آثار اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، الذي بدأ تنفيذه صباح اليوم، الكثير من التكهنات كما أثار تساؤلات حول أسباب موافقة دولة الاحتلال على هذا الاتفاق، رغم فشلها في الغزو البري لجنوب لبنان وعدم نجاحها في القضاء على حزب الله وقوته العسكرية، التي حققت نجاحًا كبيرًا في قصف كافة المواقع العسكرية والمستوطنات في دولة الاحتلال الصهيوني.
واعتبر الخبراء أن الاتفاق، رغم ذلك، يعد مجحفًا بلبنان، لأنه يجبر حزب الله على التراجع إلى ما وراء نهر الليطاني، ويتضمن بعض البنود الخاصة بنزع سلاحه، ويمنح الصهاينة الحق في الهجوم على أي موقع في لبنان بزعم الدفاع عن النفس.
وقال الخبراء إن إسرائيل أدركت أن القوة العسكرية لن تحقق لها الأهداف التي تسعى إليها، بعد أن اقتنعت بأنها لا تستطيع القضاء على حزب الله ولا تستطيع غزو لبنان بريًا.
كان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد دخل حيز التنفيذ بعد أكثر من سنة على القتال بين الطرفين.
وأعلن جو بايدن، مساء أمس الثلاثاء، أن إسرائيل ولبنان وافقا على وقف إطلاق النار في نزاع هو الأكثر دموية بين الجانبين.
اتفاق مجحف
من جانبه، قال الخبير العسكري اللواء علاء عز الدين إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين لبنان وإسرائيل لوقف إطلاق النار يثير القلق في الأوساط السياسية والعسكرية، واصفًا الاتفاق بـ«المجحف»، وبأنه يمثل انتهاكًا للسيادة اللبنانية، ويسمح لإسرائيل بالتحرك بحرية داخل مناطق لبنانية.
يُشار إلى أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني دخل حيز التنفيذ فجر اليوم الأربعاء، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن الطرفين وافقا على اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا، موضحًا أن إسرائيل ستسحب قواتها تدريجيًا على مدى 60 يومًا، مع سيطرة الجيش اللبناني على الأراضي القريبة من الحدود مع إسرائيل.
وأشار عز الدين، في تصريحات صحفية، إلى أن هذا الاتفاق تم تحت ضغط، في محاولة من لبنان للحد من الخسائر في الأرواح والمنشآت جراء القصف الإسرائيلي العنيف، الذي أوقع دمارًا واسعًا في مناطق متعددة من البلاد، معتبرًا أن هذا الاتفاق يعكس بالدرجة الأولى مصالح القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي رغم علاقاتها التاريخية مع لبنان، لم تقف إلى جانب حقها في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، بل دعمت السيطرة الإسرائيلية في المنطقة.
وأضاف أن الاتفاق يسعى بشكل غير مباشر إلى تقليص قدرات «حزب الله» العسكرية، الذي يعد القوة العسكرية الوحيدة القادرة على التصدي للاعتداءات الإسرائيلية، خاصة في ظل ما تعرض له حزب الله من خسائر كبيرة نتيجة العمليات الاستخباراتية التي استهدفت قياداته وقواعده العسكرية.
وأوضح عز الدين أن هذا الاتفاق يقضي على القدرات العسكرية لحزب الله، الذي وإن كان وُضع في ظروف قضت على قيادته وأسلحته، إلا أنه هو حائط الصد الوحيد الذي كان يستطيع أن يقف أمام إسرائيل، وذلك لمحدودية قدرات الجيش اللبناني على الرغم من أنه جيش نظامي.
وحول تبعات الاتفاق بين لبنان وإسرائيل لوقف إطلاق النار، اعتبر أنه يشكل خطوة إضافية نحو تمكين إسرائيل من التحكم في الطرق والممرات الاستراتيجية التي تساهم في وصول السلاح إلى حزب الله عبر سوريا، محذرًا من أن هذا الاتفاق بمثابة نقطة تحول كبيرة في مسار التحالف بين إيران وحزب الله، الذي يعد من أقوى تحالفات الشرق الأوسط في مواجهة إسرائيل.
وكشف عز الدين عن أن الاتفاق يمهد الطريق لإسرائيل للسيطرة على طرق إمداد الأسلحة إلى حزب الله، وهو ما يمثل تهديدًا للقدرة العسكرية للحزب الذي يعتمد على الدعم الإيراني من خلال الأراضي السورية، موضحًا أنه على الرغم من محاولات سابقة لفرض ضغوط على سوريا للخروج من هذا التحالف، إلا أن الاتفاق الأخير يبدو أنه قد حقق نجاحًا في تنفيذ هذا المخطط، بالتعاون بين إسرائيل ولبنان.
