مع الأزمات الاقتصادية التي يواجهها نظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي، ومع ارتفاع الأسعار بصورة تهدد بحدوث مجاعة بين المصريين وخوفًا من اندلاع ثورة مشابهة لثورة 25 يناير التي أطاحت بالمخلوع حسني مبارك، اضطر السيسي إلى مطالبة صندوق النقد الدولي بتأجيل تنفيذ بعض الإصلاحات الشكلية المتفق عليها ضمن القرض الذي أقره الصندوق في مارس الماضي بقيمة إجمالية بلغت 8 مليارات دولار، وتشمل هذه الإصلاحات تحرير أسعار الوقود والطاقة، وإلغاء الدعم المقدم للمواطنين، وتصفية وبيع الأصول التي تمتلكها الدولة.
وقد أثارت موافقة صندوق النقد على مطالب النظام اندهاش بعض المراقبين، وتساءلوا: هل هذه الموافقة تعني أن صندوق النقد يجامل السيسي، أم أنه يتخوف من ثورة المصريين ويعمل من أجل إبقاء هذا النظام في الحكم لأنه يحقق مصالح جهات دولية من جهة، ويزيد من معاناة المصريين من جهة أخرى؟
كانت حكومة النظام قد قدمت طلبًا إلى صندوق النقد الدولي لتأجيل تنفيذ بعض الإصلاحات الشكلية المتفق عليها، وجاء هذا الطلب بعد رفع أسعار البنزين منذ بداية عام 2024 ثلاث مرات بنسب تتراوح بين 32% و36%، في حين شهد سعر السولار أكبر زيادة، متجاوزًا 63%. وارتفع سعر السولار المستخدم بشكل واسع في سيارات النقل والمواصلات العامة من 8.25 جنيهات في بداية العام إلى 13.5 جنيهًا حاليًا، مما يؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع الأساسية وتكاليف النقل.
في المقابل، طالب صندوق النقد الدولي حكومة النظام بإنهاء قانون من المقرر أن يعتمده البرلمان قبل نوفمبر المقبل، ليمنح برنامج سياسة ملكية الدولة وبيع الأصول العامة قوة قانونية أكبر.
كما دعا الصندوق إلى الالتزام بنظام مرن لسعر صرف العملات الأجنبية، وتعديل قانون ضريبة القيمة المضافة بحلول شهر نوفمبر لتقليل الإعفاءات الضريبية الممنوحة لنحو 19 سلعة وخدمة.
بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر تعديل قانون الجهاز المركزي للمحاسبات، وتعاون الصندوق مع البنك المركزي في اختيار شركة دولية لإجراء تقييم مستقل للسياسات والإجراءات والضوابط المتعلقة بالبنوك المملوكة للدولة.
دفعت مطالب الصندوق حكومة النظام إلى الإعلان عن التزامها بخفض الدعم على السلع التموينية وزيادة الوعاء الضريبي الذي يخضع له حوالي 22% من المواطنين.
وأوضحت حكومة النظام أن خططها تتضمن رفع أسعار الوقود والتحول نحو نظام الدعم العيني، الذي سيبدأ تطبيقه في عام 2025 ليشمل نحو 11 مليون أسرة مؤهلة للحصول على برامج التحويلات النقدية.
وأشارت إلى أنه سيتم تنفيذ هذه التغييرات ضمن موازنة 2024-2025 الحالية، التي بدأت في الأول من يوليو الماضي، مما يعني استبعاد حوالي 20 مليون مواطن من قائمة الدعم العيني الذي يشمل الخبز المدعوم والسلع التموينية.
أوامر الصندوق
كشف مسؤول في حكومة النظام أن الحكومة طلبت من صندوق النقد الدولي تأجيل تنفيذ بعض الإصلاحات الشكلية المتفق عليها ضمن القرض الذي تمت الموافقة عليه في مارس الماضي، والذي يتضمن رفع أسعار الوقود وتقليص الدعم.
وأكد المسؤول أن جميع الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد ستُنفذ، ولكن على مدى فترة زمنية أطول من المتفق عليها.
تساهل
وتوقعت شركة “فيتش سوليوشنز” للأبحاث، إحدى شركات “فيتش” للتصنيف الائتماني، أن يتساهل صندوق النقد مع النظام في المفاوضات بشأن تعديل البرنامج، مؤكدة أن الصندوق سيوافق على تأجيل رفع أسعار السلع المدارة وإبطاء وتيرة برنامج الخصخصة.
