ما بين تجدد النزاعات العِرقية بين الجامعات السنية ونظيرتها الشيعية في دول باكستان ذات الأغلبية السنية، وسقوط 111 قتيل بالإضافة لعشرات الجرحى، وما بين دعوات رئيس الوزراء السابق عمر خان أنصاره لتكثيف المظاهرات، واشتعالها، وتصدي الجيش له بكل عنف وسط انتقادات لاذعة من الأمم المتحدة.
وكان الآلاف من أنصار خان قد وصلوا إلى العاصمة إسلام أباد وتمكنوا من عبور كافة العقبات حتى وصلوا إلى أمام البرلمان بهدف تنظيم اعتصام مفتوح إلى أجل غير معلوم حتى تفرج الحكومة عن عمران خان، قبل أن تفض الحكومة الاعتصام، باستخدام الجيش بطريقة وحشية.
إخلاء وسط إسلام آباد
شرعت السلطات في العاصمة الباكستانية إسلام آباد الأربعاء في إزالة الحطام وتنظيف الشوارع بعد إخلائها من أنصار رئيس الوزراء السابق عمران خان غداة تفريق مظاهرة سقط فيها عدد من القتلى، كما غادرت قوات مكافحة الشغب المنطقة، وفيما هنأ وزير الداخلية قواته على “صدها المتظاهرين بشجاعة”، نددت منظمة العفو الدولية بـ”الاستخدام غير القانوني والمفرط للقوة”.
يأتي ذلك غداة دعوة خان من سجنه أنصاره إلى التعبئة والسير باتجاه ساحة دي-شوك المحاذية لمقرات الحكومة بالعاصمة، وذلك في ختام يوم من المظاهرات التي أدت إلى مقتل أربعة من أفراد الأمن بعدما دهستهم سيارة يقودوها متظاهرون، وفق ما ذكر وزراء.
وكتب عمران خان، المسجون منذ أغسطس 2023، على حسابه في منصة إكس: “على الذين لم ينضموا بعد إلى المظاهرة أن يتوجهوا إلى دي-شوك”.
اعتقال 954 وقتل 20 من أنصار عمر خان
أعلنت الحكومة الباكستانية أن السلطات المختصة في العاصمة إسلام أباد أعتقلت، أمس الأربعاء، 954 من أنصار حزب عمران خان يشتبه بضلوعهم في أعمال عنف، بينهم مواطنون أفغان، وذلك غداة إعلان حزب خان إنهاء الاعتصام بعد مقتل 20 من أنصاره وإصابة العشرات خلال محاولة القوات الخاصة فض اعتصامهم.
وقال عمدة إسلام أباد محمد علي رندا، في مؤتمر صحافي مشترك مع مسؤول شرطة العاصمة علي ناصر، إن أنصار خان “دخلوا إلى العاصمة مساء الـ26 من الشهر الجاري وبدأوا يقومون بأعمال عنف وهجمات على الشرطة وقوات الأمن، ولكن قوات الأمن تصدت لهم وفضت اعتصامهم بطريقة مناسبة، ما يعتبر نجاحا كبيرا للسلطات الأمنية.
وأضاف أنه خلال العملية التي نتج عنها إنهاء اعتصام أنصار عمران خان تمكنت قوات الأمن من اعتقال 954 شخص كانوا ضالعين في أعمال الإرهاب، بينهم عدد من المواطنين الأفغان. كما ذكر المسؤول أن الحكومة الباكستانية قررت أن لا تسمح لأي من الأفغان بالدخول إلى العاصمة والعيش فيها إلا بعد أخذ تصريح خاص من الشرطة، وذلك بعدما ثبت ضلوعهم في أعمال الشغب التي قام به أنصار خان.
الغلق العام وقطع الإنترنت
تعقيبًا، رأى مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون الأمريكي مايكل كوغلمان أنه بعد 24 ساعة من المواجهة في الشوارع، “لا يوجد منتصر”. مضيفًا أنه من خلال إغلاق العاصمة ومدارسها وقطع الإنترنت “أجج الجيش والحكومة غضب الناس ضدهم”.
وأوضح كوغلمان: أن “المواجهات المتزايدة بينهما لا تؤدي إلا إلى صرف الانتباه عن الأزمات الاقتصادية والأمنية” في بلد يعتمد ماليًا على المساعدات الدولية وشهد في الأسابيع الأخيرة هجمات جهادية وانفصالية أسفرت عن مقتل العشرات من الجنود وأفراد الشرطة.
