اعتراف وزير الري بحكومة الانقلاب بمخالفة سد النهضة القانون الدولي يدين السيسي ولا يقنع أثيوبيا!

- ‎فيتقارير

 

بعد أن وقع  المنقلب السفيه السيسي على اتفاق  المبادئ لبناء سد النهضة، مع أثيوبيا والسودان في مارس 2015، وبعد سنوات من الفشل والعجز،  يأتي وزير الري بحكومة الانقلاب العسكري، ليعلن أن بناء سد النهضة وملئه بهذه الطريقة، مخالف للقانون الدولي، وهو التصريح الذي جاء متأخرا لعقد من الزمان، ورط خلالها السيسي نصر في أزمة مائية غير مسبوقة في التاريخ الحديث أو القديم.

وهو ما سبق أن حذر منه كل الخبراء والمعارضين لنظام السيسي، دون أن يسمع لهم، وأخرج  طباليه لينتقدوا من يحذر من خطورة الوضع المائي بمصر، لتكتب صحفة “خلاص السيسي حلها” ويخرج السيسي نفسه ليقول للمصريين الخائفين من مصيرهم الأسود من العجز المائي والفقر المائي ” بطلوا هري”.

ثم يأتي السيسي ونظامه ليقولوا ما كانت تقوله المعارضة المصرية،  منذ عقد من الزمان.

وفي 27 نوفمبر الماضي، قال هاني سويلم وزير الموارد المائية والري في اجتماعات الدورة السادسة عشر للمجلس الوزاري العربي للمياه: إن “مصر تواجه تحديات معقدة في إدارة مواردها المائية، حيث تأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة باعتبارها من الدول الأقل، من حيث كمية الأمطار المتساقطة عليها (والذي يبلغ ١.٣٠ مليار م٣/سنويا) في وقت تبلغ كمية الأمطار المتساقطة على بعض دول أعالي نهر النيل أكثر من ٩٠٠ مليار م٣/سنويا، وتعتمد مصر بشكل شبه مطلق على نهر النيل بنسبة ٩٨% على الأقل لتوفير مواردها المائية المتجددة، وفي حين تبلغ إجمالى الاحتياجات المائية حوالي ١١٤ مليار م٣ سنويا ، وتبلغ إجمالى الموارد المائية نحو ٦٠ مليار متر مكعب، وعليه يتم سد الفجوة عن طريق إعادة الاستخدام والتدوير لحوالي ٢١ مليار م٣ ، بالإضافة إلى استيراد حوالي ٣٤ مليار متر مكعب من المياه الافتراضية في صورة منتجات غذائية، وفق البيان الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء”.

وفي هذا السياق، لفت الوزير إلى أنه تتضح المخاطر الناتجة عن التحركات المنفردة والأحادية التي لا تلتزم بمبادئ القانون الدولي على أحواض الأنهار الدولية، ومن أبرزها السد الإثيوبي الذي بدأ إنشاؤه دون أي تشاور أو دراسات كافية تتعلق بالسلامة أو بالتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المجاورة ، مما يعد انتهاكاً للقانون الدولي ، حيث يرغب الطرف الآخر فقط في تكريس الأمر الواقع دون وجود إرادة سياسية لديه للتوصل لحل، بحسب البيان نفسه.

 

مسئولية السيسي

 

وتناسى الوزير  توقيع السيسي على اتفاق المبادئ، الذي منح أثيوبيا الحق الكامل في بناء السد وتشغيله، وسط مراوغات مستمرة وعدم توقيع اتفاق نهائي مع مصر ، بشأن تشغيل وملء السد الأضخم في القارة الأفريقية.

 

وفي الوقت الذي يحمل فيه كلام الوزير السيسي المسئولية عما حدث، لم يطلب او يدعو نظامه لإعلان الانسحاب من اتفاقية المبادئ التي ورط السيسي فيها مصر ، من أجل الحصول على شرعيته بعد انقلابه العسكري في 2013.

