بمجرد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، قرر الاحتلال الصهيوني القيام بعملية عسكرية وحرب إبادة في الضفة الغربية، خاصة في مدينة جنين ومخيمها، شبيهة بما ارتكبه من مجازر وقتل وتدمير في غزة.
ورغم الزعم بخضوع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لضغوط المتطرفين في حكومته، خاصة سموتريتش وبن غفير، إلا أن الأرجح أن جيش الاحتلال حصل على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيام بهذه العملية.
وهذا ما يؤكد أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تغير موقفها الداعم للمجازر الصهيونية، وأن كلا من جو بايدن ودونالد ترامب يلعبان على وتر تبادل الأدوار وليس وقف الحرب.
في هذا السياق، أكد خبراء ومحللون سياسيون أن العملية العسكرية في جنين ومناطق أخرى بالضفة هي محاولة صهيونية لتدمير البنية التحتية للمقاومة، متوقعين أن يشمل الهجوم مخيمات أخرى ينشط فيها مقاومون.
وحذر الخبراء من أن هذه الحملة العسكرية الصهيونية قد تعزز الاستيطان وتمهد لتنفيذ مخطط الضم الذي يدعو إليه وزراء التطرف في حكومة نتنياهو.
يشار إلى أن هناك نحو نصف مليون مستوطن صهيوني يقيمون في 146 مستوطنة كبيرة و144 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي الضفة الغربية، بما لا يشمل القدس الشرقية المحتلة. وهذه المستوطنات غير شرعية وتشكل عقبة أمام تطبيق حل الدولتين القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.
وكشف تقرير حديث أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة زاد بنسبة 3% تقريبًا خلال عام 2023.
قرار أمريكي
من جانبه، أكد الدكتور الحارث الحلالمة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزرقاء الأردنية، أن التصعيد الصهيوني في الضفة الغربية أمر متوقع في ظل النوايا والتصريحات الصهيونية بضم الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن الحكومة اليمينية الحالية أعلنت عن نواياها ومخططاتها سابقًا لضم الضفة الغربية بمسماها الخاص بهم في العبرية “أراضي يهودا والسامرة”.
وقال “الحلالمة” في تصريحات صحفية إن ما يقوم به الاحتلال في الضفة من تضييق على حياة الفلسطينيين ومن قضم ومصادرة للأراضي، والتوسع في الاستيطان، ووضع حواجز لتضييق الخناق على حركتهم داخل القطاع، وتوزيع أسلحة على المستوطنين، وإطلاق عملية عسكرية في مخيم جنين وفي عموم الضفة، هو خطة واضحة المعالم للقضاء على أي محاولات لقيام دولة فلسطينية.
وربط “الحلالمة” بين توقيت العملية الصهيونية ووقف إطلاق النار في غزة، موضحًا أن الإعلان عن هذه الإجراءات جاء عشية اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو جزء من الثمن الذي أبقى سموتريتش في الحكومة للمحافظة على الائتلاف اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو. وحذر من أن اليمين الصهيوني يبني مقاربته في الحكومة على ضم الضفة الغربية والقيام بكل ما من شأنه تحقيق هذا الضم من خلال محاولات القضاء على صمود الشعب الفلسطيني في الضفة.
وأشار إلى أن الإجراءات الصهيونية في الضفة الغربية تتناغم مع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة وأن وزير المالية الصهيوني سموتريتش أعلن سابقًا أن عام 2025 هو عام ضم الضفة، خاصة إذا ما تم الربط بينها وبين تصريحات ترامب وتعييناته لكبار المسؤولين في البيت الأبيض، بما يعرف عنهم بانحيازهم لإسرائيل، وتعيين سفير أمريكي لدى تل أبيب يعرف بأنه يميني متشدد لا يؤمن بالوجود الفلسطيني كشريك في المنطقة.
ورجح “الحلالمة” أن تشهد الأيام القادمة مزيدًا من العنف والمواجهات بين فلسطينيي الضفة والاحتلال، وأن ضم الضفة الغربية بانتظار قرار أمريكي، مؤكدًا أن صمود الشعب الفلسطيني سيكون له دور كبير في التصدي لهذا المخطط، لأن التجربة التاريخية في هذا الصراع بينت أن الصمود الفلسطيني قادر على كسر روايات الاحتلال وصلفه.
