تعرّض محيط معبر رفح ومحور صلاح الدين لقصف إسرائيلي متكرر، وذلك بذريعة استهداف الأنفاق التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية لتهريب الأسلحة والبضائع. هذه الهجمات أدت إلى تدمير أجزاء من البنية التحتية للمعبر، ما أعاق القدرة على استخدام المعبر بفعالية في بعض الأوقات، وزاد من التوتر بين مصر وإسرائيل، حيث اعتبرت القاهرة أن هذا القصف يشكل تهديداً لأمنها القومي. وشهدت المنطقة المحيطة بمعبر رفح ومحور صلاح الدين حالة من التوتر الشديد، وسط مخاوف من توسع رقعة الصراع أو انتقال العمليات العسكرية إلى داخل الأراضي المصرية.
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد أعلن فى 19 يونيه الماضى ، إن معبر رفح (جنوبي قطاع غزة) لم يعد صالحا للاستخدام بعد تدمير الجانب الفلسطيني منه بالكامل.
وأضافت “بسبب قربه النسبي من الحدود، يستخدم الجيش الإسرائيلي المعبر كنقطة توقف واستراحة”.
وفي السابع من مايو الماضي، سيطر الجيش الإسرائيلي على المعبر، بعد يوم من إعلان تل أبيب بدء عملية عسكرية في مدينة رفح التي كانت تكتظ بالنازحين، متجاهلة تحذيرات دولية بشأن تداعيات ذلك.
وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع منذ سيطرة إسرائيل على المعبر، جراء منع دخول المساعدات وتوقف حركة مرور المرضى والجرحى إلى الخارج لتقلي العلاج، إثر خروج معظم مستشفيات القطاع عن الخدمة.
في السياق، أشارت إذاعة جيش الاحتلال إلى أنه يسيطر “بشكل جيد” على محور فيلادلفيا على الحدود بين قطاع غزة ومصر.
وقالت “لقد بدأ الجيش الإسرائيلي بالفعل بالتفكير في محور فيلادلفيا على المدى الطويل، وكيفية التمسك به لفترة طويلة”.
وفي السابع من يونيو الماضى ، أكمل جيش الاحتلال سيطرته على محور فيلادلفيا، بعد أيام من سيطرته ناريا على الشريط الحدودي بين القطاع ومصر.
ومحور فيلادلفيا، أو محور صلاح الدين، هو شريط حدودي بين مصر وقطاع غزة يمتد داخل القطاع بعرض مئات الأمتار وطول 14.5 كيلومترا من معبر كرم أبو سالم حتى البحر المتوسط.
وهذا المحور جزء من المنطقة الحدودية التي تقع ضمن الأراضي الفلسطينية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية بموجب اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979.
لكن وضع هذا المحور تعدّل بموجب اتفاق فيلادلفيا الذي وقعته إسرائيل مع مصر في سبتمبر/أيلول 2005، بعد انسحابها من قطاع غزة.
وبموجب الاتفاق الذي تعتبره تل أبيب ملحقا أمنيا لاتفاقية كامب ديفيد ومحكوما بمبادئها العامة وأحكامها، انسحبت إسرائيل من المحور وسلمته مع معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية.
وسُمح بنشر 750 من جنود حرس الحدود المصريين على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة بمهمة محددة، وهي مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق.
وعام 2007، سيطرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على غزة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، وخضع محور فيلادلفيا لهيمنتها، في حين فرضت إسرائيل حصارا خانقا على القطاع.
وخلّفت الحرب الإسرائيلية المدمرة والمتواصلة غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي أكثر من 122 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وقرابة 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأشخاص.
وتواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قرارين من مجلس الأمن الدولي يطالبانها بوقف القتال فورا، وأوامر من محكمة العدل الدولية بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.
ومنذ انسحاب الاحتلال من غزة في عام 2005، أصبح معبر رفح البوابة الوحيدة غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. ومع ذلك، بقي المعبر تحت رقابة مشددة من الجانبين المصري والإسرائيلي في فترات النزاع، ويخضع لسياسات معقّدة ناتجة عن الأحداث الأمنية والسياسية في المنطقة. في 7 أكتوبر 2023، ومع بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس”، ومع تصاعد القتال، أغلقت مصر معبر رفح أمام حركة المسافرين والبضائع. وركزت قوات الاحتلال على استهداف الأنفاق الحدودية في محور صلاح الدين، حيث ادعت إسرائيل أن هذه الأنفاق تُستخدم لتهريب الأسلحة من قطاع غزة وإليه. وتعرّضت المنطقة لقصف مكثف خلال الأيام الأولى من الحرب، ما تسبّب في دمار واسع النطاق.