 

تسرب  المياه  من خلف السد

 

ويضاف لمخاطر الجفاف في مصر والتصحر، كارثة أخرى تتمثل في تسرب المياه خلف السد، ما يهدد بكارثة إنسانية أخرى في حال، تأثر السد وانهار، ما يغرق السودان تماما ويدمر ثلث مصر وأراضيها ومدنها ودلتا مصر.

ففي 21 نوفمبر الماضي،  كشف الدكتور محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود وجيوتكنيك السواحل الطينية بالجامعة التكنولوجية بماليزيا، عن تفاقم حجم تسريب المياه في سد السرج الإثيوبي، والسد الركامي المكمل لسد النهضة والأخطر منه، وأظهر ذلك صور حديثة لسد السرج بالأقمار الصناعية.

مشيرا إلى أن تسريب المياه تحت سد السرج زاد بعد اكتمال الملء الخامس لسد النهضة عند منسوب 638.5 فوق سطح البحر، وبدا ذلك واضحًا من خلال مقارنة الصور عند سد السرج عام 2019، وصورة التسريب الكبير خلال شهر نوفمبر 2024، ما يكشف حجم الكارثة في منطقة سد النهضة وسد السرج.

وقال الدكتور محمد حافظ في مقارنته التي كشف فيها التسريب الضخم لسد السرج من خلال الصور، التي نشرها عبر صفحته على فيس بوك: “مقارنة بين رطوبة أراضي ما وراء سد السرج الإثيوبي خلال عام 2024 و2019”.

وأوضح أستاذ السدود أن “هذا قد يعني بشكل غير مباشر وجود تسريب لمياه البحيرة تحت تربة الأساس والتي قد تكون هي المصدر الرئيسي لزيادة الرطوبة بتلك المناطق”.

 

أما عن تأثير تسريب مياه سد السرج على المنطقة وعلى سد النهضة، فقال: إنه “سيؤدي لحدوث مشاكل استقرار سوف تظهر خلال أول 3 سنوات من التشغيل الكامل لسد النهضة”.

وأشار إلى أن “في بداية عام 2022 وبعد الانتهاء من الملء الثاني، كانت هناك صور حصلت عليها (هايدي فاروق) من القمر الصناعي الصيني، تؤكد حدوث تسريب كبير لمياه التخزين تحت سد النهضة”.

وأضاف: “منذ بداية هذا القرن وهناك تكنولوجيا أقمار صناعية متخصصة لرؤية مسار المياه الجوفية في أعماق تتراوح بين (60-100 متر) تحت سطح الأرض”.

 

وأوضح أستاذ هندسة السدود “قبل أيام نشر أحد الباحثين المصريين والذي يعمل من خلال (فريق دولي من علماء الهيدرولوجيا والجيولوجيا) دراسة نشرتها دورية “بي إن إيه إس” التابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية، على منهجيات علمية مثبتة في دراسات سابقة، وقادت جميعها إلى تقدير كمية المياه المفقودة بقرابة 19.8 مليار متر مكعب، خلال أول ثلاث سنوات لملء سد النهضة. أي تقريبا بعد الملء الثالث ووصول مياه التخزين لبحيرة (سد السرج)”.

 

ورطة عنتيبي وعجز السيسي

 

وعلى صعيد آخر، وضمن انعكاسات العجز السياسي للسيسي ونظامه العسكري، تواجه مصر خطرا آخر يوازي خطر سد النهضة.

حيث تسعى مصر بخطوات دبلوماسية حثيثة لتعزيز مصالحها المائية في حوض النيل، مع دخول اتفاقية عنتيبي حيز النفاذ، وما يترتب عليها من تحديات تهدد الأمن المائي للبلاد، بما في ذلك مع أوغندا، مع العلم أن اتفاقية عنتيبي المعروفة رسمياً باسم “الاتفاق الإطاري التعاوني لدول حوض النيل”، تم توقيعها عام 2010 في مدينة عنتيبي الأوغندية من قبل عدد من دول حوض النيل، وتهدف الاتفاقية إلى إعادة تنظيم الاستفادة من مياه النيل بين دول الحوض، مع التركيز على تحقيق العدالة والتنمية المستدامة، ومع ذلك، أثارت اتفاقية عنتيبي جدلاً واسعاً نظراً لتعارضها مع الاتفاقيات التاريخية التي تكفل لمصر والسودان الحصة الأكبر من مياه النيل، وتشمل الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا وتنزانيا وبوروندي وجنوب السودان وقعت وصادقت عليها لاحقاً في العام 2023، وتُعد هذه الدول ضمن ما يُعرف بدول المنبع، التي تسعى لتعديل بنود الاتفاقيات السابقة لصالحها، بينما لم توقع كل من مصر والسودان، باعتبارهما دولتي المصب، على الاتفاقية.

