عملت الأبواق الإعلامية التابعة لنظام الانقلاب الدموي بقيادة عبد الفتاح السيسي على التهليل لإعلان عودة شركة النصر للسيارات للعمل مرة أخرى، بعد سنوات طويلة من التوقف تصل إلى 15 عامًا، وزعمت هذه الأبواق أن حكومة الانقلاب سوف تحقق حلمًا جديدًا لصناعة السيارات في مصر بالتعاون مع عدد من المصنعين والمستثمرين المصريين والأجانب.
وأوضحت أن البلاد ستتحول إلى مركز إقليمي ودولي لتصنيع السيارات خلال 3 سنوات.
في هذا السياق، زعم مصطفى مدبولي، رئيس مجلس وزراء الانقلاب، أن قرار إعادة تشغيل شركة النصر للسيارات يجسد التزام دولة العسكر بتحقيق رؤيتها الاستراتيجية الهادفة إلى تعظيم الاستفادة من أصولها وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص لضمان استدامة المشروعات الوطنية.
وقال مدبولي في تصريحات صحفية: “اتخذنا قرارًا حاسمًا بإعادة الشركة للعمل، مع ضمان استمرارية نشاطها وعدم توقفها مجددًا، من خلال بناء شراكات قوية ومستدامة مع القطاع الخاص”، وفق تعبيره.
وشدد على أن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء اقتصادي، بل انعكاس لمنهج دولة العسكر في استثمار مواردها على نحو يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني ويدعم الصناعات الحيوية، بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، بحسب تصريحاته.
كما زعم مدبولي أن حكومة الانقلاب تعمل على تعميق المكون المحلي في صناعة السيارات، مشيرًا إلى أن نسبة المكون المحلي في الأتوبيسات الكهربائية الجديدة التي تُصنع بمصر حاليًا تصل إلى ما بين 50% و70%.
دعاية رخيصة
في المقابل، انتقد الخبراء هذا التهليل، مؤكدين أنه يأتي في غير موضعه، وأنه لا شيء تحقق حتى نسمع كل هذا التهليل وتلك الدعاية الرخيصة.
وقال الخبراء إن توطين صناعة السيارات في مصر يتطلب إجراءات أخرى حتى لا تتحول هذه الصناعة إلى تجميع فقط، مؤكدين أن مصر مؤهلة لتكون سوقًا لتصنيع وتصدير السيارات للعالم، وهو ما يحدث نقلة نوعية في الاقتصاد المصري. لكن هذا يتطلب إجراءات أخرى لا بد أن تتخذها حكومة الانقلاب بدلًا من التهليل الإعلامي والوعود غير المنطقية مثل إنتاج سيارة كل 6 دقائق، فهذا درب من المستحيل.
استراتيجية واضحة
من جانبه، قال خبير قطاع السيارات المهندس جمال عسكر إن مصر إذا أرادت توطين صناعة السيارات حقًا، فلا بد أن تتعاون مع أكبر دولة في العالم في هذا المجال حاليًا، وهي الصين، وليس ماليزيا أو الإمارات.
وانتقد عسكر في تصريحات صحفية إقدام حكومة الانقلاب على إعادة افتتاح مصنع عملاق مثل النصر للسيارات بدون وجود استراتيجية واضحة لتصنيع السيارات، مشيرًا إلى أن هذه الاستراتيجية لم تصدر حتى الآن عن رئيس وزراء الانقلاب، الذي كان من المفترض أن يصدرها بعد قرار السيسي بتكليفه في عام 2022 بتشكيل المجلس الأعلى للسيارات برئاسته وعضوية 5 وزراء معنيين و4 خبراء في مجال السيارات.
وأضاف: “مفيش حد هييجي يشتغل معانا في الصناعة طالما معندناش استراتيجية واضحة”، مشيرًا إلى أنه منذ حوالي شهر كان يزور مصر رئيس شركة فولكس فاجن الألمانية العالمية المتخصصة في صناعة السيارات، ولم يجد سياسة واضحة بخصوص الصناعة، واضطر إلى توقيع مذكرة بالأحرف الأولى فقط مع حكومة الانقلاب. ومنذ عام تقريبًا كان رئيس وزراء اليابان يزور مصر أيضًا لفتح 3 مصانع في أفريقيا لتصنيع السيارات، ولم يجد أيضًا سياسة واضحة، فوقع مذكرة بالأحرف الأولى وعاد إلى بلده.
وأوضح عسكر أنه لجذب عمالقة صناعة السيارات في العالم وتوقيع اتفاقيات معهم، لا بد من الإعلان عن منح صلاحيات وحوافز وتسهيلات ضريبية وجمركية وغيرها للمستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى آلية واضحة لسهولة دخول الأموال وخروجها من البلد، معربًا عن أسفه لأن حكومة الانقلاب لم تعلن عن ذلك حتى الآن.
