بعد خيانة الإمارات لمصر وللأمن القومي العربي، بتمكيها إسرئيل وأمريكا من قاعدة سقطري التي أقامتها بجنوب اليمن على مقربة من باب المندب، جاء الدور على شد أطراف مصر، وتوتيرها إقليميا، بقاعدة جديدة في أرض الصومال للكيان الإسرائيلي، بدعوى مواجهة الحوثيين، والغريب أن الترتيبات تجري بدأب إماراتي، رغم علاقات الصداقة الحميمية بين ابن زايد والسيسي، الذي يفتح مصر واقتصادها وأراضيها وشركاتها للإمارات على المكشوف وبلا مواربة.
ومؤخرا، كشف تقرير لصحيفة هآرتس العبرية، حمل عنوان “كل العيون تتجه نحو أرض الصومال: الدولة الأفريقية الصغيرة التي تشكل مفتاح حرب إسرائيل على الإرهاب الحوثي”، عن دور للاحتلال في تلك المنطقة.
وهو ما يمثل تهديدا لمصر ولأمنها القومي، الذي لا يمثل أهمية لدى السيسي.
التقرير أكد على توجه الاحتلال بدعم إماراتي لتدشين قاعدة عسكرية إسرائيلية في أرض الصومال لمواجهة الحوثيين في اليمن، وهو الأمر الذي يمثل خطرا استراتيجيا على مصر وعلى مستقبل الملاحة الدولية في قناة السويس، وفق بديهيات العلوم السياسية.
وتعددت في الفترة الأخيرة، التقارير في الدويرات الإسرئيلية، والإنجليزية على أن الاحتلال يدرس إنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال لوقف تحركات داعمة للفلسطينيين من قبل جماعة الحوثي اليمنية.
وكذلك مراقبة مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، الذي يسيطر على جانبه الشرقي الحوثيون الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية فرط صوتية والطائرات المسيرة مستهدفين مواقع إسرائيلية بينها تل أبيب، مع بعد المسافة البالغة نحو ألفي كيلومتر.
وتأتي القاعدة العسكرية الإسرائيلية في أرض الصومال، مقابل اعتراف تل أبيب بـ”هرجيسا” عاصمة لأرض الصومال غير المعترف بها دوليا، فيما تشير ذات التقارير إلى أن الإمارات، التي ترتبط بالنظام الحاكم في مصر بعلاقات سياسية واقتصادية واسعة منذ العام 2013، وتحتفظ بقاعدة عسكرية وتجارية في ميناء بربرة بأرض الصومال منذ العام 2017؛ تقوم بدور الوسيط بين إسرائيل وأرض الصومال، حول القاعدة المحتملة، وتشارك في تمويل إنشائها.
أثيوبيا
وإلى جانب القاعدة العسكرية الإسرائيلية قرب المدخل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر في أرض الصومال، تتسارع الجهود الأثيوبية لتدشين قاعدة عسكرية لأديس أبابا على البحر الأحمر عبر أرض الصومال، أيضا، ما يثير المخاوف من تفاقم حجم المخاطر الجيوسياسية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر على مصالح مصر.
وفي تحليل للكاتب الإسرائيلي نادان فيلدمان، نشره موقع “هآرتس” في 27 نوفمبر الماضي، تحدث عن خطر هجمات الحوثي على إسرائيل، مشيرا إلى قطع طائرة مسيرة “بقيمة 20 ألف دولار” مسافة ألفي كيلومتر من اليمن وخداع أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتقدمة واستهداف تل أبيب، وقتل إسرائيلي وإصابة 10 آخرين، في 19 يوليو الماضي.
وقال: إن “الهجوم الحوثي الذي مثّل مفاجأة للدفاعات الإسرائيلية، أجبر إسرائيل على أن “تجد حلولها الخاصة لهزيمة التهديد اليمني، خاصة مع تكلفة إرسال طائراتها المقاتلة في غارات طويلة إلى اليمن، مشيرا إلى أن الحل في أرض الصومال الدولة الصغيرة النائية، المحرومة من الاعتراف الدولي، المحرومة من مساعدات صندوق النقد، والبنك الدولي”.
وزعم الكاتب وجود تشابه بين إسرائيل وأرض الصومال، قائلا: “فكلاهما ديمقراطيتان صغيرتان ضعيفتان، تقعان في مناطق تعج بالأنظمة الاستبدادية والحروب القاتلة، كما تعاني كل منهما من مشاكل تتعلق بالسيادة في مواجهة المجتمع الدولي، وكل منهما لديها أعداء يسعون إلى تدميرها”.
وفي وقت سابق، أشار موقع “ميدل إيست مونيتور”، إلى التوجه الإسرائيلي نحو أرض الصومال، ففي 17 أكتوبر الماضي، كتب الباحث بمعهد الشرق الأوسط بجامعة “سكاريا” التركية، أحمد فيفا ريندي، عن تحركات سرية إسرائيلية لإنشاء قاعدة عسكرية هناك تسمح لها بمهاجمة وردع أهداف الحوثيين، في مقابل الاعتراف الرسمي بـ”هرجيسا” ودفع الاستثمارات المالية فيها.
