يأتي إعلان صندوق النقد الدولي، أمس، التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الرابعة بموجب اتفاق تسهيل الصندوق الممدد مع مصر، ما يتيح استلام مصر شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار ضمن البرنامج…ليزيح الضغوط عن نظام السيسي الذي يواجه الافلاس مؤقتًا، ولكن ما سيتبع تلك الموافقة الكثير من التحديات التي على مصر أن تواجهها، وتنعكس على مواطنيها، وخاصة الفقراء والمهمشين، الذين يعانون المصاعب الاقتصادية.
وأشار الصندوق في بيانه إلى أن أولويات الإصلاح المستقبلية تتمثل في تعزيز الإيرادات المحلية، وتحسين بيئة الأعمال، وتسريع برنامج سحب الاستثمارات، وضبط شروط المنافسة مع تعزيز الحوكمة والشفافية، مضيفًا أن السلطات المصرية واصلت تنفيذ سياسات رئيسية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، على الرغم من التوترات الإقليمية المستمرة التي تتسبب في انخفاض حاد في عائدات قناة السويس.
وتوقع الصندوق أيضًا أن يصل فائض الميزان الأولي (باستثناء عائدات التخارج) إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية المقبلة 2025-2026، وهو أقل بنسبة 0.5% من التزامات البرنامج السابقة، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2026-2027، بما يتماشى مع الالتزامات السابقة، فيما أوضح أن هذا التعديل قصير الأجل يهدف إلى توفير بعض المساحة لزيادة البرامج الاجتماعية لدعم الفئات الضعيفة والطبقة المتوسطة، مع ضمان استدامة الدين.
زيادة الضرائب
كما أوصى أيضًا بمزيد من الإصلاحات لتعزيز جهود تعبئة الإيرادات المحلية، لافتًا إلى تعهد الحكومة بتنفيذ حزمة من الإصلاحات التي من شأنها زيادة عائدات الضرائب إلى نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين المقبلين، وهو ما يعني فرض نحو نصف تريليون جنية على المصريين، ضرائب ورسوم جديدة، لمعالجة العجز في موازنة مصر، وهو ما بداه السيسي بفرض ضريبة 37% على التلفونات المحمولة القادمة من خارج مصر، علاوة على زيادة فواتير الاتصالات والانترنت 31%.
وعلى الرغم من تركيز صندوق النقد الدولي، على ضرورة التركيز على إلغاء الإعفاءات بدلًا من زيادة معدلات الضرائب، في اشارة لاقتصاد الجيش، وهو ما لا يستطيعه السيسي ولا يقترب منه، بفعل السيطرة والعسكرة الكبيرة على الاقتصاد المصري.
مزيد من تخارج الحكومة وبيع الاصول
وبخلاف الحاجة إلى حزمة إصلاحات شاملة لضمان إعادة بناء الاحتياطي المالي للحد من نقاط الضعف في الديون، وخلق مساحة إضافية لزيادة الإنفاق الاجتماعي، وخاصة في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، أشار الصندوق أيضًا إلى الحاجة إلى تسريع الإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال وضمان أن يصبح القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو، وبذل جهود أكثر حسمًا للحد من بصمة الدولة في الاقتصاد، وزيادة ثقة القطاع الخاص لمساعدة مصر على جذب الاستثمار الأجنبي.
كانت القاهرة اتفقت، في مارس الماضي، على قرض بقيمة ثمانية مليارات دولار على مدى 46 شهرًا، فيما أقر الصندوق صرف 820 مليون دولار لمصر بعد استكمال المراجعة الثالثة، وفي نوفمبر الماضي أعلنت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر، إيفانا هولار، عن انتهاء المشاورات في القاهرة، بتحقيق الجانب المصري تقدم كبير وإن لم يُعلن حينها عن التوصل لاتفاق على مستوى الخبراء، مع استمرار المناقشات حول السياسات والإصلاحات المطلوبة لاستكمال المراجعة الرابعة.
هولار سبق أن أوضحت استمرار تأثير الأحداث الإقليمية على الاقتصاد المصري، مع تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 70% وضغوط أعداد اللاجئين المتزايدة على الخدمات العامة، خاصة الصحة والتعليم.