وقالت “فيتش سوليوشنز” إن دعوة السيسي حكومة النظام إلى إعادة النظر في برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي لا تعني أنه يعتزم إلغاء الاتفاقية، التي تُعد حيوية لتعزيز ثقة المستثمرين وتأمين التمويل الخارجي، ورغم ذلك، فإن النجاح في إعادة التفاوض ليس مضمونًا، إذ يظل الصندوق حذرًا بشأن التزام النظام برفع الأسعار المدارة وإزالة الدعم.
وأشارت إلى أنه رغم رفع أسعار الوقود عدة مرات، إلا أن هذه الأسعار تظل أقل بكثير من الأسعار العالمية، ومع كون المراجعة التالية للأسعار ستتم بعد 6 أشهر، فمن غير المتوقع أن تتمكن سلطات النظام من الوفاء بتنفيذ مطالب صندوق النقد بإلغاء الدعم بنهاية عام 2025.
وأوضحت “فيتش سوليوشنز” أن تحقيق هذا الهدف يتطلب زيادات هائلة في الأسعار، ما يجعل إعادة التفاوض مع صندوق النقد على البرنامج متوقعة، لافتة إلى أن تصريحات السيسي تهدف إلى طمأنة الجمهور وزعم دعمه لهم.
قناة السويس
وأكدت أن النظام لا يستطيع التخلي عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كموجه للسياسات وكحافز للتدفقات الأخرى، مستبعدة خروج حكومة النظام من البرنامج بالكامل، لأن التخلي عن اتفاقية صندوق النقد يعني التخلي عن 6 مليارات دولار متبقية من تمويل الصندوق، بالإضافة إلى احتمال الحصول على مليار دولار من خلال آلية الصمود والاستدامة، و14 مليار دولار أخرى من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي المرتبطة بمشاركة النظام في برنامج الصندوق.
وأشارت “فيتش سوليوشنز” إلى التحديات التي يواجهها النظام، منها أن الحوثيين قاموا منذ ديسمبر 2023 بتعطيل الملاحة في البحر الأحمر، مما أدى إلى خفض حركة المرور في قناة السويس بأكثر من النصف وخسارة نحو 400 مليون دولار شهريًا من الإيرادات. ويواجه قطاع السياحة أيضًا تبعات التوترات الجيوسياسية، وينطبق الأمر نفسه على الاستثمارات الأجنبية.
وتوقعت أن تتركز المفاوضات على تمديد الجدول الزمني لزيادة الأسعار المدارة، مثل الوقود والكهرباء، وربما بيع الكيانات المملوكة للدولة، مشيرة إلى أن صندوق النقد سيكون متساهلًا مع بعض أهداف البرنامج، مما يوفر مساحة زمنية للنظام.
معاناة الأسر
وقال الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، جيمس سوانستون، إن الإجراءات التي طلبت حكومة النظام تأجيلها تستهدف تقليل معاناة الأسر المصرية.
وكشف سوانستون في تصريحات صحفية أن خفض دعم الخبز ورفع أسعار الوقود أدى إلى زيادة نفقات الأسر وفرض ضغوط متزايدة على التضخم.
وأضاف أن هذه الإجراءات ما زالت حكومة النظام متأخرة في تنفيذها، وهي من الأسباب التي أدت إلى تأخير المراجعة الثالثة للبرنامج.
وتوقع سوانستون أن تحصل حكومة النظام على استثمارات أجنبية من السعودية خلال الأشهر المقبلة، مما يساهم في دعم الاقتصاد المصري، على غرار ما حدث في صفقة رأس الحكمة.
توترات إقليمية
في المقابل، قالت كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، إنه من الأفضل لحكومة النظام أن تبادر إلى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في أقرب وقت ممكن، مؤكدة أنها ستقوم بزيارة إلى مصر لمراجعة الوضع الاقتصادي في البلاد.
وأضافت كريستالينا جورجييفا في تصريحات صحفية أن الصندوق مستعد بشكل كبير لتعديل برنامج التعاون مع حكومة النظام، لافتة إلى أنها تواجه تكاليف مرتفعة بسبب التوترات الإقليمية.
المراجعة الرابعة
وانتقدت المتحدثة باسم صندوق النقد، جولي كوزاك، طلب التأجيل، مؤكدة أن الصندوق يعتزم استكمال المراجعة الرابعة للاقتصاد المصري في الأشهر المقبلة.
وكشفت جولي كوزاك، خلال مؤتمر صحفي، أن الصندوق يعمل مع حكومة النظام على إنهاء بعض الإجراءات الإصلاحية اللازمة لإتمام المراجعة.
وزعمت أن جهود حكومة النظام لاستعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي بدأت تؤتي ثمارها، مشيرة إلى أن نظام سعر الصرف المرن يمثل عنصرًا أساسيًا في البرنامج.