وأوضح أن دولة الاحتلال سعت لإنشاء مناطق آمنة لأمنها بعمق استراتيجي، مثل قبرص في البحر المتوسط، ملمحا إلى أهمية أرض الصومال، لها في مكافحة الحوثيين في اليمن.
ونقل الموقع عن مصادر دبلوماسية أن الإمارات تتوسط بين الجانبين، وأكد أن أبوظبي لم تقنع أرض الصومال بالسماح ببناء القاعدة العسكرية فحسب، بل أكدت لها أنها ستمولها أيضا.
إسرائيل والإمارات إيد واحدة
ووفق تقديرت استراتيجية، تجتمع أبوظبي، وتل أبيب، على عداء جماعة الحوثي في اليمن، ففي الوقت الذي تربطهما علاقات تطبيع منذ العام 2020، وعلاقات تجارية واتفاقيات اقتصادية، فإن الحوثي الذي يشكل تهديدا للكيان المحتل منذ إعلانه في 14 ديسمبر الماضي، إغلاق مضيق باب المندب؛ يمثل كذلك تهديدا للوجود الإماراتي في جنوب اليمن.
قاعدة سقطري
وبحسب صحيفة معاريف العبرية، فإنه في 29 يوليو الماضي، اتفقت الإمارات مع إسرائيل على إنشاء منشأة عسكرية واستخباراتية مشتركة في جزيرة عبد الكوري، بأرخبيل سقطرى اليمني بخليج عدن، والذي تسولي عليه الإمارات منذ 30 أبريل 2018.
كما أن الحضور الإماراتي القوي في أرض الصومال الجاري منذ العام 2017، ولمدة 7 سنوات، امتد إلى ميناء بربرة ومطار المدينة الهامة على ساحل خليج عدن إذ تستخدمها القوات الإماراتية كقاعدة لنشاطها العسكري في اليمن مقابل استثمار إماراتي بقيمة 440 مليون دولار في الميناء.
مصر المتضرر الأكبر
ولإقليم أرض الصومال أهمية كبيرة لمصر والسعودية والسودان وجيبوتي، بجانب أن القوتين العظميين في العالم، أمريكا والصين، تعتبرانه نقطة جذب هامة وموقعا مميزا لإنشاء قواعد عسكرية وفرصة لاستضافة قواعد بحرية خاصة مع قربه من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يمر منه 12 % من حجم التجارة العالمية سنويا، تمثل نحو 790 مليار يورو، تقريبا.
ويمقل التهديد الاكبر لمصر في أرض الصومال، التحركات الأثيوبية، منذ مطلع العام الجاري، مع توقيعها اتفاقا مع “هرجيسا” يقضي بمنح أديس أبابا الحبيسة منفذا بحريا عسكريا وتجاريا مؤجرا لمدة 50 عاما وبمساحة 20 كيلومترا بميناء بربرة على خليج عدن، مقابل الاعتراف بأرض الصومال.
الأمر الذي أغضب مقديشو، التي استعانت بالقاهرة، التي تشهد خلافا مع أديس أبابا حول ملف مياه النيل، إثر بناء الأخيرة سدا على النيل الأزرق دون توافق مع دولتي مصب نهر النيل، السودان ومصر، وترى فيه خطرا على مستقبل شعبي وادي النيل وعلى حصههما التاريخية في مياه النيل (18.5 و55.5 مليار متر مكعب على التوالي).
ووقعت حكومتا القاهرة ومقديشيو اتفاقية تعاون عسكري مشترك، في أغسطس الماضي، وأرسل الجيش المصري بموجبها طائرتين محملتين بالأسلحة إلى الصومال، وشحنة ثانية في سبتمبر الماضي، ما رأت فيه إثيوبيا تحديا مصريا قابلته بحشد مضاد ومزيد من حضورها العسكري بنحو 3 آلاف عسكري في الصومال.
وييبقى الخطر الأكبر على مصر، الذي يتمثل في الحضور الإسرائيلي بأرض الصومال، والذي سيمتد وتأثيراته المستقبلية خطيرة، خاصة لو تم بتحالف مع إثيوبيا.
وفي ديسمبر الماضي، اضطرت عدة شركات إلى وقف الشحن بالقرب من البحر الأحمر، وكانت “ميرسك” هي الأولى بعد أن هاجم الحوثيون سفينتين تابعتين لها، وتبعتها شركة “أوكل” الصينية، و”هاباغ” لويد الألمانية، و”سي إم إيه سي جي إم” الفرنسية، وشركة “ميديترينيان شيبينغ” (إم إس سي)، أكبر شركة شحن في العالم، وهو ما خفض ايرادات قناة السويس نجو 60% ، وفق بيانات حكومية مصرية.
وهو الأمر القابل للتكرار مع الحضور الإسرائيلي في أرض الصومال، التي لا محالة سيؤثر على قناة السويس والملاحة في البحر الأحمر، وهو ما يتوقع معه أن تتحول أرض الصومال إلى شوكة في خاصرة الدولة المصرية.
والغريب من كل ذلك، هو صمت السيسي ونظامه واستمراره في علاقاته الحميمية مع محمد بن زايد، على حساب الأمن القومي المصري.