بعد فشل السيسي في صياغة أو صناعة قيادات إعلامية قادرة على إدارة الملف الإعلامي، الذي يديره بأذرعه المخابراتية العاجزة عن مواكبة العصر أو الإعلام أو الوصول لعقول المصريين، في زمن السوشيال ميديا والفضاءات الإعلامية الشاسعة، بينما إعلاميو البغال محشورون في عقلية الستينيات، على خطى صنمهم الأكبر “ما تسمعوش كلام حد غيري”، و”عبد الناصر كان محظوظًا بإعلامه”، وهو ما لم يعد يجدي في زمن التيك توك والفضاءات المفتوحة، فلم يجد السيسي سوى العودة إلى رجال مبارك.
وأعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية إعادة تشكيل مجلس إدارتها برئاسة طارق نور، خلفًا لأشرف سالمان، بعد تحالفها مع شركة طارق نور القابضة وقناة المحور، لوضع استراتيجية مستقبلية لتطوير المنظومة الإعلامية.
وأشارت الشركة، في بيان أمس، إلى أن التحالف يضمن تعيين شركة طارق نور القابضة خبراء متخصصين في صناعة الإعلام بالتعاون مع الإدارة الحالية.
ويضم التشكيل الجديد لمجلس إدارة المتحدة تعيين طارق مخلوف عضوًا منتدبًا، وعضوية كل من سيف الوزيري، ومحمد السعدي، وتامر مرسي، وأحمد طارق، وعمرو الفقي، وشريف الخولي، وعمرو الخياط.
ويستهدف التحالف، حسب البيان، وضع استراتيجية مستقبلية لتطوير المنظومة الإعلامية، بما يعود بالنفع على صناعة الإعلام بشكل عام.
من ناحيته، قال طارق نور إن استعانة الدولة بشركته في فكر وإدارة القطاع الخاص تؤكد أنها تفتح مجالًا لاستقلالية الإعلام.
وعبّر نور، لقناة “إكسترا نيوز”، عن ثقته في الكوادر والإمكانات الموجودة حاليًا في التحالف، مشيرًا إلى أنها قادرة على تطوير الصناعة الإعلامية بكل عناصرها.
وتابع: “أنا متفائل بالثقة التي منحتها الدولة للقطاع الخاص، وخلينا نركز على الشغل، ولو تمكنت المواهب الموجودة ستساهم في إثراء المحتوى الإعلامي”.
غياب الحرية سر الفشل
وفق خبراء في الميديا، فإن إمكانات المتحدة كبيرة جدًا على المستوى الإعلامي والمستوى المالي، بينما ما ينقصها هو السقف المفتوح في الإعلام والالتصاق بقضايا المجتمع، والتعاطي مع الجمهور على أنه واعٍ ويلمس الحقيقة بوضوح.
كما أن السبب الأكبر لفشل المتحدة في تحقيق أهداف النظام أو تحقيق أرباح مالية، هو التصاقها بالسلطة فقط، وغياب الرأي الآخر عن شاشاتها، وديماغوجية الخطاب الإعلامي، وتحكم الرقيب العسكري في برامجها، وهو ما لا يمكن أن يحقق تقدمًا يُذكر.
انقلاب من السب والقذف لنور إلى الاندماج معه!
وبدا غريبًا التفاهم والتقارب بين نور والمتحدة، التي شنت عبر وسائلها الإعلامية المتعددة هجومًا كاسحًا سابقًا على الإعلامي وصانع الإعلام طارق نور، وهو ما يمكن أن يُعد هجومًا لإخضاعه، أو حاجة النظام الماسة إلى خبراته، بعد الفشل المالي الكبير للمتحدة وعدم تحقيق أهدافها المجتمعية والسياسية.
في 2018، قادت صحف المتحدة حملة ضد طارق نور بعنوان “ملف فساد الأراضي”، بعدما أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمين أعادت في الأول للدولة “405 أفدنة مغتصبة من شركة ديزرت ليكس ويمثلها طارق نور”، وفق ما وصفته صحيفة اليوم السابع وقتها.
وفي الحكم الثاني، أعادت 400 فدان أخرى تنازل فيها طارق نور عن 271 فدانًا لرجال أعمال آخرين، وهو ما وصفته المحكمة في حينها بأنه “تنازل ممن لا يملك وفيما لا يملك من أراضي الدولة، على مرأى من الجهة التي ناط بها القانون الحفاظ على أراضي الدولة”.
في 2019، تواصلت الحملة ضد نور، ونشرت “اليوم السابع” موضوعًا بعنوان “المقامرون لا يختشون.. طارق نور يتاجر بسمعة مصر في سبيل تمرير برنامج يسيء للأسر المصرية”، الذي جرى حذفه لاحقًا.
كذلك حذفت صحيفة “الوطن” موضوعًا بعنوان “حيثيات الإدارية تكشف اغتصاب طارق نور لـ805 أفدنة مملوكة للدولة”.
وسبق أن طالب الإعلامي محمد الباز، طارق نور، بالكشف عن الحجم الحقيقي لثروته أمام الرأي العام، بعد حكم القضاء الإداري باسترداد الـ805 أفدنة. وقال الباز في برنامجه “90 دقيقة” على قناة المحور، إن طارق نور “رجل إعلان وإعلام قبل أن يكون رجل أعمال، لذلك لا بد أن يسرع بالكشف عن حجم ثروته وتفاصيل هذه القضية كي يبرئ ذمته أمام الجمهور”.
السيطرة الأمنية طريق فشل الإعلام
وأمام هذا العبث والتقلبات الدالة على ورطة النظام السياسي، الذي لا يستقر على أمر ما في أي مجال من المجالات، نظرًا لهشاشته السياسية والمجتمعية، وعجزه عن صناعة كوادر قادرة على نقل أفكاره وتنزيلها للمجتمع، يمثل اختيار طارق نور محاولة لتحميل النظام والسعي لتحقيق أرباح أكبر من الإعلانات، بعد الفساد الكبير الذي يضرب شركاته ومواقعه، وليس سعيًا لاستقلال إعلامي كما يحاول أن يدعي النظام.
يُشار إلى أنه في 25 نوفمبر الماضي، أصدر السيسي ثلاثة قرارات بتشكيل مجالس إدارات المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، وتضمنت القرارات تغييرات واسعة على مستوى الرئاسة والأعضاء بتلك المجالس.
وقال الكاتب الصحفي أنور الهواري إن تأسيس شركات إعلامية لإدارة الإعلام في مصر وإسناد إدارتها إلى أشخاص غير معنيين برسالة الإعلام يُعد خطوة غير موفقة. وأضاف الهواري، على فيسبوك، أن “إصلاح إعلام الدولة بالمهنية والكفاءات والحرية كان أسهل الحلول، دون الحاجة إلى إنشاء إمبراطورية إعلامية موازية يكون مصيرها الفشل، ثم تؤول إدارتها إلى إمبراطور إعلانات أبعد ما يكون بخبرته وثقافته عن رسالة الإعلام”.
يُشار إلى أن نور سبق أن أشرف على الحملات الإعلامية للمخلوع حسني مبارك، وكان مقربًا من جمال مبارك، وأشرف في مرحلة من المراحل على تسويقه للمصريين، وهو ما يؤكد أن نظام السيسي لا يجيد صناعة الكوادر، وعند اشتداد الأزمات لا يجد أمامه سوى رجالات مبارك، وهو ما يمثل قمة الفشل.