ضمن مخطط حكومي يدفع باتجاه المنقلب السفيه السيسي لتفريغ منطقة وسط القاهرة، وإتاحة المجال للمستثمرين الأجانب ، للسيطرة على تلك المنطقة وفتحه لمشاريع السياحة والأبراج العقارية، وناطحات السحاب لصالح الخليجيين، تلك الخطة استدعت تصعيدا أمنيا كثيفا، بمطقة وسط القاهرة، وشارع 26 يوليو ومنطقة وكالة البلح، التي تضم أضخم سوق للملابس الرخيصة والقديمة وبواقي التصدير.
وتقوم دوائر الإدارة المحلية بحصر أصحاب المحال والمنازل في المنطقة، تمهيدا لتهجيرهم من المنطقة ، كما فعلوا مع سكان ماسبيرو الذين تم إخلاؤهم إلى الأسمرات والسادس من أكتوبر.
ووفق تجار وأهالي المنطقة، فإن الحملة الأمنية تستهدف بدء مشروع حكومي موسع، يحمل عنوان “التطوير الحضاري لمنطقة بولاق أبو العلا ووكالة البلح”، على غرار ما قامت به الحكومة في مشروع ماسبيرو، حيث هدمت منطقة على مساحة واسعة، لبناء فنادق وعمارات سكنية فاخرة.
وقد أخطر مندوبو الإدارة المحلية بمحافظة القاهرة أصحاب المشروعات بخطة التطوير، بعد أن أرسلوا لجاناً فنية رفعت قائمة بأسماء المحلات وعدد السكان بالبيوت، وحصلت على صور من عقود الملكية وتراخيص المنشآت.
كما يدرك أصحاب المحلات أن ساعة النهاية قد اقتربت للمنطقة التجارية التي أمدت البلاد بتجارة الملابس المستعملة، وتعد من أهم مراكز بيع قطع غيار السيارات المستعملة، والمعدات الهندسية القديمة والحديثة، مشيرين إلى إزالة الحكومة كثيراً من المباني التي أقيمت على أراض تابعة للدولة، وعدم موافقتها على اعتماد عمليات الصيانة والهدم والتنكيس للمباني المملوكة للمواطنين، لإقامة مبان خاصة بهم، وتطوير المنطقة التجارية بأنفسهم.
كرّ وفر
وتعيش منطقة وكالة البلح بين كر وفر، إذ يحيا بائعو الملابس الجاهزة و”البالة” وسط ملاحقات أمنية على مدار الساعة، في أكبر منطقة لتجارة الملابس المستعملة في شوارع وكالة البلح بحي بولاق الواقع في قلب القاهرة.
وبدأت الملاحقات الأمنية، الأسبوع الماضي، بإزالة الباعة الجائلين الذين خرجوا من شوارع الوكالة الشهيرة لافتراش الشوارع الرئيسية، بداية من دار القضاء العالي ونقابة المحامين بمنطقة الإسعاف، وعلى امتداد شارع 26 يوليو الواصل بين غرب القاهرة وجزيرة الزمالك، وساحل بولاق والسلطان أبو العلا على نهر النيل، امتدت الإجراءات الأمنية إلى إزالة “بسطات” الباعة التي يخرجها أصحاب المحلات من داخل مقراتهم وافتراش الشوارع، والتي تجذب عادة الطبقة الوسطى والفقراء الباحثين عن ملابس رخيصة، المستوردة بنظام “البالة” من مخلفات المتاجر الأوروبية والخليج، وبواقي المصانع والمحلات المصرية الراكدة من مواسم سابقة.
وتحولت المنطقة التجارية، المزدحمة على مدار الساعة، إلى ساحات خالية من المشترين الذين يخشون وقوعهم فريسة الاشتباكات التي تجري بين حين وآخر بين قوات الشرطة والبائعين، الذين يرغبون في تحدي السلطة، واستمرار العمل على جوانب الشوارع.
كما أزالت قوات الشرطة “السويقات” التي أنشأتها من قبل بالمسار المتجه إلى مبني جريدتي الأهرام والأخبار وشركة كهرباء القاهرة، لبيع منتجات شعبية وأخرى قديمة بأسعار زهيدة للأسر الفقيرة تحت شعار “تحيا مصر”، ورفعت كافة “أكشاك” توزيع السلع الغذائية التي تدفع بها إلى الأسواق، ضمن برامج “كلنا واحد” المدعومة من وزارة الداخلية، بهدف تقديم اللحوم والأغذية بأسعار تكافلية للمواطنين.
وجرّدت قوات الأمن الباعة من قدرتهم على افتراش الشوارع والطرق المؤدية إلى وكالة البلح، بعد أن منعتهم تماماً من الوجود في الجانب المخصص لعمارات “ماسبيرو” التي تستعد لاستقبال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي وافتتاح العقارات الحديثة، التي تقام بتمويل من شركات خليجية.
وتدفع الملاحقات الأمنية الباعة غير المستقرين إلى حمل بضائعهم على أكتافهم للعرض على المارة النادر وجودهم بمنطقة السوق، ليصطدم الطرفان بحالة استنفار أمني تدفعهم للهرب خوفاً من الملاحقة الأمنية.
ووفق شهود عيان، يعيش أصحاب المحلات الكبرى على أمل أن تهدأ الملاحقات اليومية، وأن تتوقف عند حظر عرض البضائع خارج المحلات، والبسطات التي تسيطر على الأرصفة وما حول المكاتب الحكومية، ومسار عمارات “ماسبيرو” التي أصبحت ملتقى الأثرياء، وتحتوي على عشرات المراكز التجارية الحديثة الفاخرة، غير المستعدة للمتاجرة بالبضائع الرخيصة والمستعملة.
زيادة أسعار الملابس
ويبقى المواطن الفقير الخاسر الأول من تلك المهاترات والأهداف السلطوية للسيطرة على مناطق الفقراء، إذ ارتفعت أسعار الملابس بصورة كبيرة، على خلفية الملاحقات الأمنية، حيث يضع الباعة في حسابهم تكلفة البضائع التي تصادر من الأمن، وتراجع عمليات البيع، وارتفاع أسعار الإيجار بالمحلات، مع تضاعف أسعار الكهرباء والرسوم والإتاوات التي تدفع للحكومة.
بينما يرى تجار أخرون، أن الملاحقات الأمنية المتصاعدة، تستهدف ضم الاقتصاد المدار بالشوارع وبصورة غير رسمية، إلى منظومة الاقتصاد الرسمي، إذ تريد الحكومة دفع التجار إلى الدخول في الاقتصاد الرسمي، وحصر الخاضعين للضرائب عبر الفواتير الإلكترونية، في تناقض مع واقع يحظر بالقانون بيع المنتجات المستعملة.
وتبقى مشاريع السيسي دون دراسة اجتماعية واقتصادية شاملة، في ظل التركيز على جلب الدولار ولو على حساب ملايين الفقراء، بلا بديل .