استفزازات إسرائيلية
لم تكد تمر أيام قليلة على بدء العدوان على غزة، حتى قامت قوات الاحتلال باستهداف القوات المصرية الموجودة على الجانب الآخر من الحدود. ففي 22 أكتوبر 2023، أعلن الجيش الإسرائيلي أن إحدى دباباته أصابت “عن طريق الخطأ موقعاً مصرياً” بالقرب من الحدود مع غزة. وأعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية أن “إصابات طفيفة” وقعت لبعض عناصر المراقبة الحدودية، بعد إصابة أحد أبراج المراقبة على الحدود المصرية بشظايا قذيفة من دبابة إسرائيلية “عن طريق الخطأ”. وقال إن “الجانب الإسرائيلي أبدى أسفه على الحادث غير المتعمد فور وقوعه، وجارٍ التحقيق في ملابسات الواقعة”. وفي 27 مايو/أيار 2024، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الجانب المصري من الحدود، ما أدى إلى مقتل جندي مصري واحد على الأقل. وقال جيش الاحتلال إن الحادث قيد التحقيق، مشيراً إلى “اتصال مع الجانب المصري”.
ومع تزايد أعداد الضحايا في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي العنيف، تكثّفت الضغوط الدولية على مصر لفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية والإجلاء. وكانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أوروبية عدة من بين الأطراف التي مارست الضغوط على القاهرة لتيسير وصول الإمدادات الغذائية والطبية إلى القطاع. وفُتح المعبر بشكل متقطع لتسهيل مرور قوافل المساعدات الإنسانية، ولكن حركة الإمدادات كانت محدودة بسبب الأوضاع الأمنية المتردية والتدمير الذي لحق بالبنية التحتية على الجانب الغزي.
القصف الإسرائيلي على معبر رفح
محور صلاح الدين كان أحد أبرز الأهداف العسكرية خلال الحرب، إذ كثّفت إسرائيل هجماتها على الأنفاق الحدودية، وادعت أنها تشكّل تهديداً لأمنها من خلال استخدامها لتهريب الأسلحة والمقاتلين. هذا القصف أدى إلى تدمير عدة أنفاق وزاد من تعقيد الوضع الإنساني في غزة، حيث يعتمد السكان على هذه الأنفاق أيضاً لتأمين السلع الأساسية. أثّر القصف على المعبر، وتعرّضت مناطق قريبة من معبر رفح للقصف الجوي، ما زاد من صعوبة فتح المعبر بشكل آمن ومستمر أمام المساعدات. وفي مايو/أيار الماضي، فَقَد الغزيون أملهم الأخير، الذي كان معلّقاً على المنفذ البري الوحيد المتوفر، بعد انتشار فيديوهات تصوّر معبر رفح بعد اقتحامه من قوات الاحتلال والسيطرة عليه على مدار حوالي شهر ونصف شهر، وقد دُمّر بالكامل في جهتي الاستقبال والمغادرة. وكان قد صمد باعتباره منفذاً وحيداً أكثر من 23 عاماً بعد تدمير مطار غزة الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2001.
الإجلاء والجهود الإنسانية
في الأسابيع التي تلت بداية الحرب، تزايدت المحاولات الدولية لإجلاء المصابين والجرحى من غزة عبر معبر رفح، ولكن المحاولات تركزت على إخراج الرعايا الأجانب الذين علقوا في القطاع. إلا أن استمرار التصعيد العسكري والدمار الواسع جعلا هذه العمليات صعبة ومعقّدة. وكانت هناك محاولات مستمرة للتنسيق بين مصر وإسرائيل لضمان مرور آمن للمساعدات الإنسانية، مع وجود الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وسيطين في العملية، إلا أن سياسة التعنّت الإسرائيلية لم تسمح بمرور ما يضمن بقاء حياة الفلسطينيين المحاصرين داخل القطاع.
كشوف المسافرين الفلسطينيين
تزايدت تدريجياً كشوف المسافرين الفلسطينيين الصادرة عن وزارة الخارجية بسلطة الانقلاب، التي كانت مخصّصة أصلاً لسفر المصريين الذين كانوا في قطاع غزة، منذ بدء الحرب الإسرائيلية، وبدأت تضم أسماء عشرات الفلسطينيين بعد دفعهم مبالغ مالية عبر “سماسرة”، ليجرى تسجيلهم في هذه الكشوف التي يُعلَن عنها بشكل يومي عبر وزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة، لتسهيل سفرهم عبر معبر رفح مقابل دفع مبالغ مالية من أجل مغادرتهم القطاع. وأصبح الفلسطينيون يُقبلون على الدفع لهؤلاء السماسرة، بدلاً من التوجّه إلى شركة هلا للسياحة المملوكة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، المعروف بصلته القوية بالأجهزة السيادية المصرية، في ظل اختلاف الأسعار بين كشوف الخارجية وكشوف شركة هلا للسياحة. وكانت الشركة تتقاضى 5000 دولار على كل مسافر فلسطيني، و2500 دولار عن كل طفل عمره دون 16 عاماً، وتُصدر كشوف شركة هلا يومياً بنحو 300 مسافر، فيما كشوف وزارة الخارجية تقدر الأعداد بها ما بين 100 إلى 150 اسماً فقط.
التحديات الأمنية والإنسانية
على الرغم من الجهود المستمرة لفتح معبر رفح أمام الإمدادات والمساعدات، ظلت التحديات الأمنية الكبيرة على الحدود قائمة. استمر القصف الإسرائيلي على مناطق قريبة من المعبر، كما زادت المخاوف من إمكانية تسلل مقاتلين أو عناصر متطرفين عبر الحدود. ونتيجة لإغلاق المعبر والتدمير الذي لحق بالبنية التحتية، تفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة بشكل حاد، مع نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود.