ربما السمة الأبرز في عام 2024 هي وقوف آلاف المرضى في طوابير انتظارًا لصرف العلاج، وخصوصًا أمام صيدليات التأمين الصحي، حيث نجد معظمهم من المسنين وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. كل هذا العناء أضف إليه نقص آلاف الأصناف من الأدوية بالصيدليات وارتفاعات تعدت الـ300% على معظم الأدوية، في حين يتباهى السيسي وعصابته بتصدير أدوية بأكثر من 9 مليارات دولار.
ويوميًا يشتكي العديد من المرضى من نقص الأدوية وارتفاع أسعارها، حيث إنهم يبحثون عن أدوية ضرورية ومُنقذة للحياة، ويجدون صعوبة كبيرة في توفيرها بسبب أزمة نقص السيولة من العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي. وقد استغل السيسي وعصابته صناعة الأدوية وقام بتصديرها، مما ترك المصريين يعانون الآلام نتيجة نقص الأدوية.
ولا تزال تعاني بعض الشركات المنتجة لأدوية مهمة، مثل مخفضات الحرارة والمضادات الحيوية بجانب العقاقير الخاصة بمعالجة أمراض مزمنة كالضغط والقلب والسكري، من عدم توافرها بالشركات بعد أن صدرت أغلبها لدول الخليج والاتحاد الأوروبي.
ارتفاع أسعار الأدوية
وأعلنت الحكومة المصرية عن خطة لزيادة أسعار نحو 3 آلاف صنف تمثل 90% من حجم التداول بالسوق المصرية (أي الأكثر مبيعًا)، في محاولة لتشجيع الشركات على الإنتاج وإنهاء أزمة النواقص.
وخلال الأسابيع الماضية، أقرت هيئة الدواء زيادات متتالية في أسعار عدد من الأدوية، إثر مطالبات الشركات المحلية والأجنبية بتحريك الأسعار منذ تحرير سعر صرف الجنيه، مما أثر على تكاليف الإنتاج.
ووافقت وزارة الصحة على زيادة أسعار الأدوية في مصر خلال الأعوام الماضية بنسب تتراوح ما بين 200 إلى 300%، حيث جاءت الزيادة الجديدة في أسعار الأدوية المزمنة والأدوية الناقصة في مصر بعد ضغط شركات الأدوية لزيادة الأسعار. ويأتي هذا بعد مرور أشهر من رفع أسعار الأدوية في مصر لأكثر من 3 آلاف صنف دوائي بعد ارتفاع سعر الدولار.
وتنتج مصر 91% من الأدوية المتداولة محليًا، بينما تستورد 9% من الخارج، وفقًا لتقديرات وزير الصحة خالد عبد الغفار.
تأخير مستحقات الشركات
عدم سداد مديونيات الشركات أدى إلى تفاقم أزمة نقص الأدوية خلال الأشهر الأخيرة، خصوصًا مع خروج عدد كبير من الشركات من السوق، بعد خلافات بين الهيئة وشركات المستلزمات الطبية، لعجز الأخيرة عن توريد المستلزمات بالأسعار التي سبق أن اتفقت عليها مع الهيئة في ظل أزمة نقص الدولار وتدهور سعر الصرف.
وتتعمد الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية في تأخير المستحقات لضرب سوق الدواء لصالح بزنس الجيش، عبر تأخير سداد مستحقات الشركات، مما يجبرها على الإفلاس والخروج من سوق العمل، وذلك رغم أن العديد من المصادر المتعددة من القطاع الطبي أشارت إلى تحقيق الهيئة أرباحًا بالمليارات خلال الأعوام الماضية.
ويتجاوز حجم استهلاك الأدوية والمستلزمات الطبية، التي تتعاقد عليها الهيئة سنويًا، نحو 70 مليار جنيه، لا يتم دفع قيمة تلك الاستهلاكات سوى لشركات الجيش فقط، ثم بعد ذلك تقوم بغلق حنفية الأموال عن الشركات الأخرى.
انتشار تداول الأدوية المستعملة
في اتجاه خطير، كثر في الأيام الماضية إطلاق الدعوات عبر الفيسبوك والواتس من أجل التبرع بالأدوية المستعملة، وسط صمت حكومي ورقابي عن خطورة مثل هذه الدعوات على صحة المرضى.
بل على العكس، قامت العديد من القنوات التلفزيونية والصحف المحلية بالتشجيع على ذلك ودعمه.
