مع استمرار حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة وتدمير نحو 90% من القطاع وتراجع القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية لمواجهة العدوان الصهيوني، قررت فصائل المقاومة اللجوء إلى تكتيك حرب العصابات لاستنزاف جيش الاحتلال في حرب طويلة لا تبدو لها أي نهاية حتى الآن .
في هذا السياق أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، عن تنفيذ عناصر المقاومة في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، عمليات بأساليب تكتيكية جديدة ضد قوات الاحتلال .
وقالت «القسام» أول أمس: إن “أحد عناصرها تمكن من طعن ضابط إسرائيلي و3 جنود من نقطة الصفر والإجهاز عليهم واغتنام أسلحتهم الشخصية في مخيم جباليا، فيما تمكن آخر في اليوم التالي من الإجهاز على قناص إسرائيلي ومساعده من مسافة صفر، وبعد ساعة من الحدث، تنكر بلباس جنود الاحتلال، واستطاع الوصول لقوة مكونة من 6 جنود وتفجير نفسه فيهم بحزام ناسف وإيقاعهم بين قتيل وجريح”.
يحيى السنوار
من جانبها أكدت صحيفة “التايمز” البريطانية أن المقاومة الفلسطينية قررت العودة إلى تكتيكات حرب العصابات، بهدف إرهاق دولة الاحتلال ودفعها إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار .
وقالت الصحيفة فى تقرير لها: إن “استخدام هذه التكتيكات لا يتطلب الكثير من الذخيرة، إذ يمكن للمقاتلين الاكتفاء بكمية صغيرة من الذخيرة والأسلحة، موضحة أن نمط الهجمات الجديدة يرتكز على الأسلحة الخفيفة، ومن الممكن أن يستمر ذلك لفترة طويلة”.
وأشارت إلى أن مقتل يحيى السنوار زعيم حماس عزز إستراتيجية تكتيكات الوحدات الصغيرة المرتكزة أساسًا على صبر المقاتلين رغم شح الإمكانات، مؤكدة أن هذا ما دعا إليه السنوار نفسه، حيث قال في رسالة إلى الحوثيين: “حماس استعدت لحرب استنزاف طويلة لتحطيم الإرادة السياسية للعدو”.
وأضافت الصحيفة : إذا كان مقاتلو المقاومة لا يستطيعون مواجهة قوة الجيش الصهيوني المتطور، لذلك تم اللجوء إلى تكتيكات زرع القنابل على الطرق والقناصة والصواريخ المضادة للدبابات.
حرب عصابات
من جانبها قالت مصادر من حركة «حماس»: إن “هاتين العمليتين نفذتا وفق ظروف ميدانية في ظل الهجمة المسعورة الكبيرة التي تنفذها قوات الاحتلال في مناطق شمال قطاع غزة، وتحديداً مخيم جباليا، وبلدة بيت لاهيا”.
وأكدت المصادر أن الواقع الميداني أجبر عناصر «القسام» على العمل بتكتيكات وأساليب مختلفة، خصوصاً وأن جيش الاحتلال نجح في تحييد الكثير من مقدرات المقاومين، لكنه في الوقت نفسه تلقى ضربات مؤلمة لم يكن يتوقعها منذ بداية العملية.
وأوضحت أن المقاومين في الميدان هم من يقررون مصيرهم بأنفسهم وبدون تعليمات قيادية عليا، لكنهم يضعون من هم أعلى منهم رتبة أو رفاقهم بمخططاتهم ويتحركون وفق ذلك، وبناءً على هذا التدرج يتم الإبلاغ بتلك العمليات، وبعضها أحياناً تكون مرت عليه ساعات، وفي بعض العمليات كان يتم الإعلان بعد يوم أو يومين، وفق إتاحة الظروف الميدانية لذلك.
السلاح الأبيض
وأكدت المصادر أن العمليتين الآخيرتين ستكونان بداية سلسلة عمليات مماثلة ستنفذ وفق ما تتاح الفرصة في الميدان للمقاتلين.
وقالت: إن “العمليتين تحملان رسائل واضحة للاحتلال الإسرائيلي بأنه في حال نفدت الذخيرة، ولم يعد لدى المقاومين أي أنواع أسلحة مؤثرة، فإنهم لن يتوانوا في اللجوء لاستخدام «السلاح الأبيض»، وتنفيذ عمليات طعن على غرار ما يجري بالضفة الغربية، كما أنهم لن يتوانوا في استخدام الأحزمة الناسفة، وكذلك إلقاء القنابل اليدوية عن قرب تجاه تلك القوات”.
وشددت المصادر على أن المقاومين في الميدان قرروا، ألا يعدموا الوسيلة، وأن يواصلوا مقاومتهم بكل الوسائل.
