

أميمة إبراهيم 51 عاماً من سكان الطلبية، تعاني من مرض كلوي مزمن، تقول عن رحلتها الصعبة مع السوق السوداء : “كنت أذهب إلى الصيدليات الكبرى، للحصول على دواء خاص بتنشيط الكلى، بعد خضوعى لعدة عمليات جراحية، لكن الأدوية الأساسية التي أحتاجها لم تكن متوفرة، فاضطررت للبحث في السوق السوداء بسبب نقص الأدوية، ووجدت الأدوية بأسعار خيالية تتخطى السعر الأساسي 400% ودفعت أضعاف ما كنت أدفعه، ولم يكن لدى خيار آخر سوى الألم أو الشراء من السوق السوداء”.  

  

سعيد الملاح رجل ستيني جاء من صعيد مصر إلى صيدلية الإسعاف، بحثا عن دواء لمرض السرطان، يقول لم أعد قادرا على شراء الأدوية الشهرية، خاصة بعدما اختفى أكثر من 80% منها، فلم أتمكن من العثور عليها في الصيدليات.  

وأكد أنه لجأ إلى تجار أدوية السوق السوداء، للحصول على ما يحتاجه من دواء، لتخفيف آلامه حيث استغل التجار الأزمة فرفعوا أسعار جميع الأدوية، ولم يراعوا الظروف المعيشية الخاصة بالمرضى.  

وأضاف الملاح : شعرت بالإحباط لأنني كنت أدفع مبالغ طائلة مقابل أدوية قد تكون منتهية الصلاحية أو غير فعالة، ولكني أتعلق بأمل تخفيف آلام السرطان الذي يسري في جسدي.  

وتابع: اضطررت لبيع بعض ممتلكاتي من أجل شراء الأدوية من السوق السوداء، والآن لم يعد لدى شيء أبيعه فقطعت مئات الكيلو مترات من الصعيد إلى القاهرة على أمل أن أجد الدواء الذي أبحث عنه في صيدلية الإسعاف .