عقلية متحجرة
وحول امتلاك مصر مقومات صناعة السيارات، أكد أن المقومات موجودة، حيث العامل البشري المؤهل، وهناك 50 ألف خريج كل سنة ما بين مدارس صناعية ومعاهد وكليات هندسة وغيرها، ويشاركون في مسابقات دولية سنويًا ويحصلون على المراكز الأولى. كما توجد مصانع وخطوط إنتاجية قوية لا بد من استغلالها في التصنيع وعقد شراكات واتفاقات مع المستثمرين الأجانب بشرط الاستفادة للطرفين: المستثمر والبلد، بحيث لا يتم استغلال المستثمر وتحقيق مكاسب على حسابه.
وشدد عسكر على أن ما تحتاجه مصر حاليًا هو وجود صاحب قرار يتخذ قرارًا بتعيين شخص مناسب لتوطين صناعة السيارات، ويعطي له كل الصلاحيات في تشكيل فريقه المتخصص، وبعدها سوف تنطلق صناعة السيارات الحقيقية. لكن طالما ظلت العقلية المتحجرة الحالية، لن تتحرك الصناعة في مصر.
وأكد أن مصر يمكن أن تصبح واحدة من أهم الدول في صناعة السيارات الكهربائية إذا وضعت استراتيجية واضحة تجذب المستثمرين الأجانب والشركات العالمية لإنشاء خطوط إنتاج السيارة ومكوناتها سواء البطارية أو الموتور أو الشواحن، فضلًا عن الإطارات، وبالتالي تصل نسبة المكون المحلي إلى 80%، وليس 42% كما تم الإعلان عنه.
الحرب التجارية
وأوضح عسكر أن مصر يمكنها إنتاج سيارة كاملة في عام واحد فقط، خاصة مع وجود اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التي تسمح بتصدير السيارات بصفر جمارك، وبالتالي من الممكن الاستفادة من الحرب التجارية الدائرة بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا من ناحية والصين من ناحية أخرى، واستغلال موقعها الاستراتيجي في تصدير السيارات إلى أوروبا بدلًا من الصين، والحصول على حصة لا يستهان بها من هذه الصناعة.
وتابع: “التصدير سيكون بدون جمارك، وبالتالي مليارات الدولارات مكاسب من هذه الصادرات… وبدل ما المغرب بتصدر بـ7 مليارات دولار، مصر هتوصل إلى 70 مليار دولار من صناعة السيارات”.
ولفت عسكر إلى أن مصر بها نحو 9.5 مليون سيارة ركوب تحتاج إلى 25 مليون إطار سيارة سنويًا، وبالتالي من الممكن إنشاء 10 مصانع لإنتاج الإطارات لتغطية الطلب سنويًا، بدلًا من الإعلان مؤخرًا عن افتتاح مصنع واحد لإنتاج 60 ألف إطار سنويًا فقط.
تكنولوجيا التصنيع
وقال المستشار الاقتصادي أحمد خزيم إن ما حدث مؤخرًا من توقيع اتفاقيات بقطاع صناعة السيارات في مصر ما هو إلا تجميع للسيارات وليس تصنيعًا حقيقيًا.
وتساءل خزيم في تصريحات صحفية: “كيف يكون ذلك تصنيعًا وقد قمنا ببيع مصانع الحديد والمراجل البخارية التي تغذي هذه الصناعة وتنتج أهم مكوناتها وهي الحديد والمحركات؟”.
وأوضح أن الشركاء الأجانب المتعاقد معهم، سواء ماليزيا أو سنغافورة أو الصين أو غيرها، هم من يمتلكون أدوات وتكنولوجيا التصنيع، أما نحن فلا نمتلك تكنولوجيا تصنيع سواء المواتير أو مكونات إنتاج السيارات حتى الآن. لافتًا إلى أن ما حدث في صفقة النصر للسيارات هو اتفاق بين شركات من 3 دول، والنصر للسيارات دخلت في الصفقة بقيمة الأرض، وهي 24% من قيمة المشروع، ولكن المعدات وتكنولوجيا التصنيع تابعة للشريك الأجنبي برأسمال إماراتي.
وأشار خزيم إلى أن الإنتاج سيبدأ خلال العام 2025، منتقدًا مزاعم حكومة الانقلاب بأن الشركة سوف تنتج سيارة كل 6 دقائق، لأن هذا يجافي الحقيقة. فهذا يعني أن المصنع يمكنه إنتاج ما يكفي أفريقيا كلها وليس مصر فقط، وهذا الحديث ليس منطقيًا.
وشدد على ضرورة توسيع قاعدة الملكية في الشركات وإدخال مستثمرين جدد بكامل القيمة بدلًا من بيع الأرض كما حدث في مصنع النصر للسيارات.