في ظل احتقان شعبيّ غير مسبوق في مصر، وتصاعد الانتقادات للسيسي ونظامه، الذي أفقر المصريين ورفع عليهم جميع أسعار السلع والخدمات بشكلٍ متزايد، وبعدما تفاقمت صدمة المصريين من نظام السيسي بعدما كشف عن حجم الرفاهية والترف الكبير الذي يحياها النظام في قصر الرئاسة الفخيم، الذي لا يتناسب مع ظروف الدولة التي تعاني ديونًا غير مسبوقة، ناهيك عن فوائد وأقساط الديون التي تعجز الدولة عن الإنفاق على الصحة والتعليم، بدأت أجنحة النظام وأجهزته الأمنية والمخابراتية، التي ترصد مستويات الغضب الشعبي، الذي ينذر بثورة شعبية، خاصة مع نجاح الثورة السورية في إزاحة نظام الأسد، واقتراب ذكرى ثورة يناير المصرية، في الكشف عن سلسلة كبيرة من التسهيلات والمزايا المالية والعينية التي تنتظر المصريين في مطلع يناير، الذي ما بقي عليه سوى ساعات معدودة فقط.
وأمس، تداولت وسائل إعلام محلية أنباء عن انتهاء الحكومة من إعداد مقترح لإطلاق حزمة إنفاق اجتماعي جديدة خلال العام المقبل 2025، سيتم عرضها على السيسي بنهاية ديسمبر الحالي، ثم تقديمها لمجلس النواب لإقرارها، حسب مصدر بوزارة المالية.
وزعم المصدر أن الحزمة الجديدة تستهدف تخفيف الضغوط التضخمية على المواطنين، وتشمل زيادة الأجور والمعاشات للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، ومعاش برنامج “تكافل وكرامة”، مع التوسع في قاعدة متلقي الدعم النقدي.
وأوضح المصدر أن الحزمة الجديدة تشمل زيادة المعاشات الحكومية بنسبة 13%، بداية من مارس المقبل، ورفع الحد الأدنى للأجور ألف جنيه، ليصبح 7 آلاف جنيه، بالإضافة إلى زيادة قيمة معاش برنامج تكافل وكرامة 15%، وضم أكثر من 100 ألف أسرة جديدة للبرنامج.
وأشار المصدر إلى أن الحكومة ستطلق بداية العام المقبل 2025 عددًا من المبادرات الرسمية للتخفيف من الضغوط الاقتصادية على المواطنين، وستشمل تقديم قروض ميسرة للمواطنين بأقل سعر للفائدة، وتقديم دعم مالي لعدد من القطاعات مثل قطاع السياحة لزيادة فرص العمل به وتشغيل أكبر قدر ممكن من المواطنين، إلى جانب زيادة المخصصات المالية لبرامج الحماية الاجتماعية في الموازنة الجديدة للدولة.
وتابع المصدر المجهول لصحف محلية: “كما سيتم تنظيم عدد من المعارض والأسواق في مختلف المحافظات لطرح السلع الأساسية والمنتجات الغذائية بأسعار مخفضة للمواطنين، حيث سيتم الإعلان نهاية شهر يناير المقبل عن تنظيم معرض أهلًا رمضان، وستضخ الحكومة به سلعًا غذائية ستصل نسب التخفيضات بها لأكثر من 40%، وذلك في محاولة لامتصاص غضب الشارع نتيجة زيادة الأسعار بشكل ملحوظ خلال الآونة الأخيرة”، على حد قوله.
ولفت المصدر إلى أن هناك توجيهات حكومية بزيادة معدلات الإفراجات الجمركية للسلع الأساسية والأدوية والمنتجات الغذائية والألبان والأعلاف واللحوم والدواجن خلال الفترة المقبلة، وضخها في الأسواق من أجل توافرها بالشكل المطلوب والمساهمة في خفض الأسعار وتراجع معدلات التضخم.
مخاوف من تأثرات قرارات ما بعد المراجعة الرابعة
وترافقت تصريحات مسئولي وزارة المالية مع إعلان صندوق النقد الدولي، أمس، إتمام المراجعة الرابعة من قرض مصر البالغ 8 مليارات دولار، ما يمكنها من الحصول على 1.2 مليار دولار كدفعة جديدة، في وقت دعا الصندوق الحكومة إلى رفع إيرادات الضرائب وتسريع وتيرة الخصخصة.
وقالت رئيسة وفد الصندوق للمراجعة مع مصر، إيفانا فلادكوفا هولار، في بيان: “يسعدنا أن نعلن أن السلطات المصرية وصندوق النقد الدولي قد توصلا إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن المراجعة الرابعة في إطار اتفاقية تسهيل الصندوق الموسع. وبموافقة مجلس الإدارة التنفيذي، سيتاح لمصر الوصول إلى حوالي 1.2 مليار دولار”.
