مشكلة نقص أسرّة الرعاية المركزة واحدة من أكبر التحديات التى تواجه القطاع الصحى فى زمن الانقلاب، بسبب عجز الحكومات المتوالية عن حلها، حتى تفاقمت المشكلة وتحولت إلى كارثة، وتحتاج مصر لحوالى 50 ألف سرير رعاية، فى حين أن المتواجد حاليًا لا يتجاوز العشرة آلاف سرير فى القطاعين الحكومى والخاص.
هذا العجز يجعل أزمة الحصول على سرير فى غرفة عناية مركزة تتفاقم من عام لآخر، وأصبحت رحلة البحث عن سرير رعاية مركزة تمتد لأيام وقد يفقد بعض المرضى أرواحهم بسبب عجز أسرهم عن توفير سرير رعاية مركزة لهم.
نقص أسرّة الرعاية جعلت الكثير من المصريين يعيشون رحلة عذاب وانتظار، خاصة مع كثرة الحوادث اليومية على الطرق السريعة وحاجة الأطفال حديثى الولادة لغرف الحضانات أو العناية المركزة، لعلاج أمراض الأسابيع الأولى من الولادة.
كانت وزارة صحة الانقلاب قد وضعت نظامًا مركزيًا، حيث أعلنت أن طلب سرير رعاية مركزة لمريض، يستوجب الاتصال برقم الطوارئ 137، وهو الخط الساخن الذى حددته الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة لحجز سرير، إلا أن هذا النظام لم يحل المشكلة بسبب العجز الكبير فى عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية والجامعية التى ترفع شعار كامل العدد، بل إن المرضى يواجهون تحديات كبيرة مع الخط الساخن، حيث تضطر أسرة المريض للاتصال عدة مرات دون أن يتم الرد عليهم، وعند الرد يتم الحصول على بيانات المريض لكن الحالة لا تُضاف إلى قائمة الانتظار إلا بعد تقييم الطبيب لها، وفى بعض الأوقات، قد يستمر الانتظار لأيام أو أسابيع حتى يتوفر سرير رعاية، وهو ما يعرض حياة المريض للخطر، خاصة فى حالات السكتات الدماغية والقلبية والجلطات.
واسطة ومحسوبية
حول هذه الأزمة أكد أحمد عبد الخالق فى منتصف السبعينات أن دخول المريض لغرفة الرعاية المركزة لا يكون بغير الواسطة والمحسوبية مشيرًا إلى أن المريض الذى لا يتمكن من ذلك يصبح أمامه طريقان، إما رعايات المستشفيات الخاصة أو أن يضع نفسه فى عداد الموتى.
وقال عبد الخالق أنه عانى أشد المعاناة فى البحث عن سرير فى أحد المستشفيات الحكومية بعد إصابته بورم فى الحالب.
وأشار إلى انه كان يعتقد أن المستشفى الحكومى سيكون مكانًا آمنًا لتلقى العلاج المناسب، لكنه فوجئ بمشاكل لا حصر لها، بدءًا بذهابه لمستشفى السيد جلال حيث لم يجد سرير رعاية مركزة، ثم ذهابه إلى أحد المستشفيات الحكومية الأخرى لكنه فوجئ بنقص المستلزمات الطبية الأساسية مثل محلول العمليات.
وأضاف عبد الخالق: بعد أن تم تخديرى استعدادًا للعملية، أخبرت إدارة المستشفى أسرتى فجأة أنه لن يستطيع إجراءها بسبب نفاد المحلول، لافتًا إلى أنه فى الأسبوع التالى عاد إلى المستشفى، ليكتشف أن اسمه قد أُزيل من قائمة الانتظار وكأن العملية قد أُجريت بالفعل وهذه كانت بمثابة صدمة له، لأنه ما زال فى انتظار العلاج.
الأغنياء فقط
وأكد أحمد فتح الله أن مشكلة عدم وجود سرير فى العناية المركزة تعد أزمة كبيرة خاصة إذا كانت حالة المريض حرجة.