وأكدت أن المقاومة ستستمر بكل الوسائل والطرق، وهذا يحمل رسالة واضحة أن بقاء قوات الاحتلال في غزة سيكون له ثمن ولن يكون سهلاً كما تتوقع دولة الاحتلال .
الأرض المحروقة
وكشفت مصادر ميدانية بغزة، أن اللجوء لمثل هذا التكتيك يشير إلى أن عناصر المقاومة لا يملكون أدوات أخرى، معتبرا أنه مع مرور أكثر من شهرين على عملية جباليا، فإن هذا يعد طبيعياً، وأن مجرد بقاء المقاومين في تلك المنطقة يحمل في طياته رسالة تحدٍ لجيش الاحتلال.
وأكدت المصادر أن فصائل المقاومة باتت تفقد قوتها وقدراتها، وتتراجع مع مرور الأيام بفعل الضغط العسكري الصهيوني الذي يمارس في العديد من المناطق، مشيرةً إلى أن حجم وعدد العمليات يتراجعان من يوم إلى آخر، خصوصاً في ظل استمرار الاغتيالات لقيادات ونشطاء الفصائل من جانب، واستمرار قوات الاحتلال فى استخدام أساليب وتكتيكات تعتمد بشكل أساسي على سياسة الأرض المحروقة بتدمير كل شيء لكشف أماكن وجود عناصر المقاومة والعمل على القضاء عليهم.
وأوضحت أن قوات الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة تتعمد استهداف مخازن الأسلحة والصواريخ وغيرها لتحييد أكبر قدر منها، لكن بعض الأسلحة كانت تصنع مع بدايات الحرب ما أبقى أكبر عدد منها متوفراً لدى المقاومة، لكن مع مرور أكثر من 15 شهراً على هذه الحرب، بدأت تفقد الأجنحة المسلحة للفصائل الفلسطينية الكثير من قدراتها.
ولفتت المصادر إلى أن ذلك جاء إلى جانب الاستهدافات المركزة من قبل قوات الاحتلال ضد الكادر البشري، خصوصاً من العاملين في مجال التصنيع والهندسة والذين عملوا مؤخراً على تصنيع عبوات فراغية وبعض الأحزمة الناسفة وقذائف الهاون، إلى جانب تفخيخ المنازل التي استخدمت بكثرة ضد قوات الاحتلال في جباليا.
الياسين 105
وقال المحلل العسكري العقيد المتقاعد من غزة، منير حمد: إنه “منذ بداية الحرب البرية، استخدمت «حماس» الكثير من التكتيكات العسكرية المختلفة، التي فاجأت في بعضها قوات الاحتلال، بما في ذلك تكثيف استخدامها لقاذف «الياسين 105» الذي أثبت في العديد من العمليات قدرته على تكبيد قوات الصهاينة خسائر بشرية ومادية”.
واعتبر حمد في تصريحات صحفية أن العمليتين الآخيرتين بمثابة تكتيك جديد قد تلجأ المقاومة الفلسطينية لاستخدامه كثيراً، مشيراً إلى أن العمليات التفجيرية التي ينفذها مسلحون يحملون أحزمة ناسفة، ستكون لها تبعات إيجابية تعود على المقاومين من حيث تكبيد الإسرائيليين خسائر .
وأضاف ربما تكون لهذه التكتيكات تأثير سلبي على السكان الفلسطينيين الذين قد ترتكب قوات الاحتلال بحقهم عمليات إعدام ميداني بحجة الاشتباه بهم، وهذا الأمر سيكون في حال تكررت عمليات الطعن، وكل ذلك سيكون مكلفاً كما جرى قبل عدة سنوات بالضفة عندما كان يقتل أطفال ونساء وشبان بدم بارد على الحواجز بسبب حركة مشتبه بهم، كانت في كل مرة تدعي دولة الاحتلال أنهم كانوا يحاولون تنفيذ عمليات طعن.
الصبر والأسرى
وقال المحلل الفلسطيني فؤاد خفش: “يهدف مقاتلو حماس إلى إرهاق دولة الاحتلال، لقبول اتفاق وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح أسرى الصهاينة مع تزايد الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو “.
وأضاف خفش في تصريحات صحفية: كان يُعتقد أن دولة الاحتلال لا تستطيع خوض حروب طويلة، ولكن تم دحض ذلك الآن، والشيء الوحيد الذي تستطيع حماس فعله هو إيذاء إسرائيل عندما تستطيع ذلك.
وأكد أنه لم يبق للمقاومة الفلسطينية سوى ورقتين، الصبر والتمسك بالأسرى، في غياب أي وسيلة أخرى للضغط على دولة الاحتلال.