وفيما يتعلق بالتداعيات المستقبلية، توقع أن يكون هذا الاتفاق تمهيدًا لتوسع العمليات العسكرية الإسرائيلية نحو سوريا، في إطار المخطط الإسرائيلي الذي يسعى إلى تعزيز سيطرته الإقليمية، وصولًا إلى تحقيق أهدافه التوسعية من «النيل إلى الفرات».
كما توقع عز الدين أن تتجه إسرائيل بعد ذلك نحو مواجهة جديدة مع إيران، بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وربما بعض دول حلف الناتو، لتحقيق مصالح الغرب في المنطقة.
واستطرد أن إيران قد تُفاجئ العالم بتعديل في عقيدتها النووية، فيما تواصل الأحداث في أوكرانيا تصاعدها، خصوصًا مع استخدام الأسلحة الغربية المتطورة من قبل الجيش الأوكراني، مما قد يؤدي إلى تصعيد إضافي في النزاع مع روسيا، وقد تشهد الأيام المقبلة تداعيات غير متوقعة، مع احتمال تدخل دول أخرى في تحالف مع روسيا، مثل كوريا الشمالية، أو حتى الصين، التي قد تؤثر في مجريات الأحداث.
هدنة لالتقاط الأنفاس
وقال الدكتور أسامة السعيد، رئيس تحرير جريدة الأخبار، إن طبيعة اتفاق التهدئة في لبنان لا تشير إلى أنه يؤدي لاستقرار بعيد المدى، معتبرًا هذا الاتفاق بمثابة هدنة لالتقاط الأنفاس.
وأكد السعيد، في تصريحات صحفية، أن شكل الاتفاق وطبيعته والأجواء التي أحاطت به، لا تشير إلى أنه اتفاق مستدام يمكن الاعتماد عليه في إرساء حالة من الاستقرار بعيد أو طويل المدى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
وكشف أن بعض بنود الاتفاق الفضفاضة من الممكن أن تكون مرتبطة بأسئلة لا تزال معلقة حتى الآن، كطبيعة تنفيذ الاتفاق، والتزام الأطراف، والحديث عن أن لكل طرف الحق في الدفاع عن النفس، ومدى قدرة الولايات المتحدة على مراقبة تنفيذ الاتفاق وإلزام الأطراف المختلفة.
وقال السعيد إن التصريحات الإسرائيلية خلال الساعات الماضية تشير إلى أن حالة الاستعداد للحرب لم تنتهِ في إسرائيل، وأن هناك ترقبًا واستعدادًا لانهيار هذه الهدنة.
سكان الشمال
وكشف الباحث السياسي أكرم عطا الله عن العوامل التي دفعت إسرائيل إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان.
وقال عطا الله، في تصريحات صحفية: نحن أمام تغير حدث وما كنا نعتقده قبل شهر طرأت عليه بعض التغيرات، وهو انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكشفه عن رأيه فيما يحدث بين أوكرانيا وروسيا ورغبته في إنهاء الحرب، وبالتالي نحن أمام تغيير كبير للمشهد على الصعيد الأوروبي.
وأضاف: في لبنان شعرت إسرائيل أن هناك توافقًا بين الإدارة الأمريكية الحالية والإدارة القادمة على إنهاء الحرب، مؤكدًا أن إسرائيل لو كانت تعرف أن موقف الرئيس ترامب من حربها داعم لم تكن لتتوقف، بالإضافة إلى قدرة حزب الله على الصمود ويأس إسرائيل من تحقيق أهدافها بالقوة العسكرية المسلحة.
وأشار عطا الله إلى أن إسرائيل كانت تعتقد أنه يمكنها أن تحقق كل شيء بالقوة المسلحة، لكنها دخلت القرى اللبنانية الحدودية في الخط الأول، ثم بدأت في التحضير للخط الثاني، وهو مكون من 220 قرية لبنانية، متسائلًا: كم كانت ستدفع إسرائيل من أجل الدخول إلى 220 قرية؟ وإسرائيل غير مستعدة لتحمل خسائر.
كما تساءل: هل كان بإمكان إسرائيل إعادة السكان إلى المناطق الشمالية؟ بالتأكيد لا، لأن حزب الله قادر على إطلاق الصواريخ من البقاع أو طرابلس أو أي مكان في لبنان.
وأكد عطا الله أنه لا يمكن تحقيق الأهداف الإسرائيلية بالطرق العسكرية، إضافة إلى التوافق الأمريكي بين الحزبين والصمود في لبنان، ورغبة نتنياهو في الذهاب بعيدًا للتوافق مع الإدارة الأمريكية الجديدة لكي ينتقل إلى مستوى آخر، وهو لا يريد أن تنتهي هذه الحرب دون ضرب إيران والقوة النووية الإيرانية.
واختتم: الصحفيون الإسرائيليون يقولون إن ملف حياتهم هو إيران، ويقولون إن إيران سوف تدمر الهيكل الثالث وستدمر إسرائيل.