وصل إهمال حكومة الانقلاب إلى النفايات الطبية، حيث قررت ترك هذه النفايات للقطاع الخاص، ووصل الاستهتار بهذا الملف الخطير إلى أن تجار الخردة والعاملين في قطاع النظافة هم من يحصلون على النفايات الطبية من المستشفيات، ثم يقومون بفرمها وإعادة تصنيعها وبيعها للمستشفيات مرةً أخرى أو للمواطنين.
يتسبب هذا الإهمال في إزهاق آلاف الأرواح من الأطقم الطبية والعاملين والفنيين والمرضى المترددين على المستشفيات سنويًا، بسبب النفايات الطبية الخطرة التي تمثل 15% من حجم النفايات الطبية بشكلٍ عام، وينتج عن الاستخدام غير الآمن لها إصابات كثيرة بفيروسات الدم الخطيرة.
كانت ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة بحكومة الانقلاب، قد صرحت بأنه تم تفعيل قانون إدارة المخلفات، الذي تقوم فكرته على تخارج الدولة من منظومة المخلفات بكافة أشكالها وإسنادها إلى القطاع الخاص.
وزعمت ياسمين فؤاد في تصريحات صحفية أنه تم إصدار الدليل الإرشادي للتداول والتخلص الآمن من المخلفات الطبية. وأشارت إلى أن وزارة البيئة بحكومة الانقلاب أطلقت منصة للتعليم الإلكتروني عبر شبكة المعلومات الدولية لمسؤولي إدارة المخلفات في منشآت الرعاية الصحية، حيث تم تدريب وبناء قدرات 111 مسؤول مخلفات طبية و101 مدير منشأة رعاية صحية بالمحافظات، بالإضافة إلى تدريب 1000 من العاملين في مجال المخلفات الطبية في 20 محافظة، وفقًا لتعبيرها.
تجار الخردة
حول هذه الأزمة، كشفت “أم أحمد”، تاجرة خردة بسوق إمبابة، أن النفايات الطبية مثل المشارط والبلاستيك والأدوات الحادة يأخذها بعض تجار الخردة من المستشفيات، وتدخل “مكابس فرم” لإعادة تدويرها مرة أخرى.
وأوضحت أن هناك أنواعًا مختلفة من المكابس التي تستخدم في فرم مخلفات التدوير، منها: مكابس الكرتون التي تستخدم لفرم الورق بمختلف أنواعه، ومكابس الألومنيوم والحديد لفرم المخلفات الحادة والصلبة.
أكدت “أم أحمد” أن جميع نفايات المستشفيات تُفرم ثم يعاد تصنيعها وتوزيعها على المستشفيات مرة أخرى، وأشارت إلى أن تجار الخردة الكبار كانوا متعهدين لمخلفات المستشفيات، وأن حكومة الانقلاب قَننت عملهم، لكنهم يعملون الآن في الخفاء، مؤكدةً أن أغلب الصناعات مغشوشة بسبب ارتفاع أسعار الخامات وتكاليف الإنتاج والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
منطقة الزرايب
وقال “عبده”، تاجر خردة، إنه لا يعمل في نفايات المستشفيات، لكن هناك تجارًا يعملون بها من الباطن في منطقة الزرايب.
وأضاف “عبده”: “نسمع كثيرًا عن تجار خردة يأخذون مخلفات المستشفيات الصغيرة في المناطق النائية، ويعاد تدويرها وتطهيرها وتعقيمها، ثم يعاد بيعها للمستشفيات مرة أخرى.”
ناقلة للعدوى
وكشف “أ. ش”، ممرض متقاعد، عن رحلته العملية التي استمرت لأكثر من 40 عامًا في أحد المستشفيات الحكومية، وبيّن كيفية التعامل مع المفروشات السريرية داخل المستشفيات، قائلًا: “إن مستشفيات وزارة الصحة كانت تتعاقد مع متعهدي المخلفات الذين يأخذون النفايات من المستشفيات بمقابل مادي، خاصة المفروشات والشاش الطبي والضمادات والإسفنج الطبي، وتُرش عليها مادة تغير لون الدم ونفايات السوائل المختلفة، ثم تُصنع منها مراتب للمستشفيات.”
