ضمن الثالوث المدمر الذي يضرب مصر، ويرقى لمستوى الخيانة الوطنية، حيث بات الاقتصاد المصري محصورًا بين ثلاثة خيارات لا رابع لها:
إما القروض والديون الخارجية، وإما إصدار أذون خزانة وسندات ديون، وإما بيع الأصول والأراضي والعقارات والشركات… جاء إعلان رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي عن خطة تفصيلية لتطوير منطقة الساحل الشمالي الغربي لتقسيمها إلى ثلاث مناطق رئيسية، بهدف تحويلها إلى وجهة سياحية عالمية على أعلى مستوى – على حد تعبيره.
وتأتي الخطة الجديدة لاستكمال مسلسل بيع السواحل المصرية للأجانب، لسد الفجوات التمويلية والعجز المالي الكبير بمصر، بعد أن ابتلعت مشاريع السيسي الوهمية أموال رأس الحكمة التي تعد الصفقة الأكبر في تاريخ مصر لبيع أراضٍ مصرية للأجانب.
إذ إنه في فبراير الماضي، أعلن مدبولي صفقة استثمار عقاري تستحوذ بموجبها شركة “مُدن القابضة” الإماراتية على مشروع رأس الحكمة مقابل 24 مليار دولار بهدف تنمية المنطقة، بجانب تحويل 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية لدى البنك المركزي المصري ليتم استخدامها.
وأوضح مدبولي، خلال مؤتمر صحفي أمس الأربعاء، أن المنطقة التي تمتد بطول 260 كيلومترًا من الشواطئ، تم تقسيمها إلى ثلاثة قطاعات رئيسية: من رأس الحكمة إلى مرسى مطروح، ومن مرسى مطروح إلى سيدي براني، ومن سيدي براني إلى السلوم.
وأشار مدبولي إلى أن الحكومة عقدت اجتماعًا مهمًا هذا الأسبوع لوضع مخططات تفصيلية لاستغلال هذه المناطق بصورة استراتيجية، بما يعظم المردود السياحي ويجذب الاستثمارات.
ووقعت مجموعة “مُدن القابضة” اتفاقيات تعاون مع أول مجموعة من الشركاء والمستثمرين لتطوير مشروع رأس الحكمة، تضمنت ثلاث شركات مصرية، بينها مذكرات مع شركة طاقة لتطوير وتمويل وتشغيل مشاريع البنية التحتية، وشركة & e مصر لتصميم وتنفيذ البنية التحتية للمدينة الذكية، وشركة أوراسكوم للإنشاءات مقاولًا رئيسًا للأعمال التمهيدية في مجال البناء.
هرولة نحو البيع
وتتزايد مخاوف الاقتصاديين في مصر من تداعيات هرولة الحكومة إلى بيع الشركات العامة والعديد من الأصول في ظل الظروف الحالية، حيث تمر المنطقة بمنعطف خطير، إذ تلوح في الأفق حرب إقليمية بفعل العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على غزة واليمن وسوريا ولبنان، مما يلقي بظلال سلبية قاتمة على اقتصاد مصر، ويؤثر سلبًا في تقييم الأصول التي يحذر كثيرون من بيعها بأثمان بخسة.
يتهم خبراء في سوق المال الحكومة بـ”تقييم الأصول دفتريًا” وبيعها، دون طرحها في البورصة أو الحصول على السعر العادل لقيمة أسهمها وفقًا للسوق، الأمر الذي تكرر عند بيع شركات لديها أصول رأسمالية هائلة، منها شركات في قطاعات الحديد والصلب والبتروكيماويات والفنادق التاريخية. ويخشى هؤلاء من توسع الحكومة في بيع شركات عامة مطروح بعضها في البورصة، بثمن بخس، لمستثمر استراتيجي، يخرجها من “التداول” فور إتمام صفقة البيع، مما يقلص حجم الشركات المتداولة، ويحرم المستثمرين المحليين والأجانب فرصة التعامل على أسهم جيدة، تدفعهم إلى البحث عن أسواق بديلة أكثر قوة في الخليج والبورصات الدولية.
وفي مواجهة فجوة تمويلية يقدّرها خبراء بنحو 40 مليار دولار بنهاية العام المالي الجاري 2024-2025، تسرع الحكومة نحو بيع الأصول العامة، لمواجهة أزمة ديون سيادية عميقة، أثرت في مناحي الأنشطة الاقتصادية، وزادت حدتها منذ عام 2022، مع تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة، ونقص حاد في الواردات، وانهيار العملة، وارتفاع قياسي في معدلات التضخم فاق 40% في يونيو 2023.
فيما ولدت الأزمة رغبة محمومة من الحكومة للحصول على الدولار، واعتمادها على الأموال الساخنة المدفوعة بالزيادة الهائلة في الفائدة على أذون الخزانة والسندات وشهادات الإيداع، مع تأثر الدولة بالمخاطر الجيوسياسية في المنطقة وارتفاع الفائدة على العملات الرئيسية.
رأس جميلة
كما أعدت الحكومة قائمة جديدة لبيع مساحات واسعة من الأراضي في رأس بناس ورأس جميلة على ساحل البحر الأحمر شرقيّ البلاد وأصول 35 شركة عامة، لم تطرح بعضها من قبل في برنامج “وثيقة ملكية الدولة” التي تعهدت بتنفيذها منذ عام 2018، تشمل القائمة بيع 20% من حصة المال العام في بنك الإسكندرية، لمؤسسة “انتيسا سان باولو” الإيطالية، المشتري لأصول البنك، وطرح “المصرف المتحد” في البورصة، عقب فشل صفقات الاستحواذ التي أجريت لصالح مستثمرين خليجيين على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.
يأتي هذا في وقت يدفع فيه صندوق النقد الدولي الحكومة إلى الإسراع في برنامج طرح الأصول العامة، قبل إتمام المراجعة الرابعة للصندوق، والإفراج عن قسط رابع مستحق بقيمة 825 مليون دولار من قرض متفق عليه بقيمة 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى تمويل بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة والصلابة التابع للصندوق، تسعى الحكومة للحصول عليه.
تقزيم مصر
ومع التوسع في بيع الأراضي المصرية، بدءًا من تيران وصنافير وسواحل البحر المتوسط ورأس جميلة ورأس بناس والمياه الإقليمية لليونان وقبرص، تتقزم مصر وتقلص مساحتها الجغرافية، علاوة على حرمان أبناء المصريين من أراضيهم وسواحلهم، التي ستصبح حكرًا على ملاكها الجدد والأثرياء الذين يستطيعون توفير مصاريف الدخول والتنزه في المشاريع الأكثر رفاهية، والتي لا يقدر عليها سوى قلة قليلة من أبناء الأثرياء والأجانب.