حالة من الصدمة بين قيادات القضاء في مصر ، بعد انقلاب الجيش عليهم ، رغم دورهم التاريخى بدعم وتاييد الانقلاب على الدكتور محمد مرسى أول رئيس مدنى منتخب في تاريخ البلاد ،سواء بمباركة الانقلاب أو التمهيد له عبر المحكمة
الدستورية ، التى قامت بحل مجلس الشعب الشرعى ، وحاربت الرئيس المنتخب بإبطال قرراته الشرعية للحفاظ على مكتسبات ثورة 25 يناير 2011 ، فضلا عن دورهم في حبس مئات الآلاف من المصريين وإصدار أحكام الإعدام على المناهضين بتعليمات مباشرة من المنقلب السفاح السيسى .
ولكن يبدو أن ذلك كله لم يشفع للقضاء عند زعيم عصابة العسكر ، فبعد طمع السيسى في ء نوادي القضاة على النيل ، بجوار المسرح العائم وكلية السياحة والفنادق ، صدم رئيس مجلس الدولة المستشار أحمد عبود، بتلقى بإخطار رسمي من جهاز مشروعات الخدمات الوطنية التابع لجيش المنقلب السفيه السيسى ، تضمن الإخطار طلبًا بإخلاء مقر مجلس الدولة، الواقع على كورنيش النيل بمنطقة الدقي بمحافظة الجيزة، غرباً، بالإضافة إلى القصر التاريخي الملاصق له المعروف باسم “قصر الأميرة فائقة”، وذلك بشكل عاجل لتمهيد الطريق لنقل المجلس بكل محاكمه ودوائره إلى المقر الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة ، وذلك تمهيدا لبيع هذه المقرات لدويلة الإمارات بعد جزيزة الوراق وغيرها من المواقع على النيل
وأثار الإخطار حالة من الغضب والدهشة لدى رئيس المجلس الذي تعامل معه بتكتم، حيث أرجأ عرض الأمر على المجلس الخاص لمجلس الدولة، وهو أعلى سلطة بالمجلس، “منعًا لحدوث حالة من البلبلة، قبل معالجة الموقف بشكل حكيم” بحسب مصادر مطلعة.
كان رئيس المجلس قد تلقى وعودًا في وقت سابق بأن يستمر المجلس جزئيًّا في المبنى الحالي الذي افتُتح عام 1994، مع بقاء القصر الملحق به قيد الاستخدام، على أن تُنقل بعض الدوائر فقط إلى العاصمة الإدارية الجديدة، إلا أن الإخطار الأخير شكل مفاجأة بالمطالبة بإخلاء المجلس والقصر بالكامل والانتقال الفوري إلى العاصمة الإدارية.
وفقًا لمصادر قضائية، كان رئيس المجلس قد أُبلغ في السابق بأن مجمعًا قضائيًّا شاملًا سيتم إنشاؤه في العاصمة الإدارية، بحيث يضم القضاء العادي ومجلس الدولة، مع تخصيص جزء من المجمع الجديد لمجلس الدولة، فيما يظل الجزء الأكبر من أعمال المجلس في مقره الحالي على نيل الدقي. “لكن هذه الوعود تغيّرت فجأة”، وفق مصدر مطلع، بعد اكتمال تشييد مبنى كامل مخصص لمجلس الدولة في العاصمة الجديدة، والطلب بالانتقال الكامل إليه، بما يخالف ما جرى الاتفاق عليه سابقًا.
أوضحت المصادر أن رئيس المجلس أرجأ الرد على إخطار جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، كما أرجأ إبلاغ المجلس الخاص أو الأمانة العامة بالأمر، “إدراكًا منه لحالة البلبلة التي يمكن أن يحدثها القرار بين قضاة المجلس والعاملين فيه”. ويُنظر إلى المقر الحالي والقصر الملحق به باعتبارهما رمزين تاريخيين للمجلس، حيث يُخشى أن تؤدي النقلة المفاجئة إلى العاصمة الجديدة إلى إضرار بالغ بأعضاء المجلس من قضاة وإداريين، نتيجة بعد المسافة وعدم تهيئة الأوضاع بشكل مناسب.