خطورة تلك الأدوية المستعملة
وحذرت نقابة الصيادلة والأطباء من تبادل الأدوية أو التبرع بها، مؤكدين خطورة استخدام أدوية مخزنة بطرق غير معروفة أو غير صحيحة، لافتين إلى احتمالات تعرضها للتلف أو انتهاء صلاحية المواد الفعالة المكونة للدواء، مما ينعكس سلبًا على صحة المرضى الذين يتناولونها.
وأفاد صيادلة وأطباء بأن معظم المتبرعين الذين يخزنون هذه الأدوية لا يعرفون طرق تخزينها الصحيحة، بما فيها درجة الحرارة المناسبة والعوامل التي تثبط فعالية الأدوية، مؤكدين أن الأنسولين مثلًا شديد الحساسية للحرارة والبرودة ويمكن أن يتعرض للتلف إذا تغيرت الحرارة بضع درجات فقط، ودعوا الراغبين بالتبرع بأدويتهم للتوجه إلى الجهات المعنية للتأكد من صلاحيتها قبل وصولها إلى أيدي المرضى المحتاجين.
استمرار أزمة نقص الأدوية
وأشار الدكتور حاتم البدوي، أمين عام شعبة الصيدليات، إلى وجود نقص في بعض مجموعات الأدوية، مثل أدوية الهرمونات، داعيًا إلى تطبيق منظومة التتبع الدوائي لضمان التوزيع العادل للأدوية في جميع أنحاء البلاد.
من جهته، أشار مساعد رئيس هيئة الدواء، الدكتور ياسين رجائي، إلى أن سوق الدواء يواجه تحديات كبيرة أدت إلى ارتفاع أسعار بعض الأدوية ونقص بعضها في الأسواق.
وقال إن من بين هذه التحديات نقص السيولة الدولارية والعملات الأجنبية الضرورية لاستيراد المواد الخام اللازمة لصناعة الأدوية محليًا.
وشملت أهم الأدوية التي اختفت من الصيدليات كلا من السكري والضغط، وبشكل عام هناك أزمة نقص غير مسبوقة في أدوية الأمراض المزمنة وقطرات الأنف والأذن والحنجرة وأدوية الأطفال.
تصدير الأدوية رغم نقصها
وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس وزراء الانقلاب، قد صرح في بيان تجرد من جميع مشاعر الوطنية والاهتمام بالمواطنين، وكأن بكاء الآلاف على صفحات السوشيال ميديا ووقوفهم بطوابير على صيدليات التأمين وغيرها لم يره هذا المجرم الذي يتاجر باحتياجات المصريين من أجل حفنة دولارات.
حيث أوضح هذا السفيه أن مصر قامت بتصدير أدوية بملياري دولار في السنة المالية الجارية متوقعًا أن ترتفع إلى 3 مليارات خلال العام القادم.
تدمير صناعة الدواء
وقال الدكتور أحمد فاروق، أمين عام الصيادلة السابق، إن الحكومة عمدت إلى تدمير صناعة الدواء في مصر، وإن نصف الصيدليات المصرية سوف تغلق وتعلن إفلاسها قريبًا، مثلما حدث مع صيدليتين كبيرتين هما “عابدين وتداول”. مشيرًا إلى أن القادم في سوق الدواء سيكون الأسوأ.
وأوضح الأمين، في لقاء تلفزيوني، أنه منذ 2017 صدر قرار حكومي باعتماد أكثر من تسعيرة للدواء، حيث تضاعف سعر الدواء أكثر من مرة في السنة الواحدة. موضحًا أن فرق الأسعار بالنسبة للصيدليات الصغيرة بلغ أكثر من 400 ألف جنيه، وهو ما لا يستطيعون تحمله، وأضاف أن آلاف الصيدليات ومن بينهم صيدليات كبرى قد أفلسوا وأغلقوا صيدلياتهم، وإذا استمر الوضع بهذه الشاكلة، فإن أكثر من نصف صيدليات مصر ستعلن إفلاسها.
ويعد السوق المصري من الأسواق التي تنفق على الصحة بشكل كبير، وذلك من أموال المواطنين، ووفقًا لقاعدة بيانات التمويل الصحي لمنظمة الصحة العالمية، تعد مصر واحدة من أعلى خمس دول في منطقة الشرق الأوسط في الإنفاق الصحي المباشر من جيوب المرضى، حيث يمثل الإنفاق الخاص 62% من إجمالي الإنفاق الصحي، مقارنة بنسبة عالمية لا تتجاوز 19%.
وتفتعل شركات الأدوية أزمة كبيرة في الوقت الجاري بسبب النقص الموجود في الكثير من العقاقير، في محاولة منها للضغط على الحكومة أملًا في رفع الأسعار مجددًا.