وأبرز بنود اتفاقية عنتيبي هي إلغاء الحصص التاريخية المحددة في اتفاقيتي 1929 و1959، اللتين تمنحان مصر والسودان 55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً على التوالي، وإقرار مبدأ “الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل”، وإعطاء الأولوية لمشروعات التنمية المائية في دول المنبع، مثل توليد الطاقة والزراعة، دون الالتزام بموافقة مسبقة من دول المصب. ورغم توقيع اتفاقية عنتيبي في العام 2010، فقد تأخر دخولها حيز التطبيق لأكثر من عقد بسبب عدم مصادقة عدد كافٍ من الدول عليها، حيث يتطلب تفعيلها مصادقة غالبية دول الحوض، ومع انضمام جنوب السودان إلى الاتفاقية في يوليو 2023، تم استيفاء العدد اللازم، ما أتاح للاتفاقية أن تدخل حيز النفاذ رسمياً.

 

وفي إطار التحركات المصرية المتأخرة، شهدت القاهرة توقيع وزير الخارجية والهجرة بدر عبد العاطي، ونظيره الأوغندي هنري أوكيلو، على إعلان مشترك يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الإقليمي والدولي، وأكد الإعلان على أهمية تعزيز المشاورات المنتظمة بين البلدين وتوسيع التعاون في مجالات بناء السلام ومكافحة الإرهاب وإدارة الموارد المائية، واتفق الطرفان على التشاور بشأن قضايا مياه النيل، بما يضمن تحقيق المنفعة المتبادلة والتعاون المستدام وفقاً للقانون الدولي وأفضل الممارسات. وتأتي هذه المساعي في وقت تواجه فيه مصر تحديات متزايدة بسبب الموقف الإثيوبي المتصلب تجاه سد النهضة.

وضمن الجهود المصرية لتطويق تداعيات اتفاقية عنتيبي واكتمال بناء سد النهضة الإثيوبي، أجرى عبد العاطي اتصالاً هاتفياً، الخميس الماضي ، مع كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، هنأها فيه بتولي منصبها الجديد، وخلال الاتصال، شدد عبد العاطي على أهمية الأمن المائي باعتباره قضية وجودية بالنسبة لمصر، داعياً إلى دعم الموقف المصري في ملف سد النهضة بما يضمن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل. وفي السياق ذاته، ناقش عبد العاطي مع وزير خارجية إريتريا عثمان صالح عدداً من القضايا الإقليمية، مشيرين إلى أن تعزيز الاستقرار الإقليمي يظل عاملاً رئيسياً في مواجهة التحديات المشتركة من خلال تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية، فضلاً عن تبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية.

 

 

 

والغريب أن تلك التحركات التي يصفها خبراء بانها متأخرة كثيرة، قد لا تحقق لمصر ما تريد أو تقنع أثيوبيا أو تجبرها على تغيير مواقفها، إذ تأتي تلك التحركات عقب سنوات من الانشغال عن القضايا الأفريقية خلال العقدين الماضيين انعكس سلباً على مصالحها المائية، خاصة في قضية مياه النيل، حيث تأثرت مكانتها بعد مصادقة غالبية دول حوض النيل على اتفاقية عنتيبي الإطارية، التي تلغي الاتفاقيات التاريخية لمياه النيل (1929 و1959)، التي تضمن لمصر والسودان حصصاً مائية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.