أكد “أ. ش” أن مستشفيات مصر تعد ناقلة للعدوى، مشيرًا إلى أن النفايات الحادة كالسكاكين والإبر والحقن والمشارط والمناشير الطبية يأخذها تجار الخردة، ويعاد تدويرها في بعض المناطق النائية لتصنع منها أدوات مائدة كالـ “الأطباق والشوك والمعالق والسكاكين” المصنوعة من الستانلس، التي تتفاعل مع الطعام وتتسبب في أمراض سرطانية، وتباع بأسعار زهيدة في الأسواق الشعبية.
ورش “بير السلم”
في المقابل، أوضح الدكتور علاء سرحان، أستاذ اقتصاديات البيئة بجامعة عين شمس، أن ليس كل نفايات المستشفيات خطرة؛ فهناك نفايات عادية مثل استخدامات الأفراد في القطاع الإداري بالمؤسسات الطبية كالأوراق والأطعمة والمناديل. وأوضح أن نفايات غرف العمليات ومعامل الأشعة ومختبرات التحاليل كالعينات وغيارات المرضى تعد نفايات خطرة على صحة الإنسان.
وكشف “سرحان” في تصريحات صحفية أن بعض النفايات الحادة مثل أدوات الجراحة تستخدم من جديد، كالحقن التي يستعملها المدمنون لرخص سعرها، على الرغم من كونها ناقلة للعدوى.
وذكر أن النفايات الباثولوجية، مثل الأعضاء البشرية الناتجة عن عمليات البتر والاستئصال، تُدفن، إلا أن بعضها يعاد استخدامه، كالمشيمة، التي تستعملها شركات الأدوية ومستحضرات التجميل، بوضع ثلاجات لحفظها في عنابر الولادة بالمستشفيات مقابل مبالغ مالية، حيث تنتج منها أمصال ومساحيق تجميل وشامبوهات وهرمونات.
كشف “سرحان” أن بعض النفايات البلاستيكية، كعلب المحاليل والخراطيم والقسطرة، تستعمل في ورش “بير السلم” لصنع “علب فيوزات كهرباء” غير مطابقة للمواصفات، مما يؤدي إلى حرائق في المنازل، وكذلك يعاد تدوير سرنجات لا يتم التعامل معها نظرًا لخطورتها.
وأشار إلى حادثة شاهدها بنفسه، عندما رأى سائق عربة كارو محملاً بنفايات طبية يخرج من مستشفى الجلاء التعليمي للنساء والتوليد، وتتساقط الدماء من العربة، أكد أن لكل سرير في المستشفيات معايير في توليد النفايات الخطرة، إذ تكون نفايات المستشفيات العامة أقل نسبيًا من نفايات المستشفيات الخاصة والاستثمارية.
محارق ومدافن
ودعا “سرحان” إلى التخلص من النفايات الطبية الخطرة عن طريق إنشاء محارق ومدافن خاصة، واستخدام الأدوات الاقتصادية مثل وضع شركات تصنيع الأدوات الطبية تحت مسؤولية إعادة استرجاع منتجاتها بعد استخدامها، للتخلص النهائي من النفايات بطريقة آمنة وصحيحة.
وشدد على ضرورة اتباع وسائل الوقاية والسلامة الصحية للأطقم الطبية في التعامل مع النفايات الخطرة داخل المؤسسات الصحية، وتوفير وسائل الحماية من الكمامات والقفازات والأقنعة وغيرها.
وأوضح “سرحان” أن هناك أمراضًا مُعدية تنتج عن التعامل مع النفايات الطبية، مثل: فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، ومرض الإيدز (AIDS)، وعدوى التهاب الكبد الوبائي فيروس C (HCV).