وجاء ذلك عقب مناقشات مباشرة بين الحكومة والصندوق امتدت خلال الفترة من 6 إلى 20 نوفمبر الماضي، استكملت بمناقشات افتراضية.
وأضاف بيان الصندوق: “واصلت السلطات المصرية تنفيذ السياسات الرئيسية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، رغم التوترات الإقليمية المستمرة التي أدت إلى انخفاض حاد في إيرادات قناة السويس”.
ونبه: “بينما تعد خطط السلطات لتبسيط النظام الضريبي خطوة مشجعة، فإن المزيد من الإصلاحات سيكون ضروريًا لتعزيز جهود تعبئة الإيرادات المحلية”.
ولفت البيان إلى أن السلطات المصرية تعهدت بتنفيذ حزمة من الإصلاحات التي من شأنها زيادة الإيرادات الضريبية إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدار العامين المقبلين، مع التركيز على إزالة الاستثناءات بدلًا من زيادة معدلات الضرائب.
وأوضح الصندوق: “هناك حاجة إلى حزمة إصلاح شاملة لضمان أن تعيد مصر بناء احتياطياتها المالية لتقليل هشاشة الدين، وتوليد مساحة إضافية لزيادة الإنفاق الاجتماعي، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية”.
كما اتفق الخبراء والسلطات المصرية، وفق البيان، على الحاجة لتسريع الإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال وضمان أن يصبح القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو، وعلق: “في هذا الصدد، هناك حاجة إلى بذل جهود حاسمة لتسوية ساحة اللعب، وتقليص حضور الدولة في الاقتصاد، وزيادة ثقة القطاع الخاص للمساعدة في جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الإمكانيات الاقتصادية الكاملة لمصر”.
وتابع البيان: “بينما تواجه مصر تحديات من البيئة الخارجية الصعبة، تم الاتفاق على أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لتسريع برنامج الخصخصة، وأعربت السلطات عن التزامها بمضاعفة جهودها في هذا المجال، وهو أمر بالغ الأهمية لدعم تطوير القطاع الخاص وتقليل عبء الدين المرتفع”.
وأكد البنك المركزي المصري، وفق الصندوق، التزامه بالحفاظ على نظام سعر صرف مرن لحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية، والحفاظ على ظروف نقدية مشددة للحد من الضغوط التضخمية، ومواصلة تحديث عملياته بهدف الانتقال التدريجي نحو نظام استهداف التضخم الكامل، ويجب أن تكون تعزيز مرونة القطاع المالي وممارسات الحوكمة والمنافسة في القطاع المصرفي من الأولويات الأساسية أيضًا.
يأتي ذلك في وقت يشهد سعر الدولار ارتفاعات متتالية أمام الجنيه، حيث جاوز أول أمس الـ51 جنيهًا.
ومن المتوقع مع اتفاق الصندوق والحكومة تطبيق سياسات أكثر مرونة فيما يتعلق بسعر الدولار والجنيه، وهو ما يعود تلقائيًا على جميع أسعار السلع والخدمات، ويرفع الأسعار ويقلص الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين، وهو ما تحاول الحكومة تجنب ارتداداته الاجتماعية والسياسية عبر الإعلان عن حزم إنفاق اجتماعي جديدة.
كما من المتوقع زيادة وتيرة بيع أصول الدولة وأراضيها والتوسع في سياسات التخارج الحكومي من المشاريع والاستثمارات، وهو ما ينعكس أيضًا على مستويات أسعار الخدمات التي تقدمها الشركات التي سيجري بيعها، سواء شركات الأسمدة والأدوية والكهرباء وغيرها من المنتجات التي تنتجها تلك الشركات.
زيادات سعرية مؤكدة
جنبًا إلى جنب مع المشهد الملتبس الذي تحياه مصر على الصعيد الاقتصادي، وفي ظل حالة القهر التي يكابدها المصريون مع الحكم العسكري الفاشل، باتت كل زيادة في الرواتب والمعاشات، حتى ولو لم تكن حقيقية، مثار توجس وخوف بين الأسر المصرية، إذ غالبًا ما تترافق إعلانات زيادات المعاشات والرواتب مع موجة غلاء كبيرة وزيادات مفاجئة في أسعار السلع والخدمات الحكومية.
وبحسب خبراء ومراقبين، فإن القادم في مصر سيكون أسوأ بالنسبة للمواطنين، على الرغم من الحديث غير الموثوق عن زيادات الرواتب والمعاشات، بسبب انفجارات سعرية كبيرة ستكشف عنها الأيام المقبلة، والتي يسعى النظام للتحرك لوأدها ومقاومتها مبكرًا، خاصة في ظل الضغوط النفسية التي يحياها نظام العسكر مع نجاح الثورة السورية واقتراب ذكرى ثورة يناير.