وكشف فتح الله عن معاناته مع هذه المشكلة قائلًا: عندما تعرض والدى لجلطة فى المخ كان لا بد من نقله إلى العناية المركزة، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن سرير لكننا مثل أى مواطن فقير فشلنا فى إيجاده، وحاولنا دخول أحد المستشفيات الخاصة إلا أنهم طلبوا منا إيداع مبلغ مالى كبير تحت الحساب كجزء من تكلفة العلاج ولكن لضيق ذات اليد لم نستطع توفير المبلغ وظل والدى ملازمًا للفراش حتى فارق الحياة.
وقال أن هذه الأزمة تؤكد أن العلاج فى مصر أصبح من حق الأغنياء فقط أو من لديه وساطة تمكنه من دخول المستشفيات الحكومية.
نظرة متكاملة
وكشف الدكتور إيهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الأطباء أن المشكلة لا تقتصر على نقص أسرة العناية المركزة فقط، بل إنها أكبر من ذلك بسبب العجز فى عدد الأطباء والتمريض المدربين على أعمال العناية المركزة، مؤكدًا أننا أمام مشكلة أكبر نتجت عن هجرة الأطباء بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة، مع تدنى الأجور والتى لا تكفى لتوفير حياة كريمة لهم، لذلك يبحث الأطباء باستمرار عن فرصة عمل فى أى دولة أخرى لتحسين دخولهم، بالإضافة إلى الاعتداءات المستمرة عليهم بدون وجود حماية لهم، وعدم وجود قانون للمسئولية الطبية يحميهم أثناء أداء عملهم.
وقال الطاهر فى تصريحات صحفية: أحيانًا يتم تحميل الأطباء أعباء نقص المستلزمات أو أسرة الرعاية المركزة أو الحضانات وبالتالى اصبحنا أمام مشكلة لا بد من حلها حلًا جذريًا.
وطالب بضرورة النظر إلى المنظومة الصحية نظرة متكاملة لتقديم خدمة طبية حقيقية مشددًا على أنه بدون تحسين أحوال الأطباء والتمريض لن نتمكن من حل المشكلة.
وأشار الطاهر إلى أن بيئة العمل بالمستشفيات الحكومية بحاجة إلى تطوير، خاصة أن معظم المواطنين غير قادرين على تحمل تكاليف العناية بالمستشفيات الخاصة.
تخصصات نوعية
وكشف الدكتور وجدى جرجس استشارى الأطفال وحديثى الولادة عن أزمة العناية المركزة لها أوجه كثيرة أهمها نقص الفرق الطبية من أطباء وتمريض لتشغيل الرعايات والحضانات فى المستشفيات، بجانب تدنى الأجور، وعدم وجود قانون للمسئولية الطبية، وسوء ظروف العمل خصوصًا لشباب الأطباء.
وقال جرجس فى تصريحات صحفية: بعد سنوات من معاناة الأطباء وأسرهم مع كورونا لم يجدوا أقل القليل من التقدير الذى يستحقونه سواء من حكومة الانقلاب أو من المجتمع مقارنة بما تلقاه نظراؤهم فى أى دولة من دول العالم، بالإضافة إلى سهولة تحقيق حلم السفر لمزيد من التعلم وتحسين أحوالهم بعد فتح الدول الغربية أذرعها أمام شباب الأطباء بقوة.
وطالب بضرورة إجراء مسح يحدد نوعية الرعايات التى يحتاج لها المجتمع حتى يتم توفيرها وتخصيص الأطقم اللازمة لتشغيلها، مؤكدًا أن هناك نقص حاد فى التخصصات النوعية للرعايات المركزة، فمثلًا هناك عدد كبير من رعايات القلب، فى الوقت الذى يوجد فيه عجز كبير فى رعايات الأطفال والمخ والأعصاب والغسيل الكلوى والكبد والوحدات المتعلقة بالسكتة الدماغية.
وأشار جرجس إلى ضرورة العمل ببروتوكول علاجى محدد لكل حالة مشيرًا إلى أن سبب أزمة الرعايات والحضانات هو عدم وجود بروتوكولات وأدلة عمل موحدة للتعامل مع المريض سواء فى الرعاية المركزة أو الحضانات.
وأكد أن المسألة تخضع لتقدير الطبيب وهو ما يؤدى الى وجود مرضى داخل الرعايات حالتهم لا تستحق ذلك، وهو ما يتسبب فى حدوث عجز فى عدد أسرة الرعايات والحضانات.