الجائزة الكبرى
وأكد الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني أحمد زكارنة أن اجتياح القوات الصهيونية للضفة الغربية، وتحديدًا مدينة جنين ومخيمها، هو هدف إسرائيل الأساسي. فالضفة هي الجائزة الكبرى لليمين المتطرف في دولة الاحتلال، خاصة وأن “اليمين المتطرف” ينظر إلى الضفة الغربية على أنها “يهودا والسامرة”.
وكشف زكارنة في تصريحات صحفية عن محاولات الاحتلال المستمرة للسيطرة على الضفة الغربية بطرق مختلفة، إما من خلال طرد الفلسطينيين من أراضيهم أو من خلال دفعهم نحو الهجرة الطوعية أو تشديد الخناق والمضايقات عليهم أو خلق بيئة طاردة لهم، في ظل محاولات إسرائيلية مستمرة للسيطرة على كامل أراضي المنطقة “C”، والتي تمثل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية.
وأوضح أن نتنياهو لا يريد وقف إطلاق النار في الأراضي الفلسطينية ويسعى لإطالة أمد الحرب. وبمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة بعد فترة طويلة من المماطلة والتملص، فتح النار وأشعلها في الضفة الغربية كي تستمر حالة الحرب، حتى لا يسقط من أعلى سدة الحكم، خاصة وأنه ملاحق في 4 قضايا فساد مالي وقضايا جنائية في الداخل الإسرائيلي، وصدر بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية.
وأشار زكارنة إلى محاولات صهيونية مستمرة لإفشال السلطة الفلسطينية، وأن إسرائيل تسعى لإفشال العملية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية في جنين ومحاولة الإيقاع بين السلطة الفلسطينية وشعبها، من خلال الترويج في الداخل الفلسطيني لكون السلطة متعاونة مع الاحتلال ومتواطئة في الدفاع عن شعبها، والتصدير للخارج أن السلطة ضعيفة ولا تستطيع الوفاء بالتزاماتها، معتبرًا أن الهدف من ذلك هو إفشال جميع المسارات السياسية وتحديدًا حل الدولتين.
تهويد واستيطان
وحذر المحلل السياسي الفلسطيني ثائر أبو عطيوي من أن التصعيد في الضفة الغربية يأتي في إطار خطط صهيونية لتوسيع الاستيطان في القدس، وتحقيق أهداف الاحتلال في مواجهة ما أعلنه وزراء صهاينة متطرفون مثل سموتريتش وبن غفير حول الانتقال بالحرب من غزة إلى الضفة.
وقال أبو عطيوي في تصريحات صحفية إن هذا التصعيد قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة جديدة شبيهة بالحرب على غزة التي استمرت 470 يومًا، مؤكدًا أن مصير الضفة الغربية سيكون مشابهًا لغزة إذا لم يتم الضغط على الإدارة الأمريكية لوقف التصعيد الصهيوني.
وشدد على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي لوقف عمليات التهويد والاستيطان في القدس، مع ضرورة اتخاذ خطوات عملية لتهدئة الأوضاع في الضفة الغربية عبر ضغط دبلوماسي من الدول العربية والعالمية.
دولة مستقلة
وقال الصحفي الأردني تيسير النعيمات إن فشل الاحتلال الصهيوني في تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، خاصة بعد الموقف الرافض من الشعب الفلسطيني، دفع الاحتلال للضغط على الضفة الغربية.
وأضاف النعيمات في تصريحات صحفية أن جيش الاحتلال مستمر في مصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات، مؤكدًا أن الحكومة الصهيونية الحالية لا تؤمن بالسلام.
وفيما يتعلق بمسألة تهجير سكان الضفة إلى الأردن، أكد أن الحكومة الأردنية ترفض رفضًا قاطعًا تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
وأشار النعيمات إلى أن صمود الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وصلابة المواقف الرافضة للتهجير تتطلب دعمًا عربيًا قويًا لإسناد هذا الموقف.
وطالب بالعمل على إحياء مبادرة السلام العربية ووضعها على الطاولة مجددًا، مع موقف عربي موحد يعزز صمود الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن التطبيع مع الاحتلال يجب أن يكون مشروطًا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.