وفي حين أشارت هولار إلى أن رفع الحكومة لأسعار بعض الخدمات والسلع مثل المحروقات والكهرباء عرقل جهود كبح التضخم، أكدت أيضًا ضرورة تعزيز نمو الإيرادات الحكومية بإصلاح السياسة الضريبية، عبر توسيع القاعدة الضريبية وتقليص الإعفاءات بدلًا من زيادة معدلات الضرائب، لتوفير التمويل اللازم للصحة والتعليم وشبكات الحماية الاجتماعية، كما شجعت البعثة الجانب المصري على تسريع تخارج الدولة من الأصول المملوكة لها، عبر الإيجار أو البيع، والمُضي قُدمًا في تقليص دورها في الاقتصاد لـ«استغلال الإمكانات الاقتصادية لصالح كل المصريين».
وومع موافقة الصندوق على المراجعة الرابعة، على المصريين مجابهة تعويم جديد للجنية ، ومن ثم غلاء كبير ، لكل السلع والخدمات، بجانب فقدان القيمة الشرائية للجنية المصري، وانهيار مستويات المعيشة..
أقساط مستحقة على مصر للصندوق
وإلى جانب التحديات التي ستنعكس على المصريين، تأتي اقساط الديون المستحقة على مصر سدادها للصندوق.
تشير البيانات المنشورة على الموقع الرسمي للصندوق إلى أن القاهرة ما زالت مدينة له ومطالبة بسداد بأكثر من 17 مليار دولار واجبة الدفع خلال 5 سنوات.
وكانت مصر قد اقترضت 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي عبر 3 اتفاقيات خلال السنوات الست الماضية، موزعة بواقع 12 مليار دولار في نوفمبر 2016، عبر آلية تسهيل الصندوق الممدد، و2.8 مليار دولار في 11 مايو 2020، من خلال أداة التمويل السريع، و5.2 مليار دولار في 26 يونيو من العام نفسه عبر اتفاق للاستعداد الائتماني.
جدول السداد
ويتوقع صندوق النقد أن تسدد مصر 584.8 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (746.6 مليون دولار) من المبالغ مستحقة السداد حتى 2026 – والبالغة قيمتها 13.6 مليار وحدة سحب خاصة، وهو ما يفوق 17 مليار دولار – خلال الشهرين المتبقيين من هذا العام، وحق السحب الخاص هو أصل احتياطي دولي استحدثه الصندوق في عام 1969 ليكون مكملاً للاحتياطيات الرسمية الخاصة ببلدانه الأعضاء، وتتحدد قيمته وفقًا لسلة من خمس عملات هي الدولار الأميركي واليورو واليوان الصيني والين الياباني والجنيه الإسترليني.
وتضمنت مدفوعات عام 2023 نحو 19.5% من المبالغ المستحقة حتى 2026، أو 2.7 مليار وحدة (3.4 مليار دولار).
سيكون على مصر سداد 33.7% من المستحقات الحالية خلال عام 2024 بما يمثل 4.6 مليار وحدة (5.9 مليار دولار).
تشمل المستحقات 3.8 مليار وحدة (4.8 مليار دولار) منتظر سدادها في عام 2025 أو 27.6% من إجمالي المبالغ المستحقة.
من المتوقع أن يشهد عام 2026 سداد آخر الدفعات المستحقة بقيمة 1.9 مليار وحدة (2.4 مليار دولار)، علمًا أن التحويل من حقوق السحب الخاصة إلى الدولار الأميركي تم بناء على سعر الصرف البالغ 1.276 دولار لوحدة السحب الخاصة في 17 أكتوبر 2022.
في حال الاتفاق الذي تسعى مصر له حاليًا مع صندوق النقد الدولي، سيكون رقم 12 بين الجانبين، فقد اتفقت مصر على 11 تمويلًا من صندوق النقد الدولي على مدار تاريخها، بقيمة 16.36 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يوازي حاليًا 20.9 مليار دولار، فيما لم تستخدم التمويلات المتفق عليها في عامي 1993 و1996 بقيمة 400 مليون وحدة، و271.4 مليون وحدة على التوالي.
وتضع تلك الديون الشعب امام تحديات جمة لا يمكن تحملها، في ظل استمرار نفس نهج السيسي البذخي، وإهدار أموال المصريين في مشاريع فنكوشية بلا عائد اقتصاديّ.