العفو الدولية تدين “الاستخدام غير القانوني والمفرط للقوة”
ومنذ الأحد ينتشر أكثر من 20 ألف عنصر أمني في العاصمة وضواحيها، وتم قطع الإنترنت عن الهواتف المحمولة وخدمة الواي فاي في بعض الأحياء.
وقام أنصار حزب خان الذين استكانوا بعد أن تعهدوا الاستجابة لنداء بشرى بيبي وعلي أمين غاندابور بعدم المغادرة قبل تلبية مطالبهم، بسد الشوارع المقفرة بالحاويات.
وأدانت لجنة حقوق الإنسان الباكستانية، المنظمة غير الحكومية الرئيسية التي تدافع عن الحريات في البلاد، عمليات قطع الطرقات التي “تعاقب على وجه الخصوص العمال اليوميين الذين يعتمد دخلهم على حرية الحركة”.
بدورها، نددت منظمة العفو الدولية بـ”الاستخدام غير القانوني والمفرط للقوة” بينما ألقت قوات الأمن طوال الثلاثاء وابلا من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين الذين ردوا بإعادة رشق عناصر الأمن بقنابل الغاز المسيل للدموع والحجارة والعصي.
ويلاحق خان، الذي تولى السلطة بين عامي 2018 و2022، في حوالي مئة قضية تتعلق بمظاهرات عنيفة نظمها أنصاره. وهو يمثل بانتظام أمام القضاة الذين يجددون اعتقاله أو يأمرون بحبسه بتهم جديدة.
الرد الرسمي الباكستاني
من جهته، أشاد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بدور قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير في القضاء على اعتصام أنصار عمران خان أمام مقر البرلمان، وقال شريف في بيان له إن القوات المسلحة الباكستانية وعلى رأسها قائد الجيش الجنرال عاصم منير لعبت دورًا كبيرًا في القضاء على الاحتجاج الذي قامت به جماعة من المشاغبين، في إشارة إلى في إشارة إلى حزب عمران خان.
وأكد شريف أن السلطات الأمنية قضت على الاحتجاج بصورة حكيمة، ولن تسمح لأي جهة بأن تقوم بمثل هذا العمل في المستقبل.
اشتباكات عرقية
وتأتي تلك الاحتجاجات في وقت تجددت فيه المواجهات العرقية بين جماعات مسلحة من أهل السنة ونظيراتها من الشيعة، حيث أعلن مسؤولون في خيبر بختونخوا، الإقليم الواقع شمالي غرب باكستان والمتاخم لأفغانستان، مساء الأربعاء، أن العشائر الشيعية والسنية المحلية توصلت إلى هدنة جديدة بعدما أوقعت مواجهات طائفية بين الطرفين 111 قتيلاً خلال أسبوع.
ومنذ الخميس، حين أطلقت مجموعة من حوالى عشرة مسلحين النار على قافلتين لعائلات شيعية كانت تمر في منطقة سنية بمواكبة من الشرطة كالعادة، اشتعلت الأعمال الانتقامية في الإقليم.
والقرى السنية والشيعية متداخلة في هذه المنطقة مما يحتم على الشرطة مواكبة تنقلات السكان على الطرقات الرئيسية للحؤول دون تعرضهم لاعتداءات طائفية.
وردًا على الهجوم الذي استهدف القافلتين الشيعيتين، هاجم شيعة غاضبون الجمعة والسبت أحياء سنية، وأحرقوا مئات المتاجر والمنازل، بحسب ما أفاد سكان ومسؤولون.
والأربعاء، قال عضو في الإدارة المحلية طالبًا عدم الكشف عن هويته إنه في منطقة كورام “قُتل 111 شخصًا” منذ اندلعت المواجهات بين الطرفين قبل أسبوع.
وأوضح أن القتلى هم “79 شيعياً و32 سنياً” فيما أصيب “88 شخصاً آخرين” بجروح، وتتكرر في باكستان أعمال العنف الناجمة عن خلافات قبلية وطائفية ونزاعات على الأراضي.
وما زالت الأعراف القبلية تسيطر في منطقة كورام حيث تسعى الحكومة الفدرالية وحتى حكومة الإقليم ومقرّها في بيشاور لبسط سيطرتها. وتواجه قوات الأمن في هذه المنطقة صعوبات في فرض النظام.
وباكستان ذات أغلبية سنية، لكنّ كورام القريبة من الحدود مع أفغانستان هي موطن لأعداد كبيرة من الشيعة وقد شهدت طوال عقود مواجهات بين الطائفتين.
وتحاول الحكومة والزعماء المحليون وضع حدّ لهذا النزاع من خلال مجالس الجيرغا القبلية.