خسائر مجلس الدولة
علق عضو سابق في نادي قضاة مجلس الدولة، رفض الكشف عن هويته نظرًا إلى حساسية موقفه، على تصرف رئيس المجلس في هذا الأمر بوصفه نتيجة “حالة من الحرج البالغ”. وأشار في حديثه لـ العربي الجديد إلى أن رئيس المجلس كان قد أكد في مناسبات خاصة، خصوصًا بعد طلب إخلاء مشابه لنادي قضاة المجلس، أن مقر المجلس والقصر الملاصق له يمثلان “خطًّا أحمر”.
إلا أن رئيس المجلس، المعروف بصلاته الوثيقة بأجهزة الدولة، مما يعني أنه لا يعتزم اتخاذ قرارات تصعيدية مثل الدعوة إلى وقفة احتجاجية أو انعقاد جمعية عمومية، مستبدلًا تلك الخطوات التصعيدية بتقديم مذكرة اعتراض لوزير العدل، مع منع مجلس النادي من التحرك ضد القرار.
ويقول متابعون لشؤون القضاء إن إدارة مجلس الدولة الحالي، خضعت للسلطة بعد تغيير لائحة اختيار قياداته، ما أضعف استقلال المجلس عبر تغييره للائحة النادي وإقرارها بشكل منفرد، وأتاح تشكيل مجلس إدارة يدين بالولاء الكامل للدولة، ولا يتبنى أي مواقف مناوئة لقراراتها. ولا تقتصر خسائر مجلس الدولة على فقدان المبنى الفخم المطل على نيل الدقي، بل تمتد إلى فقدان قصر الأميرة فائقة، شقيقة الملك فاروق. ويعود تاريخ القصر إلى عام 1947، حيث كان المقر الرئيسي للمجلس لعدة عقود، وضم مكتب المستشار عبد الرزاق السنهوري، أحد أبرز أعلام القانون في مصر والوطن العربي.
وشهد القصر أحداثًا تاريخية مهمة، من أبرزها صياغة وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش عام 1952، بحضور المستشارين عبد الرزاق السنهوري، سليمان حافظ، ووحيد رأفت. كما كان القصر شاهدًا على اتفاقيات بارزة مثل هبة الأمير سعيد طوسون وزوجته أمينة هانم طوسون لوزارة الحربية عام 1951 لإنشاء الكلية البحرية الملكية في منطقة أبي قير بالإسكندرية.
تشير توقعات مراقبين إلى أن مجلس الدولة سيستجيب للمطالب الرسمية بإخلاء المقر الحالي والقصر، مع الاكتفاء بتقديم مذكرة لرئاسة الجمهورية ووزارة العدل لامتصاص غضب القضاة والعاملين. إلا أن هذه الخطوة، التي كانت مفاجئة وصادمة للكثيرين، تمثل نهاية فصل مهم من تاريخ المجلس، الذي يُنظر إلى مبناه الحالي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من هويته وقيمته التاريخية.
وسبق لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية إخطار مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة بإخلاء مقره الواقع على كورنيش النيل بالقاهرة، باعتباره ضمن أراضي طرح النهر، إلى جانب مبان أخرى مجاورة تخص هيئات أخرى ومنها نادي النيابة الإدارية وكلية السياحة والفنادق.
ورفض رئيس نادي قضاة مجلس الدولة، المستشار عبد السلام النجار، تسليم مقر النادي إلى لجنة مشتركة بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، وجهاز حماية النيل التابع لوزارة الموارد المائية والري، ما أرجأ تسليم المقر حتى نهاية العام الحالي، انتظاراً لاتفاق مرضٍ للطرفين.